المعارك الأدبية للدكتورة سهيلة مع معارضي حقوق المرأة السياسية (3)
الرد على مقولة إنَّ مشاركة المرأة في مجلس الشورى يعرضها
إلى السفور والتبرج والاختلاط والسفر بدون محرم
وبعد كل الأدلة القرآنية والشواهد والوقائع التاريخية التي ذكرتها في الفصول السابقة تؤكد أنَّ المرأة لها حق عضوية مجالس الشورى والمجالس النيابية ،ولها حق الولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والقول بأنَّ عضوية المرأة في المجالس النيابية يعرضها إلى السفور والتبرج والاختلاط ،والسفر بلا محرم ،وكل هذا يحرمه الإسلام ،مع عدم تحمل المرأة لتبعات هذا العمل فهو قول مردود ،وأقول هنا :
إنَّ المرأة في المجتمعات الإسلامية التي يوجد فيها الاختلاط والسفور والتبرج ،تمارس فيها المرأة كل الأعمال ،فلماذا يحرم عليها عضوية المجالس النيابية ؟ والمرأة والرجل لا يصلان إلى عضوية مجالس الشورى إلاّ بعد بلوغ سن الأربعين ،أي سن النضوج بالنسبة للرجل ،والرجال الذين وصلوا إلى عضوية مجالس الشورى لن يكونوا من أولئك الذين لا يملكون القدرة على كبح غرائزهم ،هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى فالمرأة التي تصل إلى عضوية المجالس النيابية تكون في الغالب قد وصلت إلى سن اليأس ،ولن تكون موضع فتنة ،ولا تتعرض إلى آلام الحيض والحمل والنفاس ،أمَّا عن عضوية المرأة السعودية في مجلس الشورى فلن يعرضها إلى تلك المحرمات لمشاركتها في العضوية عبر الدائرة التلفازية المغلقة،وعن السفر بلا محرم فما قول الأخ الكريم في تعيين بناتنا الصغيرات في السن في قرى تبعد عن المدن التي يقمن فيها بمئات الكيلومترات ،والتي يقطعنها يومياً ذهاباً وإياباً مع سائقين أجانب عنهن ،ويتعرضن إلى مخاطر الطريق ومخاطر الاغتصاب ،ومع هذا لم يحرم أحد عمل المرأة في القرى !!!
وما قولك في عائشة العجمية كانت تاجرة في القرن الثامن الهجري ،وكانت تتردد على مكة المكرمة للتجارة ؟
ووسائل السفر والتنقل كانت جد شاقة ،وقطع المسافات يأخذ شهوراً طويلة ،إضافة إلى مخاطر الطريق ،ومنها التعرض لقطَّاع الطرق.بينما السفر في هذه الأيام وسائله ميسرة ،ويمكنك قطع آلاف الكيلومترات في بضع ساعات ،ومع هذا ما الذي يمنع من سفر محارم المرأة معها لحضور اجتماعات مجلس الشورى مثلما حدث عند استضافة مجلس الشورى لخمسين سيدة لمناقشة ارتفاع المهور ،وأسباب تفشي ظاهرتي العزوبة والعنوسة في المجتمع، وكانت مشاركتهن جد فعالة ،وقد طرقن نقاطاً جديدة جد هامة غابت عن الرجال عند مناقشتهم لها ،وقد رأيتُ بنفسي ـ فقد كنتُ من ضمن المدعوات ـ مدى ما بلغته المرأة السعودية من علم وثقافة ،وما تتمتع به من رجاحة في العقل وخبرة بشؤون الحياة والمجتمع ،وأنَّها جديرة بأن تكون عضوة في مجلس الشورى.
والقول إنَّ تبعات عضوية المجالس النيابية فوق طاقة المرأة قول يدحضه المهام الجسام التي تولتها المرأة عبر مختلف العصور ،وليس هناك أشق من القتال ،وقيادة الجيوش ،وأعباء الحكم ،وما تحملته المرأة من تعذيب لأنَّها تقول : لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله حتى استشهدت مثل سمية أول شهيدة في الإسلام ،وتحملت الحصار الذي فرضه كفار قريش على بني هاشم على مدى ثلاث سنوات ،وتحملها مشاق الهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة ،كل هذا الصمود والثبات ويقال إنَّ المرأة لا تتحمل تبعية عضوية مجالس الشورى والمجالس النيابية!
بقيت نقطة أخيرة ،وهي القول بأنَّه لم يثبتُ أنَّ الرسول صلى الله علية وسلم والخلفاء الراشدين أسندوا ولايات عامة إلى المرأة ،وأنَّه لو كان من حق المرأة في ذلك لكان أولى أن يسند إلى الصحابيات الجليلات اللواتي أكثر علماً وثقافة من نساء اليوم.
أقول هنا : كيف ينكر المعارضون ،ولاية الصحابية سمراء بنت نهيك الحسبة في مكة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،وتولي الصحابية الشفاء من عدي الحسبة في عهد عمر بن الخطاب ،وتولية عمر أم المؤمنين ابنته حفصة بنت عمر عنهما نظارة وقفه ،وإجارة أم هانئ بنت علي بن أبي طالب لأحد المحاربين المشركين يوم فتح مكة،وقد أجاز لها ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً لها : ” لقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ “وهو من قبيل إعطاء حق اللجوء السياسي ،وهو أمر يتعلق بأمن الدولة وسلامتها ،وهل توجد دولة في العالم على مر العصور والأزمان تعطي للمرأة حق إعطاء اللجؤ السياسي ،كما أعطته دولة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
ألا يكفي هذا من أدلة تثبت حقوق المرأة في ممارسة الحقوق السياسية ؟
وفوق كل هذا النصوص القرآنية القطعية الدلالة التي تثبت أحقية المرأة في تولي الولايات العامة .
ثمَّ أنَّ المرأة في العهدين النبوي والراشدي كانت متمتعة بكامل حقوقها التي منحها إياها الإسلام ،وما طلبت حق لها وإلاَّ أجيبت ،فعندما طلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن تُقاتل أّذن لها ،وعندما طلبت ذات المطلب نُسيبة بنت كعب من أبي بكر رضي الله عنهما ،أُجيبت إلى طلبها ،وعندما يتعدى أحد على حق من حقوقها ،طالبت بذلك الحق ولم تفرِّط فيه حتى لو كان أبوها أو أخوها وفي مرتبة علي بن أبي طالب ،وعندما أرادت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها زوج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الجنة الخروج على رأس وفد للصلح إثر مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه للقضاء على الفتنة في مهدها خرجت ولم يحل أحد بينها وبين ذلك . ولم يثبت أنَّ صحابية طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم،أو من الخلفاء الراشدين ولاية عامة ،ولم تجب إلى مطلبها . أعطني دليلاً واحداً على ذلك!!!
وأخيراً أقول :
إلى متى سيظل بعض الرجال ومنهم علماء وفقهاء يحرمون المرأة من حقوقها السياسية رغم وجود نصوص قرآنية قطعية الدلالة تمنحها هذه الحقوق لتسلط عليهم النظرة الدونية للمرأة ،والنظرة المتعالية من قبل الرجل على المرأة ؟
وإلى متى ستظل الفتوى وعضوية المجالس الفقهية قاصرة على الفقهاء والعلماء من الرجال ،ولا تشرك المرأة في الفتوى ،وفي عضوية هذه المجالس ؟
وإلى متى ستظل المرأة الفقيهة والعالمة لا تطالب بهذه الحقوق ،وليكون لها دور في منح المرأة حقوقها السياسية التي يصر كثير من الفقهاء الرجال حرمانها منها لأنهم لا يريدون للمرأة أية ولاية لئلا تكون لها سيادة ،فالسيادة في نظرهم ينبغي أن تكون للرجال فقط ،فهم يتحايلون على النصوص القرآنية ،ويحملونها فوق ما تحتمل ،وينفون كل الوقائع التي تثبت حصول المرأة على هذه الحقوق؟
ومن المفارقات العجيبة أن تقر ولاية الصغير على الحكم وتؤخذ له البيعة رغم عدم قبول بيعة الصغير،ولا يقر بولاية المرأة وهي كاملة الأهلية ولها بيعة خاصة بها ،وبيعتها متممة لبيعة الرجل ومكملة لها ولا تصح إلاَّ بها ،وتوجد آية قرآنية تنص على هذه البيعة ،ومن له حق أن يُبَايِع أليس من حقه أن يُبَايَع؟
ومن المفارقات العجيبة أيضاً أنَّ في الوقت الذي نجد من الفقهاء مَنْ أقرُّوا وصاية المرأة على الحاكم الصغير المبايع ،وتوليها الحكم إلى أن يكبر ،ومنهم من أقرَّ لها بالولاية الكبرى ،ومنهم من أجاز توليها القضاء والحكم نجد من العلماء من يحرِّم حصولها على أي حق من الحقوق السياسية ؟بل نجد من يحرمها من دراسات العلوم السياسية في الجامعة ،ويجعل دراسة هذه العلوم قاصرة على البنين فقط ،ألا يجدر بالمرأة مربية صناع القرار السياسي أن تلم بالعلوم السياسية ؟
علماً بأنَّها أكثر تضرراً لما تتعرض له بلادها من حروب أو حصار أو مقاطعة اقتصادية ،أو استعمار أو احتلال ،ألم تفجر المرأة الفلسطينية نفسها في العدو لتخلص بلدها وأهل بلدها من هذا الاحتلال ؟ فلا يستطيع أحد أن يعزل المرأة عن أحداث العالم ،وهي مدعوة للجهاد إذا ما دقت طبول الحرب ،وعندئذ لها أن تخرج دون إذن وزوجها أو وليها للقتال؟
هل حرمان المرأة من دراسة العلوم السياسية خوفاً من أن تطالب بحقوقها السياسية التي منحها إياها الإسلام ؟
إلى متى سيظل الكثير من فقهاء الأمة وعلمائها يحملون المرأة مغبة الغلو في درء الفتنة على المرأة وحدها فيطبقون باب سد الذرائع على المرأة فتحرم من كثير من حقوقها من خلال هذا الباب ،فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذَّر من فتنة النساء فقد حذَّر أيضاً من فتنة الأولاد والأموال ،فلماذا الغلو في مسألة فتنة النساء وتحميل المرأة كل تبعاتها بالتضييق عليها ،وتحريم عليها ما أباحه الله لها،،والرجال لا يطالبون بشئ ولا بغض البصر ، ،بل حرمانها من حق المشاركة في الحياة العامة ،ومن حقوقها السياسية ،والأكثر من هذا ،فقد حرمت من حقها في مباشرة إدارة أموالها وممتلكاتها وتنميتها ،فتلزم بتوكيل من ينوب عنها من محارمها من الرجال في إدارتها ،وتتعرض إلى ابتزاز الآخرين لها وتضييع حقوقها وأموالها على يد من أُلزمت بتوكيله؟
وهكذا نجد نتيجة للغلو في تطبيق قاعدة سد الذريعة وُضعت قيود وضغوط كثيرة على حياة المرأة ،وأصبحت تلك القيود تعامل معاملة الأحكام الشرعية ،بل أضحت جزءاً من التشريع ،فمن يتحدث عن منافاتها للشرع يُحكم عليه بالمروق عن الدين ،بل يحكم عليه البعض بالكفر والخروج عن الملة .
إنَّ مغالاة البعض في درء الفتن والمفاسد ،وتحميل المرأة تبعات ذلك أدى بهم إلى تحريم الحلال ،وتحريم الحلال حكمه كإباحة الحرام ،والرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو في الدين فقال : ( إنَّ الدين يسر ولن يُشاد الدين أحد إلاَّ غلبه) ،وقال عليه الصلاة والسلام : ( هلك المتنطعون..هلك المتنطعون ..هلك المتنطعون)
وقد أنكر الرسول صلى الله عليه ما رآه من تشدد البعض ،فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال ك جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ،فلمَّا أخبروا كأنَّهم تقالوها ،فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،فقال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا ،وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر،وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ،أما والله إنِّي لأخشاكم الله وأتقاكم له ،لكني أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنتي فليس مني )
وحديث آخر يبين موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتشددين ،وهو ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت : صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخَّص فيه فتنزَّه عنه قوم ،فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب ،وفي رواية مسلم ( فغصب حتى بان الغضب في وجهه ) فحمد الله ثم قال : ( ما بال أقوام يتنزَّهون عن الشيء أصنعه ،فوالله لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية .)
أمَّا حجة الذين يغالون في تطبيق باب سد الذرائع على النساء أنَّ النساء منبع الفتن والرذائل ،وأنَّ العصر الذي نعيشه عصر استفحل فيه الفساد ،أما عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فهو عصر البر والتقوى والصلاح .
وهذا صحيح ،وهو حقيقة لا ينكرها أحد ولكن نسي هؤلاء أنَّ عصر الرسول والخلفاء الراشدين لم يكن قاصراً على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأزواجه وبناته رضوان الله عليهم أجمعين ،وإنَّما كان يعيش معهم وبينهم يهود ونصارى ومشركون ومنافقون ، والمسلمون منهم كانوا عرضة لفتن المال والنساء والأولاد ،وإلاَّ لما جاءت امرأة متزوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طالبة منه أن يطهرها من زناه الذي حملت منه سفاحاً ،فطلب منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتي له بعد أن تضع حملها ،وبعدما وضعت أتته ،فطلب منها عليه الصلاة والسلام أن يأتيها بعدما تفطم وليدها ،فبعدما فطمته أتت النبي صلى الله وسلم ،فطلب من المسلمين أن يتولى أحدهم رعاية طفلها ،ورجُمت حتى الموت .
وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم سرقت فاطمة المخزومية ،وأمر الرسول بقطع يدها ،وعندما حاول قومها الحيلولة دون ذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها)
،وفي عهده عليه الصلاة والسلام كان هناك من يغش ، لذا قال عليه الصلاة والسلام ( من غشَّنا ليس منا) وكلنا يذكر قصة المرأة بائعة اللبن التي طلبت من ابنتها أن تغشه بإضافة الماء إليه،ولن يراها أحد،فرفضت ابنتها ذلك مذكرة إياها بأنَّ الله يراهما ،وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حديثهما أثناء قيامه بعملية العسس في الليل للوقوف بنفسه على أحوال الرعية.
وصحابة رسول الله صلى عليه وسلم كانوا يخشون على أنفسهم من فتنة النساء ،ولكن معالجتهم لذلك لم تكن قط على حساب النساء والتضيق عليهن ،كما يفعل بعض العلماء والفقهاء في عصرنا هذا،ولنتأمل جيداً هذا الموقف لأبي هريرة رضي الله عنه ،والذي يرويه بنفسه فقال : قلتُ يارسول الله : إنِّي رجل شاب ،وأنا أخاف على نفسي العنت ،ولا أجد ما أتزوج له النساء ، فسكت عني ،ثمَّ قلتُ مثل ذلك فسكن عني . ثُمَّ قُلتُ مثل ذلك فقال 🙁 يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو زر )
فهنا نجد أبا هريرة رضي الله عنه لم يضيق على النساء ليأمن فتنتهم ،وإنَّما ضيَّق على نفسه واستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الإختصاء ، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يمنع النساء من المشاركة في الحياة العامة اتقاءً للفتن وسد لذرائعها ـ كما يفعل الآن بعض الفقهاء ـ لأنَّه وصحابته كانوا أبعد من الظلم ،وأبعد من استضعاف المرأة وتحميلها مغبة شعور الرجال بالعجز عن مقاومة فتنهن،وقد رأينا كيف عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مقاومة فتنة النظر إلى المرأة الجميلة في الحج وكلاهما محرما فعن هبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :(كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر غليها وتنظر إليه ،وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ،فقالت : يا رسول الله إنَّ فريضة الله على عباده في الحج أدركت شيخاً كبيراً لا يثبتُ على الراحلة ،أفأحج عنه ؟ قال “نعم” . وذلك في حجة الوداع .)
فهنا الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُلزم هذه المرأة المحرمة بتغطية وجهها ـ كما يلزمها الآن الكثير من العلماء والفقهاء في بلادنا ،بل يرونها تنتقب وهي محرمة ولا يمنعها أحد من ذلك ،المهم عندهم أن لا تفتن الرجل حتى لو خالفت أحكام الحج ـ وكان الحجاب قد فرض على المرأة لأنَّ هذا الحديث يتحدث عن حجة الوداع ،ولكنه أدار وجه الفضل عن المرأة إلى الشق الآخر .
وممَّا يثير الدهشة هذا التعليل ـ الوارد في كتاب الحديث والثقافة الإسلامية المقرر على طالبات السنة الثالثة ثانوي ،النصف الثاني ـ ” فإن قيل فلماذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بتغطية وجهها ،فالجواب أنَّ الظاهر أنَّها كانت محرمة ،والمشروع في حقها أن لا تغطي وجهها إذا لم يكن أحد ينظر إليها من الأجانب ،أو يُقال لعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد ذلك فإنَّ عدم نقل أمره بذلك لا يدل على عدم الأمر ،إذا عُدم النقل ليس نقلاً للعدم)
فلست أدري كيف يُلزم المؤلف المحرمة بتغطية وجهها إن كان ينظر إليها أحد الأجانب ،والرسول صلى الله عليه وسلم لم يلزم المرأة الخثعمية بتغطية وجهها والفضل أمامه ينظر إليها ؟
وكيف يفترض أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرها بعد ذلك بتغطية وجهها ولم يُنقل عنه ذلك؟ فلو كان يريد أمرها يذلك لأمرها ساعة نظر الفضل إليها ؟
ولكن كما ترون فالبعض يحاول أن يوجد المبررات للتضييق على المرأة وحرمانها حتى من الرخص التي منحها لها الإسلام، وتحميل النصوص الشرعية فوق ما تحتمل في سبيل التضييق على المرأة وحرمانها من حقوقها من باب سد الذرائع ،فيحيون المحرم ،ويحرمون المباح في سبيل ذلك.
وفاتهم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوصى الشباب بالزواج لمقاومة الفتن ففيه وِجاء أي وقاية ،ومن لم يستطع فليصم. كما على الرجال غض البصر ففيه أيضاً وقاية من الوقوع في الفتن .
من هذا يستدل على أنَّه على الرجل أن يوطن نفسه ويروضها على مقاومة الفتن،وأنَّ الله أوجد هذه الفتن ليمتحن المرء على مدى قدرته على مقاومتها ،وعدم الوقوع في المحظور، وإلاَّ لما خلق رجالاً ونساءً يفتن بعضهم البعض ،ولما أوجد فتنة الأولاد وفتنة الأموال ،وفتن الحياة ومباهجها ،وفاتهم أنَّ الرجل مصدر فتنة للمرأة كما هي مصدر فتنة للرجال ،فلماذا لم يمنعوا الرجال من الأمور التي تفتن النساء سداً للذرائع؟
فالغريب أنَّ العلماء والفقهاء لم يطبقوا باب سد الذرائع على كل تلك الفتن بالقدر الذي طبَّقوه على فتنة النساء ،ولم يضيقوا على أرباب الفتن بقدر ما ضيَّقوا على النساء ،ولستُ أدري هل لاحتقارهن أم لاستصغارهن أم لاستصاعفهن لتحكم الرجال فيهن ؟ أم للأسباب الثلاثة جميعاً ؟
بينما نجد الرجال في عصرنا هذا ،والعصور السابقة له منزهون عن كل ذلك ،ولا يتحملون تبعة افتتانهم بالنساء ،والنساء هن فقط اللواتي يتحملن مغبة كل ذلك ،وهاهم أكثر العلماء يحرمون على المرأة حقوقها السياسية التي منحها خالقها في نصوص قرآنية قطعية الدلالة بحجة أنَّ ذلك يعرضها للسفور والتبرج والاختلاط والسفر بلا محرم ،وكأنَّهم أدرى بصالح الأمة وشؤونها من خالق الكون ومدبره،فلو كانت ممارسة المرأة لهذه الحقوق سيؤدي إلى المفاسد وانتهاك المحرمات التي أوردوها لما منح الله المرأة تلك الحقوق وأوردها في آيات قرآنية.
فلماذا لم تمنع زراعة العنب ويمنع بيعه سداً لذريعة تصنيع الخمر منه ،والخمر من المحرمات لأنَّه يغيب العقل ،ويؤدي بشاربه إلى ارتكاب المحرمات والمفاسد؟
ولماذا لم يطبق الفقهاء والعلماء باب سد الذرائع على تعدد الزوجات خشية ارتكاب الرجل المعدد ذنب عظيم بظلم زوجاته وعدم العدل بينهم خاصة أنَّ الله جل شأنَّه قد اشترط العدل في التعدد وقال “ولن تعدلوا” أي ليس من السهل تحقيق هذا العدل؟
ولماذا لم يطبق الفقهاء والعلماء باب سد الذرائع على الرجال بمنعهم من السفر إلى الخارج سداً لذريعة وقوعهم في الفتن والمفاسد حيث النساء يخرجن في البلاد غير الإسلامية شبه عرايا ولا يستطيع أحد فرض عليهن الحجاب؟
قد يقول قائل لتسير دفة الحياة لأنَّ هذا المنع سوف يؤثر سلباً على الحياة العامة ،وأنَّ منع الرجال من السفر إلى البلاد غير الإسلامية يعطل الكثير من مصالح الأمة ،وأنَّ منع التعدد تعطيل لشرع الله وهنا أقول :عجباً كيف تمنع المرأة من ممارسة حقوقها كإدارة أموالها وتجارتها حيث تتعرض إلى تضييع أموالها ممن تُلزم بتوكيلهم ،ويصبح وكيلها بمثابة الوصي عليها يحاسبها على كل قرش تنفقه ،ويأخذ من مالها ما يريد ،ويعطيها منه ما يريد وقت ما يريد؟ ألا يعد هذا تعطيلاً لشرع الله وقد أعطى الشارع للمرأة أهلية حقوقية مالية كاملة لها أن تتصرف في مالها وفق ما تشاء ولا وصاية لأحد على مالها مادامت لا لغة رشيدة؟
وكيف تعامل المرأة كإنسانة ناقصة الأهلية لا حق لها في ولاية لكونها أنثى حتى في الأعمال التطوعية الدعوية التي تقوم بها ،,هي لها حق الولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والآية صريحة وواضحة وقطعية الدلالة ولا تحتاج إلى اجتهاد أو تأويل ؟ أليس في حرمانها لها الحق تعطيل لشرع الله؟
وهل لا يعد ظلم للمرأة ،وتعطيل لسير دفة الحياة لانفراد الرجل بالمشاركة في الحياة العامة وحرمان المرأة ،وهي خليفة الله في الأرض ،ومسؤوليتها والرجل واحدة في عمارة الكون ؟
وهذا أيضاً يدعوني إلى التساؤل إلى متى سيظل الرجل ينظر إلى المرأة أنَّها فقط محط كل فتنة ،وأنَّها مبعث لكل شهوة ؟
لماذا لا ينظر إلى المرأة على أنَّها ذات علم وفكر ،وأنَّ من النساء العالمات الفقيهات المحدثات الحافظات لكتاب الله ،والمفكرات والأديبات ،وأنَّ من حقوقهن المشاركة في الحياة العامة ،ومن واجباتهن نحو مجتمعاتهن أن يسهمن في الحياة العامة ،ومن حقوقهن على مجتمعاتهن أن تُتاح لهن الفرص لأداء واجباتهن ،وأن يكون لهن مثل الذي عليهن طبقاً للقاعدة الشرعية في الإسلام ،ولكن الذي يريده معظم الرجال من النساء أن يكون عليهن أكثر مما لهن ،وخاصة فيما لهن مما يحقق لهن من ولاية وسيادة ،فهم يريدون تجريدها من كل ذلك ،وللأسف يلبسون ما يريدونه بلباس الإسلام مسيئين بذلك إلى الإسلام أيما إساءة واصفينه بالظلم والتعسف، وهو برئ من كل ذلك ؟
نحن نريد فقهاء موضوعيين يتجردون من الميول والأهواء ،ويتصفون بالعدل ويقرون ما أعطاه الخالق لهذا المخلوق الأنثوي الذي أقر بإنسانيته ،وبأنه خليفته في الأرض مثل الرجل ،وله حقوق أمانة الاستخلاف مثل الرجل ،وأقرَّ بأهليته الكاملة ،فيعاقب مثلما ما يعاقب الرجل ،ويطبق عليه القصاص وكل الحدود كما تطبق على الرجل ،فليس من العدل أن تقتصر كل أنواع الولايات على الرجل فقط ،وتحرم منها المرأة على الإطلاق ,وهي شقيقة الرجل ونظيرته في تحمل تبعات ومسؤوليات خلافة الله في أرضه ،وليس من العدل أن تتحمل المرأة تبعات هذه الأمانة دون أن يكون لها نصيب في الامتيازات المترتبة عليها ،ويستأثر الرجل بكل تلك الامتيازات لأنَّه المتحكم في الأمور ،فهو الذي يعطي وهو الذي يمنع،وهو الذي يُفتي وهو الذي يُقضي .
إنَّ الله العادل لن يظلم المرأة ،ولا تقبل عدالته ما يحكم به بعض الفقهاء من حرمان المرأة من حقوقها السياسية بما فيها حق عضوية مجالس الشورى والمجالس النيابية.وعلى المجامع الفقهية أن تضم إلى عضويتها من فقيهات الأمة وعالماتها وهن كثر ،وأن تبحث هذه المجامع ولاية المرأة وفق النصوص القرآنية ووفق ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والوقائع التاريخية التي تثبت حقوقها السياسية وفق اجتهادات الفقهاء في تفسير النصوص القرآنية والحديثية مثل أبي حنيفة وابن حزم والطبري وابن عبد البر وغيرهم.