الغزو الثقافي الفكري ودور الإستشراق
بقلم د. سهيلة زين العابدين حمّاد
خاص لقراء وقارئات المدونة الأعزاء
قِدم الغزو الفكري والثقافي
مما لا يخفى على الجميع أنَّ الغزو الفكري والثقافي لمجتمعاتنا الإسلامية ليس بحديث العهد ،وقد أكّد على هذا المستشرق البريطاني “سوذرن” بقوله:
( كانت حجتهم في إقبالهم على دراسة الإسلام ضرب إرادة المقاومة عند الخصم عن طريق تشكيكه في صحة عقيدته ،ودفع الجنود الأوربيين لمزيد من الضراوة والانتقام عن طريق التركيز على قوة الإسلام العسكرية ، والذين كانوا يُعارضون العمل العسكري ضد الإسلام كانوا أكثر إقبالاً على التصدي له فكرياً بعد أن فقدوا إيمانهم بالعمل المسلح.)
دور الاستشراق في الغزو الفكري والثقافي
وبعد أن كشف الأستاذ إدوارد سعيد وآخرون أمر الاستشراق ،وما يرمي إليه أعلن المستشرق اليهودي البريطاني الأمريكي ” برنارد لويس” براءته من مصطلح الاستشراق ،وليس من منهجه وأهدافه ،وقال فليرم هذا المصطلح في “مزبلة التاريخ “،واستبدلوه بمصطلح “دراسات الشرق الأوسط “،وظهر ما يسمى بالاستشراق الجديد القائم على تبني بعض الجامعات الأوربية تعليم أبناء الجاليات الإسلامية اللغة العربية لدراسة الإسلام وفق مرئيات الغرب ،والكتابة عنه باللغة العربية ليتقبل المسلمون ما يكتبونه باعتبارهم مسلمين.
ولا ينحصر الغزو الفكري والثقافي عند هذا الحد ؛إذ نجد البابوية قد صعًدت الموقف ضد الإسلام عندما أعلن البابا ” يوحنا الثاني” في المجمع المسكوني الثاني الذي عقد في الفترة من 1962- 1965م استقبال الألفية الثالثة بلا إسلام ،وقال الأب كاسبار في هذا المجمع : ( إنَ هناك من بين رجال الدين الحاضرين مَن يعتبرون الإسلام خطأً مطلقاً لابد من رفضه لأنًه يمثل خطراً بالنسبة للكنيسة ،ولابد من محاربته.)
دور التنصير في الغزو الفكري
وفي مؤتمر التنصير الذي عقد في كلورادو بالولايات المتحدة عام 1978م أعلن المنصِّرون الذين حضروا هذا المؤتمر أنّ الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية شر برمتهما ينبغي اقتلاعهما من جذورهما ،وأنَ الحوار المسيحي الإسلامي أحد وسائل تنصير المسلمين ،وأنَ الإنجيل لابد أن يجد طريقه إليهم ،وأنَ كلمة مسلم وكلمة مسجد تستفزهم.
وفي مايو عام 1992م أعلن نائب الرئيس الأمريكي في احتفال الأكاديمية البحرية بولاية ماريلاند : ( أنَهم أخيفوا في هذا القرن ـ القرن العشرين ـ بثلاث تيارات هي : الشيوعية والنازية والأصولية الإسلامية ،وقد تمكَنوا من التخلص من النازية والشيوعية ،ولم تبق سوى الأصولية الإسلامية.)
وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م التي خططت لها المخابرات الأمريكية مع الموساد للقضاء على الإسلام ؛ إذ ألصقوا التهمة بتسعة عشرعربياً ومسلماً ،وأعلنَ على الفور الرئيس الأمريكي ” جورج بوش” حرباً صليبية على الإسلام ،ولم يكن هذا بزلة لسان ،كما قيل ،وإنَما جاء بناءً على مخطط صهيو أمريكي مرسوم منذ أربعينيات القرن الماضي لبدء عصر استعمار أمريكي للعالم الإسلامي الذي أطلق عليه الآن مصطلح ” الشرق الأوسط الكبير للقضاء على الإسلام ،وإقامة الامبراطورية الأمريكية التي ستكون ضمنها دولة إسرائيل الكبرى ،وللأسف الشديد نجد إعلامنا سار في ركب الإعلام الصهيوأمريكي ،وردد ما يقوله عن أنَّ تنظيم القاعدة هو الذي خطّط ونفًذ تفجيرات برجي نيويورك ،واقتحام البنتاجون ،رغم وجود أدلة كثيرة لا حصر لها تدحض الرواية الأمريكية.
إنّ تسليمنا وتسليمَ إعلامِنا بأنّا الفاعلون لأحداث سبتمبر قد جرَّ علينا كل تداعيات هذا الحدث ،وأوصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
حرب المصطلحات
ونحن نتعرض له من حرب جديدة تسمى ” حرب المصطلحات ” ،فقد غيَّبوا العروبة تحت مسمى ” الشرق الأوسط ” ،وغيبوا الإسلام تحت مسمى ” الشرق الأوسط الكبير ” ،و”الأصولية” ،وغيّبوا الذكر والأنثى ،وقضوا على نظام الزوجية الكوني تحت مسمى ” الجندر” أي وحدة النوع ، وغيَّبوا “الزوج” تحت مسمى ” الشريك” ،وغيَّبوا “الزوجية والأمومة تحت مسمى “الوظائف التقليدية والنمطية للمرأة”
وهكذا بتنا نُردد مصطلحاتهم ،بل بتنا نتكب أسماءنا وفق نطقهم لها ، فنجد في صدر صحفنا المحلية والدولية عناوين كبيرة تكتب اسم الشاهد السوري “حسام طاهر حسام” في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني ” رفيق الحريري ـ رحمه الله ـ هكذا : “هسام طاهر هسام “!!
المدارس الأجنبية
ومن وسائل غزونا فكريًا وثقافيًا المدارس الأجنبية المنتشرة في البلاد العربية ، وهو غزو في عقر ديارنا ، وبمحض إرادتنا ؛ إذ منحناها الترخيص للعمل في بلادنا دونما رقابة منا على مناهجها ، وألحقنا أولادنا بها ، وهناك مدارس أجنبية لا تدرس اللغة العربية ، وأولادنا الذين يدرسون فيها لا يُحسنون القراءة والكتابة بالعربية ،ومع هذا نلحقهم بهذه المدارس ،لأنَّ اللغة الإنجليزية باتت من أهم شروط التوظيف في بلادنا ،بل أصبحت هي اللغة التي نُدرِّس بها في جامعاتنا.
وفاتنا أنَّ مناهج تلك المدارس تدس دعاوى التنصير والتشكيك في الإسلام ،وقد قالها الكاتب الفرنسي الشهير “آيتين لامي” في مقال نُشر له في مجلة العالمين في أواخر القرن التاسع عشر : ( إنَّ مقاومة الإسلام بالقوة لا تزيده إلاَّ انتشاراً ،فالواسطة الفعَّالة لهدمه ،وتقويض بنيانه هي تربية بنيه في المدارس المسيحية ،وإلقاء بذور الشك في نفوسهم منذ عهد النشأة ،فتفسد عقائدهم الإسلامية من حيث لا يشعرون ،وإن لم يتنصر منهم أحد فإنَّهم يصيرون لا مسلمين ولا مسيحيين ،وأمثال هؤلاء يكونون بلا ارتياب أضر على الإسلام ممن اعتنقوا المسيحية وتظاهروا بها.)
ولم يُكتف الآن بالمدارس الأجنبية ؛إذ فتح الباب الآن للجامعات الأجنبية ،وغدا من أخطر التحديات التي تواجه أمتنا هي من قِبل بعض أبنائها ممن هم محسوبون على الفكر الإسلامي ،ويُحاربون الإسلام باسم الإسلام ،وكذا العلمانيون الذين تبنوا العلمانية ممن تأثروا بالفكر الغربي .
تمويل المخابرات الأمريكية لمجلات الحداثية
وكذا الأدباء الذين تأثروا بالتيار الحداثي في الأدب القائم على رفض كل ما هو إسلامي ،مع التعدي على الذات الإلهية ،وفي الوقت ذاته تعمل الحداثة في الأدب على إحياء الفكر الإغريقي الوثني ،والفكر الباطني ،وتمجيد رموزه ،وقد كشفت الكاتبة البريطانية “فرانسيس ستونر سوندرز في كتابها ” مَن الذي دفع للزَّمّار ؟ الذي صدر عام 1999م عن تمويل منظمة الحرية الثقافية التابعة للمخابرات الأمريكية لبعض المجلات الحداثية العربية مثل مجلة الحوار ،وبيَّنت أنَّه على مدى أكثر من عشرين عاماً ما تقوم به هذه الإدارة من تنظيم وإدارة جبهة ثقافية عريضة في معركة ضارية بدعوى حرية التعبير ،وتعريفها للحرب الباردة بأنَّها معركة من أجل الاستيلاء على عقول البشر.
فرض الثقافة اليهودية الصهيونية الإسرائيلية
أيضاً من الحرب الثقافية المعلنة علينا فرض الثقافة اليهودية الصهيونية الإسرائيلية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ” شمعون بريز ” في كتابه ” الشرق الأوسط الجديد”
ومن خلال مشروع تحديث الثقافة الإسلامية التي يتضمنها مشروع ” الشرق الأوسط الكبير” كتابة اللغة العربية بالأحرف اللاتينية بدعوى أنَّ الأحرف العربية المائلة تربي العنف في أولادنا ،والهدف هو هدم لغة القرآن الكريم ،ومن وسائلهم أيضاً مشروع ما يُسمى بِ” الفرقان الحق” ليكون بديلاً للقرآن الكريم ،وفرضه علينا بالحصار الاقتصادي أولاً لتجويعنا ،وإن تمسَّكنا بقرآننا ستتحرك الجيوش الإسرائيلية والأمريكية والأوربية لمحاربتنا لكوننا إرهابيين حسب مزاعمهم الباطلة.
استخدام الفن في الغزو الثقافي والفكري
أيضاً نجد من وسائلهم الحديثة أنَّهم استخدموا الفن كوسيلة من وسائل الغزو عن طريق شركات إنتاج أجنبية صهيونية تعمل تحت ستار أسماء عربية لبث ما يريدون بثه من خلال أفلام سينمائية ،وكذلك من خلال برامج وقنوات فضائية.
ومن غزوهم لنا أيضاً مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية التي امتلأت بها مدننا وقرانا ،وباتت هي الأكلات المفضلة لدى صغارنا وشبابنا ،إضافة إلى ملابس بعض الشركات الأجنبية التي تحمل كتابات بالإنجليزية وأعلام لأمريكا وبريطانيا ،ويلبسها أولادنا وشبابنا.
العوامل التي ساعدت على تمكين الغزو الثقافي
هذا ومن خلال تأملنا لواقعنا الاجتماعي والثقافي والتعليمي والإعلامي نجد أنَّنا:
1. قصَّرنا في بناء أطفالنا ،بل نجد أنفسنا قد قذفنا بفلذات أكبادنا في خضم العولمة لتبتلعهم وتسلخهم من هُوِيتهم ،فقد وفَّرنا لهم ـ بدون قصد منا ـ البيئة التي تسلخهم من هُوِيتهم التي اكتسبوها من عيشهم معنا في مجتمعاتنا ،نحدثهم بلغة أجنبية ،ندخلهم مدارس أجنبية ، نذهب بهم إلى مطاعم أجنبية ، نلبسهم لباساً يحمل كلمات أجنبية وأعلاماً لدول أجنبية تريد الهيمنة علينا ،جعلنا من التلفاز جليسهم يلقنهم ما يريد مبثوا برامجه دون توجيه منا ، ودون إيجاد لديهم الحس النقدي ليقوِّموا ما يروْنه ،وضعنا حواجز بينهم وبين خالقهم ، فجعلنا علاقتهم به قائمة على التخويف والترهيب .
2. نحن بالغلو والتطرف وتفسير الدين وفق أهواء وعادات وتقاليد وأعراف جاهلية ملبسينها لباس الإسلام ، قد أوجدنا هوةً بين أولادنا وبين دينهم ،وأصبح كثير منهم يعتبرون تطبيق الشريعة الإسلامية كارثة مأساوية لأنَّنا أسأنا تطبيقها ،نسبنا كل المحرمات ،وكل ما نريد أن نحرِّمه إلى الإسلام ، فكره بعض شبابنا وبالأخص بناتنا ونسائنا ،وبات منهن من يعتبر الإسلام يحرمهن من كل ما يتمتعن به من حقوق ،وأنَّ تطبيق الشريعة الإسلامية يعني الحكم على المرأة بالحبس والقهر والضرب والجهل .
2. نحن بالغلو والتطرف وتفسير الدين وفق أهواء وعادات وتقاليد وأعراف جاهلية ملبسينها لباس الإسلام ، قد أوجدنا هوةً بين أولادنا وبين دينهم ،وأصبح كثير منهم يعتبرون تطبيق الشريعة الإسلامية كارثة مأساوية لأنَّنا أسأنا تطبيقها ،نسبنا كل المحرمات ،وكل ما نريد أن نحرِّمه إلى الإسلام ، فكره بعض شبابنا وبالأخص بناتنا ونسائنا ،وبات منهن من يعتبر الإسلام يحرمهن من كل ما يتمتعن به من حقوق ،وأنَّ تطبيق الشريعة الإسلامية يعني الحكم على المرأة بالحبس والقهر والضرب والجهل .
3. إنَّ النظرة الدونية والإقصائية للمرأة ،وقيام الخطاب الديني في جُلِّ مجتمعاتنا الإسلامية على الحط من شأن المرأة ،واستعلاء الرجل عليها وحرمانها من أهليتها الحقوقية المالية والمدنية ،ومن حقوقها السياسية والعلمية والمدنية والثقافية جعل من نسائنا فريسة سهلة للمتربصين بها ، فنجد كثيراً من القيادات النسائية العربية النشطة تناهض الإسلام ، وتُعارض تطبيق الشريعة الإسلامية ،وتُطالب بقصر الإسلام على العبادات ،وتتبنى في برامجها وخططها ومشاريعها وأعمالها المؤتمرات الدولية ،وما يتمخض عنها من اتفاقيات وبروتوكولات وتوصيات ،وبات تطبيق اتفاقية ” السيداو” ،ورفع الدول العربية والإسلامية المصدقة عليها كافة تحفظاتها على بعض بنودها من أولويات خططهن الاستراتيجية.
4. إنَّ تبني الإدارة الأمريكية قضية المرأة المسلمة ما هي إلاَّ وسيلة لاستخدامها ورقة ضغط على حكوماتنا لتنفذ لها ما تريد من جهة ، ولتجعل المرأة المسلمة تدين بالولاء لها لمساعدتها في نيلها لبعض حقوقها فتربي أولادها على هذا الولاء.
Suhaila_hammad@hotmail.com