1-تصحيح الخطاب الإسلامي للمرأة

رد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد على فضيلة الشيخ الفوزان:

رد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين  الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد  على فضيلة الشيخ الفوزان:
 الله جل شأنه أعطى المرأة حق الولاية, و لم أقدح في أبي بكرة رضي الله عنه ,ولم أسب صحابة رسول الله رضوان الله عليهم, أولًا: كنتُ أنتظر من فضيلته أن يحترم مخالفه الرأي في الخطاب, وليس لكونه عضو في هيئة كبار العلماء يُقلل من شأن من يُخاطبه, بل بالعكس , فلكونه عالم دين , وعضو في هيئة كبار العلماء  يوجبان عليه احترام كل من يخاطبهم.


ثانيًا: أنا لم أقدح في الصحابي الجليل أبي بكرة رضي الله عنه راوي حديث ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) مع أنّ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدّه بحد القذف, ولم يتب, فقال له لن نقبل شهادتك, قال ابن إسحاق: عن الزهري، عن سعيد، أنّ عمر جلد أبا بكرة، ونافع ابن الحارث، وشبلا، فتابا فقبل عمر شهادتهما وأبى أبو بكرة  فلم يقبل شهادته وكان أفضل القوم.”  , ولم يقبل شهادته امتثالًا لقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا) فإن كانت لا تقبل روايته على الشهادة لأحد من الناس, فكيف تُقبل شهادته على الله ورسوله؟ وكيف نُخالف أمر الله, ونقبل شهادة من أمرنا بعدم قبول شهادتهم؟ فهذه واقعة حدثت, ولم أدعيها, فأين القدح في أبي بكرة رضي الله عنه, وأين سبي للصحابة رضوان الله عليهم؟
ثالثًا : حديث ” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” رواية مفردة, ولم يرو من طرق أخرى, ولا توجد أحاديث أخرى في هذا الأمر, والروايات المفردة لا يؤخذ بها في الأحكام الفقهية, لأنّ الحديث وحي من الله في معناه ,وبأسلوب الرسول صلى الله عليه في لفظه, ولا يبّلغ لفرد واحد, لأنّ روايته شهادة على  الله ورسوله.
إنّ السنة الصحيحة لا تناقض القرآن الكريم , ومن أدلة عدم صحة هذا الحديث  مناقضته للآيات القرآنية التالية:
1. آية البيعة رقم 12 من سورة الممتحنة التي جاء فيها الخطاب على التخصيص للنساء للتأكيد على استقلالية بيعة النساء عن الرجال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وطالما لها أن تُبايِع, فلها أن تُبايَع مثلها مثل الرجل, أي لها تولي الشؤون العامة في المجتمع, فإذا أسقطنا حق المرأة في المبايعة ,فنحن بالتالي أسقطنا هذا الحق أيضًا من الرجل.
2.   يؤكد هذا المعنى: قوله تعالى( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر)
3.  ,إشادة الله جل شأنه بملكة سبأ, ولم ينكر توليها الحكم, وبيّن أنّ دولتها كانت قوية(قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) أي كانت دولتها قوية ,و فلح قومها في الدنيا والآخرة إذ أعلنت إسلامها (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ), وأتساءل كيف لا نأخذ بكلام الله, ونتمسك برواية من قال الله فيه ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا … إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا..)؟
 رابعًا :أمّا القول “إنْ  قصة  ملكة سبأ حصلت من قوم مشركين يعبدون الشمس من دون الله فكيف يؤخذ منها دليل على جواز تولية المرأة الشؤون العامة في الإسلام “,فهذه المقولة ذات أبعاد خطيرة , وهي إنكار ما ورد في القرآن من أحكام مبنية على قصص الأقوام السابقة للإسلام, إنّ الدين عند الله الإسلام , وقال الله جل شأنه على لسان ملكة سبأ(وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وقد أقرّ سيدنا سليمان عليه السلام  لبلقيس  حكم سبأ بعد إسلامها , وهذا ما ذكوته كتب التفسير والسيره , ثمّ أنّ الله جل شأنه هو الذي أشاد بملكة سبأ, ولو كان منكرًا ذلك لسفّه عبدة الشمس لتولية أمرهم امرأة.
خامسًا:  أمّا القول إنّ تولية المرأة الولاية العامة في المناصب الكبيرة مما لم يجرِ في تاريخ الإسلام العمل به فهو مردود بالإجماع, فأرد عليه بالتالي:  فقد ولى سيدنا عمر بن الخطّاب السيدة الشفاء من بني عدي الحسة, وكانت أوّل محتسب في الإسلام ,وتولت  سمراء بنت نُهيك الأسدية رضي الله عنها أمر السوق في مكة المكرمة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،,كما روى الطبراني فقد كانت تلبس خماراً ثقيلاً، وتُمسك بالسوط تعنف به المخالفين.وفي كتاب أعلام النساء لرضا كحّالة والأعلام للزركلي وغيرهما نماذج كثيرة من مشاركة المرأة المسلمة في توليها مناصب كبرى في بلادها في مختلف الولايات الإسلامية في حقب تاريخية, منها على سبيل المثال لا الحصر:
1.السيدة بنت المنصور بن يوسف الصنهاجي ،وكنيتها ” أم ملال”: وهي من ربات النفوذ والسلطان والعقل والرأي، والدها صاحب إفريقية ،وترَّبت تربية عالية ،واقتطفت من الأدب والعلم حتى فاقت أخاها نصير الدولة باديس فأشركها في تدبير أمر الملك ،وأخذ برأيها في سياسة الدولة ،وعندما توفي أخاها بويع ابنه المعز ،وهو لم يبلغ يومئذ التاسعة من عمره وتسلَّم الإمارة سنة 406هـ ،وبإجماع عظماء صنهاجة ومشيخة القطر وأمراء الجند والفقهاء والعلماء أقاموا عمته أم ملال وصية عليه إلى أن يبلغ سن الرشد. وتولت أم ملال شؤون الملك بحسن وتدبير ورأي ثاقب واستمرت على ذلك إلى أن بلغ محجورها سن الرشد وتأهل لاستلام أزِمَّة الحكم.[ انظر : أعلام النساء لعمر رضا كحالة 2/287.]2. وأروى بنت أحمد بن جعفر الصُليحية ،وتنعت بالحرة الكاملة وبلقيس الصغرى : وهي ملكة حازمة ،مدبرة يمنية ،ولدت في حراز باليمن ونشأت في حجر أسماء بنت شهاب الصليحية ،وتزوجها المكرم وفلج ،ففوَّض إليها الأمور ،فاتخذت لها حصناً بذي جبلة كانت تقيم به شهوراً من كل سنة ،وقامت بتدبير المملكة والحروب إلى أن مات المكرم سنة 484هـ ،وخلفه ابن عمه سبأ بن أحمد فاستمرت في الحكم ترفع إليها الرقاع ويجتمع عندها الوزراء ،وتحكم من وراء حجاب ،وكان يدعى لها على منابر اليمن ،فيخطب أولاً  للمستنصر الفاطمي ،ثمَّ للصليحي، ثمَّ للحُرَّة.
3. ورضية بنت التمش: ملكة من ملكات الهند كانت ذات سلطة ونفوذ وإدارة .ارتقت الملك في 18 ربيع الأول سنة 634هـ بعد خلع أخيها ركن الدين فيروز شاه ،وهي خامس ملوك دولة المماليك بالهند, وخديجة بنت عمر بن صلاح الدين البنجالي: من سلطانات الهند، ولمَّا توفي والدها خلفه في السلطنة أخوها شهاب الدين ،فكان سيء السيرة فخلعه الشعب سنة 740هـ ،ونادى بأخته خديجة سلطانة على عرش أبيها .
4. والسلطانة عنايت شاه: توفيت سنة 1688م ،تولت ملك اتشين في سومطرة بعد وفاة السلطانة تقية سنة 1678م ،وكان عصرها من العصور الذهبية, ومن يريد معرفة المزيد فليرجع إلى كتاب أعلام النساء لعمر رضا كحّالة, ولأعلام للزركلي.
1- وفي عصرنا الحاضر, وفي بلادنا ,وعند جهود الملك عبد العزيز – رحمه الله – في توحيد المملكة , سيدة من عرب البُقوم من بادية بين الحجاز ونجد تدعى غالية، اشتهرت بالشجاعة ونُعتت بالأميرة ، كانت أرملة رجل من أغنياء البقوم من سكان تربة على مقربة من الطائف،  من جهة نجد وكان أهل تربة أسبق أهل الحجاز إلى موالاة نجد ، واتبعوا مذهب الحنابلة، ولأهل تربة مواقف معروفة فيما كان بين النجديين والترك والهاشميين، وقد تحدث عنها: محمود فهمي المهندس في كتابه “البحر الزاخر” واصفاً بطولة امرأة في حرب آل سعود للأتراك سنة 1912م ما خلاصته: لم يحصل من قبائل العرب القاطنين بقرب مكة مقاومة أشد ممَّا أجراه عرب البقوم في تربة ،وكان قد لجأ إليها معظم عساكر الشريف غالب ،وقائد العربان في ذلك الوقت امرأة أرملة اسمها” غالية”، وتحدث عنها المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي فقال  في حوادث صفر سنة 1222هـ: :” وفي ثانية وصل مصطفى بك أمير ركب الحجاج إلى مصر ،وسبب حضوره أنَّه ذهب بعساكره وعساكر الشريف من الطائف إلى ناحية تربة ،والمتأمر عليها امرأة فحاربتهم وانهزم منها شر هزيمة ،فحنق عليها الباشا وأمره بالذهاب إلى مصر مع المحمل ،وقال أيضاً في حوادث جمادي الأولى سنة 1229هـ : ( وفي رابعة وصلت هجَّانة من ناحية الحجاز ،وأخبر المخبرون أنَّ طوسون باشا وعابدين بك ركبا بعشائرهما على ناحية تربة التي بها المرأة التي يُقال لها غالية ،فوقعت بينهما حروب ثمانية أيام ،ثُمَّ رجعوا منهزمين لم يظفروا بطائل.)
فهذه نماذج قليلة من كثيرة ذكرها التاريخ الإسلامي عن تولي المرأة الشأن العام في مختلف العصور الإسلامية.
سادسًا: أمّا القول بأنّ ذلك يعرضها للخلوة والاختلاط, فهذا اعتراض على الخالق جل شأنه الذي أعطاها هذا الحق, فهو أدرى بشؤون خلقه, وبالأصلح لهم.
 

 

Leave a Reply