1-تصحيح الخطاب الإسلامي للمرأة

( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )

( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )
بقلم /د. سهيلة زين العابدين حمَّاد
جريدة الندوة في شهر أكتوبر عام 2006م.

http://dr-suhaila-z-hammad.blogspot.com/

هذا حديث نبوي شريف ،وقد امتثل الصحابة بالالتزام بما جاء فيه

؛ إذ نجد سيدنا عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه رغم أنَّه كان يكره ذهاب زوجه السيدة عاتكة بنت زيد إلى المسجد لصلاة صلاتي العشاء والفجر ،فكانت سيدة جميلة ،وكان يغار عليها لم يستطع منعها ،ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر : ( كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد ،فقيل لها لمَ تخرجين ،وقد تعلمين أنَّ عمر يكره ذلك ،ويغار ؟ قالت : ما يمنعه ينهاني ؟ قال : يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لاتمنعوا إماء الله مساجد الله “

وعندما رغب عمر رضي الله عنه إلى زوجته الانتهاء عن الذهاب إلى المسجد ،قالت له : والله لا أنتهي حتى تنهاني ،فقال لها : والله لا أنهاكي .. فاستمرت تذهب إلى المسجد ،فتحضر الجماعة حتى في الفجر والعشاء .. ولقد طُعن عمر ـ في صلاة الفجر بالمسجد ،وزوجته تصلي في صفوف النساء.

والمرأة تتساوى مع الرجل في التكاليف بما فيها التكاليف الدينية ،وكانت الصحابيات الجليلات يذهبن إلى المسجد ،ويصلين الصلوات المفروضة و الاعياد والكسوف والجنازة.

فالصلاة مفروضة على المرأة مثلها مثل الرجل تماماً لعموم قوله تعالى : ( إنَّ الصلاةَ كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) والمرأة مكلفة بآداء الصلاوات الخمس ،ولم تسقط عنها لكونها أنثى ،ولكن تسقط عنها فقط في فترتي الحيض والنفاس في حالة نزول الدم ،وإن توقف الدم بعد النفاس ولو بثلاثة أيام فعليها أن تصلي،وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم منع النساء من الذهاب إلى المساجد لعدم وجوب عليها آداؤها جماعة ، فعدم وجوب صلاة الجماعة على المرأة لا يعني حرمانها من الصلاة في فناء الكعبة ، والمنطقة التي تلي الفناء ،وحرمانها من الصلاة أمام الكعبة في بيت الله ، واستئثار الرجال بذلك ، فمنذ أن بنى سيدنا إبراهيم الكعبة وابنه إسماعيل عليهما السلام إلى قبل حوالي ثلاث سنوات لم تُمنع النساء من الصلاة في صحن الكعبة ،أو رحبة أو فناء الكعبة ،فمنذ سنوات مضت قد أُعطي للنساء جزئ بسيط من صحن الكعبة للصلاة فيه ،ووضعت حواجز كل عام تزداد ارتفاعاً حتى بتنا لا نرى الكعبة ،إلاَّ ونحن وقوفاً ،ولكن قبل ثلاث سنوات أخذ من النساء هذا الجزئ البسيط الذي كان عند بئر زمزم ،وعندما دفنت منطقة البئر لتوسعة الصحن استأثر الرجال بالصحن كله ، وأصبح مسموح لنا النساء أن نصلي في المنطقة التي تلي الصحن في منطقة بئر زمزم ،والآن حتى هذه المنطقة حُرمنا منها ، وأصبحت لنا مساحة صغيرة جداً من الصحن لا تتجاوز الأربع الأمتار لنصلي فيها،وكنا نحن النساء في رمضان لنحصل على مكان للصلاة في صحن مكة ،في الجزئ الذي كان لنا قبل توسعة الصحن نذهب إلى صحن الكعبة منذ صلاة العصر ،ولا نبرح مكاننا حتى انتهاء صلاة التروايح لنضمن لنا مكاناً نصلي فيه العشاء والتراويح ،وأمَّا الآن فأصبح من المستحيل أن نحصل على مكان حتى لو أتينا منذ صلاة الظهر!!!

السؤال هنا هل بيت الله الحرام وقف على الرجال دون النساء ؟ ألسنا إماء الله كما هم عبيد الله ؟

لمَ يتمتع الرجال برؤية الكعبة والصلاة أمامها ،ونحن نحرم من ذلك لكوننا نساءً ؟؟

النساء منا يأتين من أقاصي الدنيا لآداء مناسك الحج والعمرة ،والتمتع بأجمل منظر في الدنيا ،وهو رؤية الكعبة المشرفة ، والصلاة أمامها وجهاً لوجه ،ويُفاجأن بالحرمان من الصلاة أمامها ،والتمتع برؤيتها ،وسؤال الله أمام بيته ، والوقوف على بابه ؟

كيف يرد زرواره وضيوفه من النساء من الصلاة في صحن بيته والتوجه إليه،وتلاوة القرآن وبيته أمامهن ،ويتضرعن إليه بالدعاء ،وهن جالسات بخشوع أمام بيته؟

حتى التعلق بأستار الكعبة نحن النساء محرومات منه ،فهو للرجال فقط ،وعندما تأتي إحدانا للتعلق بأستار الكعبة يمنعها الحراس قائلين هذه بدعة ! عجباً هي بدعة علينا نحن النساء فقط !!

وإذا أردنا أن نصلي نوافل كما يصلي الرجال أمام الكعبة مباشرة في غير أوقات الصلوات المفروضة نُمنع من الصلاة بدعوى أنَّ الرجال يريدون الصلاة ،ولا يجوز أن نتقدمهم ،إنَّها نوافل ،فلمَ تُعطى للرجل أفضلية صلاة النافلة علينا نحن؟؟؟

وصلاة التراويح والتهجد من النوافل فلمَ يُعطى كامل صحن الكعبة ،والمناطق المطلة على الكعبة للرجال ،ونُحرم منها نحن النساء؟؟

مع أنَّ صلاة الرجال خلف النساء في الصلوات المفروضة لا يفسد صلاتهم كما قد يعتقد البعض ، فقد وورد في المدونة الكبرى : قال ابن القاسم : ” سألتُ مالكاً عن قوم أتوا المسجد ،فوجدوا الرحبة – رحبة المسجد – قد امتلأت من النساء ،وقد امتلأ المسجد من الرجال فصلى الرجال خلف النساء بصلاة الإمام ؟ قال : صلاتهم تامة ولا يُعيدون )

وكذا سائر الأوقات ،أي أنَّ صحن الكعبة بات وقفاً للرجال فقط للصلاة فيه في كل الأوقات،ونحن محرومات من الصلاة فيه حتى في غير أوقات الصلوات المفروضة ،حتى ركعتي الطواف التي نصليها بعد إتمامنا للطواف يمنعنا الحرس من الصلاة في فناء الكعبة !!

الذي أود أن أقوله إنَّ عدم وجوب على المرأة صلاة الجماعة ،وقول الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها أفضل لا يعني استئثار الرجل بالصلاة في فناء الكعبة الأربع والعشرين ساعة ،واستئثاره أيضاً بالروضة الشريفة في الحرم النبوي الشريف كل الأوقات ،وإعطاء النساء مساحة صغيرة من الروضة في أوقات محددة ،مع استئثار الرجال بالجزء الذي بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره ،فهذه المنطقة للرجال فقط!!

نحن متساوون رجالاً ونساءً عند الله ،وأكرمنا هو أتقانا ،وليس الأفضلية بالذكورة والأنوثة ،فلمَ يُعطي الرجل لنفسه الأفضلية والقُدسية؟؟

إنَّ الصلاة في البيت الحرام تعادل ألف صلاة في مكان سواه ،ونحن نريد كسب أجر هذه الصلاة المضاعفة ،وصلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد للمرأة التي لديها أطفال صغار قد يكون منهم المريض ،أو الرضيع ،فرأفة بها لم تُلزم بالصلاة في المسجد ،ولهذا نجده عليه الصلاة والسلام قال ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) ،ونحن منعناهن من مساجده بمنعنهن من الصلاة في فناء الكعبة ،وبالصلاة في الروضة المشرفة في كل الأوقات ،وحتى المساجد المنتشرة في أنحاء البلاد نجد مصليات النساء مهملة ،وغالباً ما تكون في الدور الثاني ،و النساء المقعدات أو المريضات بالروماتيزم ،أوأمراض في ركبهن لا يستطعن الذهاب إلى المساجد إضافة إلى إغلاق معظم مصليات النساء في غير رمضان ،كما نجد مصليات النساء في المساجد مهملة ،والزخارف والثريات لأقسام الرجال فقط ،فلمَ توضع النساء في ملاحق بالمساجد،وهل الجنة للرجال ،وبها ملاحق للنساء؟ ،ولمَ لا تكون صلاتهن في ذات بناء المسجد ،وتوضع بين صفوف النساء والرجال حواجز بفرج لمنع اختلاط صفوف النساء بالرجال

إنّ وجود جدر فاصلة بين مصليات الرجال والنساء تحول دون متابعتنا لصلاة الإمام ،فإن سجد الإمام سجود سهو أو سجد سجود تلاوة لا نعرف إن كان صوت الميكروفات غير جيد ،ولا نسمع تلاوة الإمام ،وخاصة إن كانت الصلاة غير جهرية ،وهناك من المصلين ممن ليسوا على ثقافة دينية لا يميزون بين سجود السهو ،وسجود التلاوة.

ولستُ أدري لمَ هذه الحواجز الإسمنتية التي باتت توضع بين صفوف النساء والرجال ،وكأننا إرهابيات نريد تفجير عربيات مفخخة في صفوف الرجال ،أنا ابنة المدينة المنورة ،وقد أمضيتُ جل عمري فيها ،وكنا قبل التوسعة الأخيرة للحرم النبوي الشريف نصلي في جزء من التوسعة السعودية الأولى التي تلي منطقة الروضة الشريفة ،وتقع أمامها بالضبط “دكة الأغوات ” وكان بيننا ،وبين قسم الرجال على الجانب الآخر رحبة ،هذه الرحبة كان يصلي فيها الرجال في الصلوات المفروضة ،وكان الرجال يصلون أمامنا أيضاً على امتداد الروضة الشريفة ،وكنا نرى صفوف الرجال أمامنا؛إذ لا توجد حواجز بيننا وبينهم ،وكانت توجد حواجز قصيرة فيها فُرج ،بيننا وبين الرحبة توضع لئلا تختلط صفوف الرجال بالنساء ،أمَّا الآن فأصبحت الحواجز بين صفوف الرجال والنساء قد يصل ارتفاعها إلى ثلات أمتار،ولا توجد بها أية فتحات ،فهي عبارة عن جدر من الألمنيوم لا نرى من خلالها شيئاً .

فلستُ أدري الذي كان مباحاً أصبح محرماً ،مع أنَّ الحلال هو الحلال ،والحرام هو الحرام ؟

والأحاديث النبوية الشريفة كلها تبيِّن لنا أنَّ صفوف النساء كانت تلي صفوف الرجال دون وضع حواجز بينهما ،فراوية الحديث تروي لنا كيفية جلوس الرسول صلى الله عليه وسلم ،ومتى ابتسم ،وحركات يديه ،وهو يتكلم ،ولو لم تره كيف كانت تصف حركاته؟؟؟

ففي حديث رواه مسلم وبخاري ـوهذه رواية مسلم ـ عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت : كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقضيتُ حاجتي ،ثمّ جئتُ ودخلتُ المسجد فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فقمتُ معه فأطال القيام حتى رأيتني أريد أن أجلس ،ثُمَّ التفتُ إلى المرأة الضعيفة فأقول هذه أضعف مني فأقوم ،فركع فأطال الركوع ثمّ رفع رأسه فأطال القيام حتى لو أنَّ رجلاً جاء خُيِّل إليه أنَّه لم يركع .فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقد تجلَّت الشمس فخطب في الناس وحمد الله بما هو أهل له ،ثُمَّ قال : أمَّا بعد…)

فهذا الحديث يبين أنّه لم تكن هناك حواجز بين صفوف النساء والرجال تحول دون رؤية الصف الأخير من الرجال ،فقد كانت المرأة وهي تصلي ترى الإمام ،وإلاَّ لما تمكنت السيدة أسماء رضي الله عنها من وصف كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ،وقالتها بوضوح “رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً )

وفي حديث آخر رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس قالت : …فلمَّا انقضت عدتي سمعتُ نداء المنادي ،منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي ” الصلاة جامعة ” فخرجتُ إلى المسجد فصليَّتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنتُ في صفّ النساء التي تلي ظهور القوم .،وفي رواية : فانطلقتُ فيمن انطلق من الناس فكنتُ في الصفِّ المقدم من النساء ،وهو يلي المؤخر من الرجال ) فلمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر ،وهو يضحك فقال : ليلزم كل إنسان مصلاه ،ثمَّ قال : أتدرون لمَ جمعتكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ،قال إنِّي والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة .)

وقولها “جلس على المنبر وهو يضحك ” يشير إلى أنَّها كانت تراه ،وهذا يعني أنَّها لم تكن هناك حواجز بينها وبينه ،والمفروض أنَّ الصف الأول للنساء يرى الصف الأخير من الرجال ليتسنى للنساء متابعة الإمام ،فإن سجد للسهو يسجدن ،وإن سجد لوجوب سجود التلاوة سجدن لأنَّ ليس كل المصليات يعلمن متى يجب سجود التلاوة ، ولكن الذي نراه في كثير من مساجدنا إن لم يكن جميعها فصل صفوف النساء عن الرجال فصلاً تاماً ،ولا نراها ،وكثير من السيدات يخطئن في الصلاة لعدم رؤيتهن صفوف الرجال .

بل نجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد طلب من النساء أن يتأخرن في رفع رؤوسهن من السجود حتى يجلس الرجال لئلا يرين ما قد يظهر من عورات الرجال لقصر ما كانوا يرتدونه لفقر كثير من الصحابة ،فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : ( كان النَّاس يُصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ،وهم عاقدوا أزرهم من الصغر على رقابهم ،وفي رواية عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ،فقيل للنساء : لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً)

[ رواه البخاري في كتاب أبواب العمل في الصلاة ،باب إذا قيل للمصلي تقدم أو انتظر ،فانتظر فلا بأس ،ورواه ومسلم في كتاب الصلاة ،باب أمر النساء المصليات وراء الرجال أن لا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال..]

– وقال الحافظ ابن حجر : وإنَّما نهى النساء عن ذلك لئلاَّ يلمحن عند رفع رؤوسهن من السجود شيئاً من عورات الرجال.

– وعن جابر بن عبد الله : انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فصلَّى بالناس ست ركعات بأربع سجدات … ثُمّ تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا ،وقال أبو بكر ” شيخ مسلم ” :حتى انتهى إلى النساء ..) [ روام مسلم ]

وهكذا نجد : أنَّ صلاة النساء خلف الرجال بلا حواجز يعتبر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هيئة من هيئات صلاة الجماعة في المسجد ،وهذا الهدي مرجعه ،أولاً غياب الحساسية المفرطة إزاء اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد ؛إذ يكفي أن يكن متميزات بصفوفهن عن الرجال ،وثانياً : حتى يتمكَّن النساء من حسن الائتمام ، أي اتباع الإمام في ركوعه وسجوده ،ولا يغني عن ذلك سماع تكبيره ،فقد يكبر الإمام ،ويقوم للركعة الثالثة ساهياً عن جلوس التشهد الأوسط ،بينما يظن السامع ـ دون رؤية ـ أنَّها تكبيرة الركوع فيركع ،فعن أبي سعيد الخدري : ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي في أصحابه تأخراً ،فقال لهم : تقدموا فأتموا بي ،وليأتي بكم من بعدكم)،وهذا يعني ضرورة أن يرى كل صف الصف الذي أمامه ،فيأتم به حتى يأتم أول صفوف النساء بأخر صفوف الرجال ،وقد قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي : ( فإن تباعدت الصفوف ،أو تباعد الصف الأول عن الإمام نظرتُ ،فإن كان لا حائل بينهما ،وكانت الصلاة في المسجد ،وهو عالم بصلاة الإمام ،صحَّت الصلاة ،لأنَّ كل موضع من المسجد موضع الجماعة)،وورد في المبسوط للسرخسي : ( وجود الحائط الكبير الذي ليس عليه فرجة بين المقتدي والإمام يمنع صحة الإقتداء )

……….

Leave a Reply