نظام الحماية من الإيذاء والحرمان العاطفي والمالي للطفل وإهماله
كيف سيحمي القضاء الطفل من عدم إنفاق أبيه عليه، إن لم يوجد آليات تلزمه بالإنفاق عليه ؟ وكيف سيحمي القضاء الطفل من إهمال أبويْه, وهو لا يُجرّم الإهمال في حقه من قبلهما؟
د. سهيلة زين العابدين حماد 
الثلاثاء 18/03/2014



يتعرّض الطفل لإيذاء نفسي وعاطفي ومالي يتمثّل في حرمانه من حضانة أمه بحكم قضائي رغم أهلية الأم لحضانته, ورفضها الزواج ليظل معها, والأشد قسوة على الطفل وأمه عندما يُنتزع الطفل من حضن أمه بقوة الشرطة, وتُحدد رؤية أمه له في أحد مراكز الشرطة, وفي حالات كثيرة يتعنّت الأب, ويحرم الأم من رؤية أطفالها, بل حتى من سماع أصواتهم عبر الهاتف, ولا يلتفت القضاء في كثير من الحالات لشكوى الأم من عدم رؤية أطفالها . 
كما يتعرّض الطفل لإيذاء مالي عندما يُحرم من نفقة أبيه لهجره أمها, أو تعليقها, أو تطليقها فلا ينفق عليه أبوه لأنّه في حضانة أمه, وإن طالبته بالنفقة يهددها بأخذه منها, حيث عليها أن ترفع قضية نفقة, وتراجع المحكمة سنوات, وبعدها يحكم القاضي بنفقة شهرية ضئيلة تصل في بعضها إلى خمسمائة ريال, وهي لا تغطي إلّا مصاريف الجيب المدرسية, دون النظر إلى وضع الطليق من حيث ما يجب عليه ومن حيث ما يدخل له وبعد ذلك تعطي كل ذي حق حقه ، والنفقة تشمل المأكل والمشرب والملبس والسكن والعلاج, لقوله تعالى:( ليُنفق ذو سَعةٍ من سعته ومنْ قدر عليه رزقه فليُنْفق ممَّا أتَاه الله)[الطلاق : 7]
وإذا طلَّق الزوج زوجه، وهي حامل ،فهو ملزم بنفقتها طوال حملها، وطوال فترة رضاع وليدها إلى أن يفطم ،بل عليه أن يدفع لها أجراً على الرضاع ،ويظهر هذا الوجوب في قوله تعالى:( وعلى المولود له رزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بالمعْروف)[ البقرة: 233.]
أي على والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف ،أي بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف، ولا إقتار بحسب قدرته في يساره وتوسطه واقتداره .
فهذه الآية دلَّت على وجوب نفقة المرأة المطلقة طالما كانت ترضع الطفل، ومن هنا استدل العلماء على ما للمطلقة من حق حيث أوجب الله نفقتها لأنَّها تؤدي مهمتها بعد الطلاق، ومن باب أولى لها النفقة، وهي تحت قوامته ،وإذا كانت نفقة المرضعة، وتأمين الإرضاع للطفل واجبيْن استدل العلماء على أنَّ للزوجة حق السكنى حيث قال تعالى:(أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تُضاروهن لتضيِّقوا عليهن وإن كن أولات حمْلٍ فانفقوا عليهن حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ وائْتَمِروا بيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسُتِرضعُ له أُخرى) 
فدلَّت هاتان الآيتان على وجوب النفقة والسكنى للمطلقة في حالة حضانتها لأولادها ورعايتها لهم.
وقد أكدَّت السنة النبوية على وجوب النفقة على الأهل والعيال من ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(خير الصدقة ما كان عن ظهر غني، وابدأ بمن تعول)[ صحيح البخاري: باب النفقات]
وقوله عليه الصلاة والسلام” وابدأ بمن تعول” أي بمن يجب عليك نفقته، يقال عال الرجل أهله ،إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة ،وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب” [فتح الباري في شرح البخاري، كتاب النفقات،9/497.]، وقوله صلى الله عليه وسلم:( كفى بالمرء إثماً أن يُضيِّع من يقوت)، وقوله صلى الله عليه وسلم:( ما مِن عبدٍ يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يُبن أو يمتن إلاَّ كنَّ له حجاباً من نار، فقالت امرأة يا رسول الله وابنتان؟ قال: وابنتان.
وهذا يؤكد أنَّ نفقة البنت على أبيها حتى تتزوج, ويسقط شرعًا حق الآباء في حضانة أولادهم إن لم يُنفقوا عليهم, ولكن مع هذا نجد بعض قضاتنا يحكمون لهم بالحضانة, فكيف سيحمي القضاء الأطفال من الإيذاء المالي الواقع عليهم من آبائهم؟
هذا وإن حصلت الأم بحكم قضائي على حق حضانة أطفالها، فيكون بإقامتهم معها فقط، ولكن من الناحية القانونية، كل أمور الأولاد القانونية بيد الأب، فلا تستطيع الأم إدخال أولادها المدارس، أو السفر معهم خارج المملكة في إجازات المدارس، أو إجراء عمليات جراحية لأحدهم إن استدعت الضرورة، أو فتح حساب بنكي لهم إلّا بإذن وموافقة الأب، فتعاني الأم أمرَّ المعاناة للحصول على موافقة الأب، خاصة وأنّ بعض المطلقين يستمتعون بتنكيل مطلقاتهم.
هذا وقد تطرّق نظام الحماية من الإيذاء في تعريفه للإيذاء إلى الإهمال, وهذه أوّل مرة يُوجد لدينا نظام يُجرّم الإهمال, وكلنا يتذكر أنّه خلال الأشهر الماضية وقعت جريمتا إهمال أدّتا لوفاة طفليْن لتركهما في سيارة مغلقة, وإحدى هاتيْن الحادثتيْن نسيت أسرة الطفل طفلها في السيارة ليلة كاملة, ولم تتنبّه إلى فقدانه إلّا في اليوم التالي, ولم نسمع معاقبة المتسببين بهذا الإهمال, في حين قرأنا في الصحف أنّ إحدى المحاكم الأسترالية حكمت على طالبة سعودية بالسجن ستة أشهر لتركها طفلتها في السيارة معرّضة للشمس لمدة ساعتيْن, ولم تنفذ الحكم لإقرار الطالبة بخطئها وأدبها في التعامل مع السلطات, بينما الذين تركوا طفلهم ليلة كاملة في سيارة مغلقة حتى توفي لم يُعاقبوا بشيء.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيحمي القضاء الطفل من عدم إنفاق أبيه عليه، إن لم يوجد آليات تلزمه بالإنفاق عليه ؟ وكيف سيحمي القضاء الطفل من إهمال أبويْه, وهو لا يُجرّم الإهمال في حقه من قبلهما؟
  وبعد هذه القراءة المتأنية لنظام الحماية من الإيذاء في سلسلة من المقالات التي بدأت منذ صدور نظام الحماية من الإيذاء، والتي بلغت (28) مقالًا على مدى سبعة أشهر تناولت فيها مدى تضارب بعض الأحكام الفقهية والقضائية مع مواد هذا النظام، وجوانب النقص في مواده، وكيف يمكن تدارك كل ذلك من خلال اللائحة التنفيذية للنظام، كما بيّنتُ كيفية تفعيله، أرجو أن توضع هذه القراءة في الاعتبار في اللائحة التنفيذية للنظام، وفي مدونة الأحوال الشخصية التي هي في طور الإعداد، وكل ما أرجوه أن يتمكّن نظام الحماية من الإيذاء من تحقيق الضمان لحماية المرأة والطفل على الخصوص من أي إيذاء، وإن كان من مآخذه الكبرى أنّه لم يخص المرأة والطفل بالذكر! 
suhaila_hammad@hotmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 – Stc
635031 – Mobily
737221 – Zain

Leave a Reply