حرمان المطلقة من حضانة أطفالها ونظام الحماية من الإيذاء
يُنتزع الأطفال من أحضان أمهاتهم اللاتي آثرن عدم الزواج لتربيتهم ليُقذفوا في أحضان زوجات الآباء اللاتي يُفرض عليهن تربيتهم ورعايتهم وقد يُمارسن عنفًا ضدهم
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 08/10/2013
 


لقد ركّز نظام الحماية من الإيذاء في تعريفه للإيذاء على إساءة المعاملة النفسية للمرأة والطفل, والمُطلَّقة تتعرّض إلى إيذاء ما بعده إيذاء بحرمانها من الزواج لتحتفظ بأولادها, ولكن ما أن يبلغ الذكور منهم سن السابعة والإناث التاسعة, يأخذهم الأب لترعاهم وتربيهم زوجه الأخرى بدلًا من أمهم دون مراعاة لمصلحتهم, ورغم ثبوت لدى القاضي ممارسة الأب وزوجه عنفًا ضد الطفل في بعض القضايا, إلّا أنّنا نجد بعض القضاة يحكمون بحضانة الطفل للأب, رغم قول فقيه الحنابلة ابن قدامة المقدسي في المغني:« والحضانة إنما تثبت لحظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه» [المغني» (8/190)]،وقول ابن القيم:« على أنّا إذا قدمنا أحد الأبوين فلا بد أن نُراعي صيانته وحفظَه للطفل, ومادامت هذه آراء كبار فقهاء الحنابلة, ونحن في محاكمنا نسير على المذهب الحنبلي, لماذا لا تُراعى مصلحة المحضون في أحكام القضاء؛ إذ يُنتزع الأطفال من أحضان أمهاتهم اللاتي آثرن عدم الزواج لتربيتهم ليُقذفوا في أحضان زوجات الآباء اللاتي يُفرض عليهن تربيتهم ورعايتهم وقد يُمارسن عنفًا ضدهم, فأغلب حالات العنف ضد الأطفال التي تمّ رصدها ووصل بعضها إلى القتل لأطفال مطلقات أمهاتهم , والعُنف ممارس ضدهم من قبل الآباء وزوجات آبائهم غير أمهاتهم.
   وأقسى أنواع الإيذاء للأم والطفل عندما يُنزع من حضن أمه إن تزوجت ولو كان رضيعًا, عملًا بحديث « أنتِ أحقُّ به ما لم تُنكحي» رغم ضعفه, فقد قال عنه ابن حزم في المحلى:” وهذه صحيفة لا يُحتج بها”, والصحيفة من التصحيف وهو الخطأ في الصحيفة ومنه الصَّحَفِيٌّ وهو من يخطئ في قراءة الصحيفة فيغير بعض ألفاظها بسبب خطئه في قراءتها واصطلاحاً: تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رواها الثقات لفظاً أو معنى, وفي رواية لهذا الحديث عن المثنى بن الصباح, والمثنى ضعيف, أمّا ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال:” خاصمت امرأة عمر إلى أبي بكر، كان طلقها، فقال أبو بكر: هي أعطف و ألطف و أرحم و أحن وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج”, فمع كونه موقوفًا، فهو مرسل، وقد روي من وجوه أخرى مرسلًا في” الموطأ” و” المصنف” لابن أبي شيبة ومن وجه آخر موصولًا بإسناد ضعيف منقطع.
   ويؤكد ضعف هذا الحديث ما ثبت صحته من السنة الفعلية أنَّ الرسول عليه الصلاة والسّلام قضى بابنة حمزة لخالتها في الحضانة, وخالتها يومئذ لها زوج، وذلك بعد مقتل حمزة، وبناءً عليه فالأم أحق بأن تكون أولى بالحضانة وإن كان لها زوج، والحسن البصري كان يقول المرأة أحق بولدها، وإن تزوجت وقضى بذلك يحيى بن حمزة، وفي رواية لأحمد أنّ نكاح الأم لا يسقط حضانة البنت ويسقط حضانة الابن, ويقول ابن القيّم بعدم سقوط حضانة الأم بالزواج إذا رضي الزوج؛ إذ قال: إذا رضي زوج الأم بالحضانة وآثر الطفل عنده في حجره لم تسقط الحضانة, وهذا هو الصحيح مبني على سقوط الحضانة بالنكاح مراعاة لحق الزوج، فالحضانة ليست حقاً لله».
وهذا القول يدعوني إلى التساؤل هل مراعاة حق الزوج تكون على حساب حق طفل لا حول له ولا قوة ليحرم من أمه أحق الناس بصُحبته؟
   ولماذا لا يُحرم في المقابل الأب بزواجه من حضانة أطفاله, خاصة أنّه سيكون معظم الوقت خارج البيت, تاركهم لزوجته, بينما الأم إن تزوّجت, فهي القائمة بتربية أطفالها ورعايتهم؟
   وممّا يدعونا إلى التوقف عنده تأكيد علمائنا ومشايخنا على أهمية الأم في التربية, ويُطالبونها بالتفرّغ لتربية أولادها, فلا تدرس ولا تعمل لأنّ هذا سيؤثر على رعايتها وتربيتها لهم, ولكن ما أن تُطلّق ينتهي هذا الدور حتى لأطفالها من هم في سن الرضاعة!!
    ومع أنّ المقصود بالحضانة هو رعاية الصغير والقيام بشؤونه وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه, فإن امتنع الأب عن القيام بهذا الواجب- ومنه النفقة – تجاه طفله فهو آثم بذلك، ويسقط حقه في الحضانة, ومع هذا نجد بعض القضاة يحكمون للآباء بحضانة أطفالهم مع سقوط حقهم في حضانتهم لعدم الإنفاق عليهم فترة حضانة أمهم لهم, فمن القضايا التي وردت عليّ أنّ قاضيًا حكم بحضانة فتاة لأبيها عند بلوغها الرابعة عشرة , وطوال هذه السنين والدها لم يُنفق عليها, والذي أنفق عليها وربّاها زوج أمها الذي عاملها كابنته, وفجأة صدر حكم قضائي بحضانة الأب لها الذي كان غريبًا عليها, فلم تعرفه من قبل!
فكيف يمكن حماية المطلقة وأطفالها من إيذاء ما بعده إيذاء إذا كانت المادة (74) في مسودة اللائحة التنفيذية لنظام “التنفيذ” في الأحكام القضائية التي أعدتها وزارة العدل تنص على الاستعانة بالقوة المختصة في الشرطة، ودخول المنازل لتنفيذ الأحكام الصادرة بحضانة الطفل الصغير وحفظه, والتي تكون في معظمها لصالح الأب دون مراعاة لمصلحة المحضون الذي آثرت أمه عدم الزواج لرعايته, أوقد يكون رضيعًا منزوعًا من حضنها لزواجها, دون انتظار حتى بلوغه سن الفطام؟
suhaila_hammad@hotmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 – Stc
635031 – Mobily
737221 – Zain
جريدة المدينة  –
http://www.al-madina.com/node/483315

Leave a Reply