قضايا حُسن العِشرة
المرفوعة من الأزواج ضد زوجاتهم يفوق المرفوع من النساء عن سوء عشرة الأزواج،
تجنبًا من رفع زوجاتهم قضايا عنفٍ ونفقةٍ ضدهم

د. سهيلة زين العابدين حماد

الثلاثاء
25/09/2012

أواصل الحديث عن
دلالات الإحصائيات التي نشرتها وزارة العدل عن ارتفاع نسب قضايا حُسن العشرة
المرفوعة من الأزواج ضد زوجاتهم يفوق عدد القضايا المرفوعة من النساء عن سوء عشرة
الأزواج؛ تجنبًا من رفع زوجاتهم قضايا عنفٍ ونفقةٍ ضدهم، والذي شجّعهم على هذا
اعتماد محاكمنا لمرويات موضوعة وضعيفة عن خروج الزوجة بدون إذن زوجها، وبموجبها
أُعتبر خروجها دون إذنه ناشزًا، وهي في الغالب تكون قد خرجت من بيتها فرارًا ممّا
يُمارس زوجها من عنف ضدها، ومن هذه الأحاديث ما رواه ابن بطة عن أنس أنَّ رجلاً
سافر ومنع زوجته الخروج، فمرض أبوها، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في
عيادة أبيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقِ الله ولا تخالفي
زوجك»، فمات أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته، فقال
لها: «اتقي الله ولا تخالفي زوجك»، فأوحى الله إلى النبي عليه الصّلاة والسلام:
«إنِّي غفرتُ لها بطاعة زوجها».

فهذا الحديث ضعيف
سندًا ومتنًا، فمن حيث الإسناد فابن بطة هو: الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ،
شَيْخُ الْعِرَاقِ أَبُوعَبْدِاللهِ، عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، ابْنُ بَطَّة. ويقول عنه
الإمام الذهبي: «قلت لابن بطة مع فضله أوهام وغلط. وقد صنَّفه ضمن الطبقة (21).
(محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: سير أعلام النبلاء، 16/529، طبعة بدون، 1423هـ –
2001م، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان).

وقال عبيد الله
الأزهري: ابن بطة ضعيف، ولا أخرج عنه في الصحيح شيء، وقال حمزة بن محمد بن طاهر
الدقاق: لم يسمع ابن بطة الغريب من بن عزيز، وقال: ادعى سماعه، قال الخطيب: وروى
ابن بطة كتب ابن قتيبة، عن ابن أبي مريم الدينوري، ولا يعرف ابن أبي مريم.

ضعفه متنًا:

1- واضح من نص
الحديث أنّ المرأة خرجت من بيتها لتستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في زيارة
والدها المريض، وما دام زوجها قد منعها من الخروج من البيت، فهي عصته وخرجت، والذي
يجعلها تخرج من بيتها لأخذ الإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة زوجها،
وزيارة والدها المريض، يجعلها تذهب مباشرة إلى بيت والدها والاطمئنان عليه، وكيف
يقبل رسول الله صلى الله عليه خروج المرأة لسؤاله، ولا ينبهها إلى عصيانها لأمر
زوجها بخروجها من البيت؟ ونلاحظ أنَّها كررت فعلتها مرتيْن.

2- لا يتفق مضمون
الحديث مع قوله تعالى: (وقضى ربك ألاَّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالديْن إحسانًا) فقد
قرن الله تعالى إفراد العبادة له بالإحسان إلى الوالديْن، ومن الإحسان إليهما
برّهما وزيارتهما وخدمتهما في المرض، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فعدم البر
بالوالدين والسؤال عنهما وزيارتهما من العقوق بهما، والعاق لا يدخل الجنة، فعقوق
الوالديْن من أكبر الكبائر، كما جاء في الحديث الشريف.

3- كما أنَّ صلة
الرحم تدخل الجنة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «تعبد الله لا تشرك به شيئًا،
وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم).. (رواه البخاري، باب فضل صلة الرحم،
حديث رقم (5983)).
4- ما ذكره ابن قدامة من علة مرفوض فقوله: لا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب لا
ينطبق على هذه الحالة (ابن قدامة: المغني: 8/ 130)، فزيارة المريض واجبة، فما
بالكم بزيارة الأب إن مرض، فهي من أوجب الواجبات، وقد قرن الله الإحسان إلى
الوالديْن بإفراد العبادة له. (المرجع السابق: 8/130).

5- مناقضة ابن
قدامة لما جاء في الحديث، فلو كان على قناعة بصحة الحديث لما قال ما قاله مناقضًا
للحديث، فكيف يأمر الرسول المرأة بتقوى الله، وعدم مخالفة زوجها، والله يوحي
للرسول صلى الله عليه بأنَّه غفر للمرأة لطاعتها زوجها، ويقول ابن قدامة لا ينبغي
للزوج منعها من عيادة والديها؛ لأنَّ في ذلك قطيعة لهما، وقد أمر الله المعاشرة
بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف..!

6- هذا وممّا يجدر
ذكره أنّ هذا الحديث لم يرد في صحيحي البخاري ومسلم.

وأتساءل هنا: كيف
يؤخذ بأحاديث موضوعة وضعيفة في أحكامنا الفقهية والقضائية؟!

suhaila_hammad@hotmail.com

 

 

Leave a Reply