نظرة أوروبا للشرق في القرن العشرين
بقلم د. سهيلة زين العابدين حمّاد
هذه المادة لم يسبق نشرها أخصها لقراء وقارئات المدونة الأعزاء تتضح هذه النظرة من محاضرة ألقاها بلفور في مجلس العموم البريطاني سنة 1910م، وبلفور يمثل نموذجاً لحكام الغرب يربط بين المعرفة والقوة، فالمعرفة تمنح القوة، والمزيد من القوة يتطلب المزيد من المعرفة والمعرفة في نظره تعني المسح الكامل لحضارة من أصولها إلى ذروتها، لذلك أنكب الأوروبيون منذ عصور سحيقة على دراسة الشرق والشرقي كأنّها في قاعة درس أو محكمة أو سجن أو في دليل موجز لأغراض التحليل العلمي، وهذا يعني أنّ الشرقي أعتبر شيئا يدرس ويؤدب ويحكم ويضح، والأمم الشرقية عند بلفور لم تؤسس من منطلق حكم الذات لأنّها غير قادرة على ذلك، مما يحتم على المستعمرين أن يحكموها ويحتلوها ويعبروا عن آرائها وتطلعاتها، وهذا يستلزم ضرورة احتلال أوروبا للشرق، فاحتلال بريطانيا مثلاً لمصر هو ـ في رأيه ـ الأساس الفعلي للحضارة المصرية المعاصرة، ويكفي أنّها أعادت للمصريين اعتبارهم كبشر عندما أقرت أنّهم سكان لمستعمرات منتجة، فالدراسة الاستشراقية كانت مثقلة منذ البدء بالشعور بالفوقية والدونية أو الشعور بالتميز السلالي أو العرقي، وهذا النوع من الفهم كان عاماً في أوروبا وتأثر به الكتاب والأدباء أمثال: فلوبير ونرفال وسكوت، وقدوضع هؤلاء الضوابط في ما يمكن أن يقولوا عن الشرق، لأنّ الاستشراق في الأساس رؤية سياسية للواقع، ورؤية روج المستشرقون بنيتها ليفرقوا بين المألوف (أوروبا، الغرب، نحن) وبين الغريب (الشرق ،المشرق، هم) وهذا يعنى أنّ تلك الرؤية وجدت ثم أصبحت واقعاً يعيشه المستشرقون ويألفه الشرقيون، وبمرور الزمن غدا كل من الرؤية والواقع متممين لبعضهما البعض، يمنح أحدهما الآخر القدرة على البقاء والاستمرار بما يخدم فهم المستشرقين ومصالح بلادهم، وعلى العموم فإنّ الشرق كان في نظر المستشرقين العالم القديم فهو يحن إليه، كما يحن إلى الفردوس، ففيه نشأت الأديان، وعرفت الحضارة مهدها الأول، وهذا ما رسخ الاعتقاد السائد لدى المستشرقين بأن الشرق موضوع أكاديمي وحقل اكتشاف .

[1] – مراجعة د. فايز توضيحي لكتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، مجلة الفكر العربي ،عدد 32 ،مرجع سابق، ص 153.

Leave a Reply