الاختلاف حول كشف المرأة لوجهها لا مبرر له (1)
الأئمة الأربعة قالوا بكشف وجه المرأة، وبوجوب كشفه في الإحرام، ولو كان وجهها عورة لما قالوا بكشفه، فأين هو الخلاف حول كشف المرأة لوجهها؟!
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 19/03/2013
 

 
كثر الحديث حول الخلاف بين الفقهاء على كشف المرأة لوجهها، وأنا لا أرى مبرراً لهذا الاختلاف، فالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهما مرجعيتنا، قد حسما أي خلاف، أو اختلاف، مع أنّ الأئمة الأربعة أجمعوا على وجوب كشف المرأة وجهها في الإحرام، وقد ورد في المغني لابن قدامة الحنبلي: «المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه» وجاء في المبسوط للسرخسي الحنفي: «المرأة المحرمة لا تغطي وجهها بالإجماع» وورد في مدوّنة الإمام مالك: «قلت لابن القاسم: وكذلك المرأة «المحرمة» إذا غطّت وجهها «افتدت؟ قال: نعم» (1/461) وورد في التاج والإكليل: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت غير القفازين والبرقع والنقاب، ولا تغطي وجهها» (3/141)، وورد في كتاب الأم للشافعي: «وتفارق المرأة الرجل، فيكون للرجل تغطية وجهه من غير ضرورة، ولا يكون ذلك للمرأة. وورد في المجموع للنووي الشافعي: «أمّا المرأة فالوجه في حقها كرأس الرجل يحرم ستره بكل ساتر، كما سبق في رأس الرجل. (7: 265). هذا وقد قرر الأئمة الأربعة أنّ المرأة كلها عورة إلّا وجهها وكفيها، يقول ابن هبيرة: «قال أبوحنيفة: وكلها عورة إلا الوجه والكفيْن والقدميْن، وقال مالك والشافعي: كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وقال أحمد في إحدى روايتيه: كلها عورة إلّا وجهها وكفيْها كمذهبهما. والرواية الأخرى: كلها عورة إلّا وجهها خاصة وهي المشهورة» (الإفصاح عن معاني الإصحاح: 1/ 86). فهؤلاء الأئمة الأربعة قالوا بكشف وجه المرأة، وبوجوب كشفه في الإحرام، ولو كان وجهها عورة لما قالوا بكشفه، فأين هو خلاف الفقهاء حول كشف المرأة لوجهها؟! أمّا عن قول عائشة رضي الله عنها: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها. فإذا جاوزونا كشفناه) الذي اتخذه أصحاب وجوب تغطية الوجه كدليل على ذلك، فهذا يخص أمهات المؤمنين لوجوب عليهن تغطية وجوههن دون نساء العالمين، يقول القاضي عياض: «لا خلاف أنّ فرض ستر الوجه ممّا اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم». (عبدالحليم أبوشقة: تحرير المرأة في عصر الرسالة، 4/ 175، نقلًا عن التاج والإكليل). ولو كانت تغطيته واجبة على كل نساء الإسلام لأخذ الأئمة الأربعة بهذا الحديث. وحتى في تفسير: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ).. (النور: 31)، نجد القائلين بوجوب تغطية وجه المرأة فسّروا هذه الآية بقولهم: «والخمار هو غطاء الرأس فإذا سدل على النحر مر بالوجه، وهذا خلاف ما فسره ابن عباس رضي الله عنه؛ إذ فسر (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) أي: الوجه والكفان يؤيده قول عائشة وأنس وابن عمر رضي الله عنهم ونفس هذا التفسير فسره بعض التابعين: عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة وهذه الأقوال أوردها السيوطي في «الدرر المنثور في التفسير بالمأثور، كما فسره بذلك المفسرون مثل الطبري وابن كثير والجصّاص والقرطبي والبغوي وابن العربي والخازن والسيوطي، فلو رجعنا إلى تفاسيرهم لهذه الآية نجدهم أجمعوا على أمريْن: أولهما: أنّ معنى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، أي الوجه والكفين، فجاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية: «وَقَالَ الْأَعْمَش عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قَالَ: وَجْههَا وَكَفَّيْهَا وَالْخَاتَم. وقال الجصّاص: «ويدل على أنّ الوجه والكفيْن ليسا بعورة أيضًا، أنّها تصلي مكشوفة الوجه واليدين، فلو كانا عورة لكان عليها سترهما، كما عليها ستر ما هو عورة. وقال البغوي: «وإنّما رخّص في هذا القدر أن تُبْديه من بدنها، لأنّه ليس بعورة، وتؤمر بكشفه في الصلاة. وقال القاضي أبوبكر بن العربي: والصحيح أنّها أي الزينة الظاهرة) من كل وجه هي التي في الوجه والكفيْن» فإنّا التي تظهر في الصلاة، وفي الإحرام. وقال القرطبي: «لمّا الغالب من الوجه والكفيْن ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة، وفي الحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما، يقصد الاستثناء في قوله تعالى: (إلّا ما ظهر منها) وقال الخازن: «وإنّما رخّص في هذا القدر للمرأة أن تُبديه من بدنها لأنّه ليس بعورة، وتؤمر بكشفه في الصّلاة». ثانيهما: أنّ معنى (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) جاء في تفسير ابن كثير لها: «يَعْنِي الْمَقَانِع يُعْمَل لَهَا صِفَات ضَارِبَات عَلَى صُدُورهنَّ لِتُوَارِي مَا تَحْتهَا مِنْ صَدْرهَا وَتَرَائِبهَا لِيُخَالِفْنَ شِعَار نِسَاء أَهْل الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُنَّ لَمْ يَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ بَلْ كَانَتْ الْمَرْأَة مِنْهُنَّ تَمُرّ بَيْن الرِّجَال مُسَفِّحَة بِصَدْرِهَا لَا يُوَارِيه شَيْء، وَرُبَّمَا أَظْهَرَتْ عُنُقهَا وَذَوَائِب شَعْرهَا وَأَقْرِطَة آذَانهَا فَأَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنَات أَنْ يَسْتَتِرْنَ فِي هَيْئَاتهنَّ وَأَحْوَالهنَّ… والْخُمُر جَمْع خِمَار وَهُوَ مَا يُخَمَّر بِهِ أَيْ يُغَطَّى بِهِ الرَّأْس وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النَّاس الْمَقَانِع. قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر (وَلْيَضْرِبْنَ) وَلْيَشْدُدْنَ (بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ) يَعْنِي عَلَى النَّحْر وَالصَّدْر فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْء. وفي تفسير الجلالين: «أَيْ يَسْتُرْنَ الرُّؤوس وَالْأَعْنَاق وَالصُّدُور بِالْمَقَانِعِ» وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ «الْخَفِيَّة وَهِيَ مَا عَدَا الْوَجْه». وفي تفسير الطبري: «وَلْيُلْقِينَ خُمُرهنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ, لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورهنَّ وَأَعْنَاقهنَّ وَقُرْطهنَّ»، في تفسير القرطبي: «قَالَ النَّقَّاش: كَمَا يَصْنَع النَّبَط; فَيَبْقَى النَّحْر وَالْعُنُق وَالْأُذُنَانِ لَا سَتْر عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِلَيِّ الْخِمَار عَلَى الْجُيُوب، وَهَيْئَة ذَلِكَ أَنْ تَضْرِب الْمَرْأَة بِخِمَارِهَا عَلَى جَيْبهَا لِتَسْتُر صَدْرهَا» ويقول ابن حزم لو كان تغطية وجه المرأة واجباً لقال تعالى: (وليضربن بخمرهن على وجوههن بدلاً من على جيوبهن). وهكذا نجد أئمة التفسير فسّروا هذه الآية بكشف المرأة لوجهها وكفيّها، ويؤيد هذا المعنى من القرآن آيات عديدة وهذا ما سأبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 – Stc
635031 – Mobily
737221 – Zain

Leave a Reply