ثقافة العنف بين المارينز ومذابح العراق
سهيلة زين العابدين حماد
الخليج الإماراتية 1862006م.
في الوقت الذي تتشدق فيه الإدارة الأمريكية وأجهزتها
، ومؤسسات دعاة الحرية التابعة لها بنبذ ثقافة العنف والإرهاب، ويتهمون المناهج التعليمية في المملكة العربية السعودية وغيرها بنشر ثقافة الكراهية ضد اليهود والمسيحيين، فقد اعتبر محاربون سابقون بالجيش الأمريكي في العراق أن “ثقافة العنف والانتقام والأذى الموجهة ضد المدنيين العراقيين هي التي جعلت مقتل الأبرياء أمراً شائعاً”.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه أصداء مذبحة “حديثة” العراقية، كشفت صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية الأحد 4-6-2006 عن وقائع أخرى لقتل مدنيين عراقيين على أيدي جنود أمريكيين بشكل غير مشروع.
وقالت الصحيفة: إن هذه الوقائع تزيد من الغضب المتصاعد ضد الثقافة العسكرية الأمريكية التي فشلت في التفريق بين المدنيين ومن أسمتهم بالمتمردين. وأضافت ان الجيش الأمريكي متورط الآن في ثلاثة تحقيقات منفصلة حول حوادث ارتكبها جنوده في العراق من المحتمل أن تكون أدت إلى مقتل مدنيين عراقيين بشكل غير مشروع، متوقعة الكشف عن المزيد من الحوادث.
وقالت “الأوبزرفر”: إن أخطر هذه الوقائع هي حادثة قتل جنود المارينز (مشاة البحرية الأمريكية) ل 24 مدنياً في مدينة حديثة في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وكان من بين الضحايا نساء وأطفال تم قتلهم داخل منزلهم. وكانت هذه القضية قد تصدرت التغطية الإعلامية في الآونة الأخيرة عقب نشر رواية لفتاة عراقية كشفت عن أن قوات المارينز قتلت كافة أفراد عائلتها، بعد أن اقتحمت ثلاثة منازل في مدينة حديثة، في أعقاب مقتل جندي أمريكي في انفجار عبوة ناسفة على إحدى الطرق بالقرب من منزلهم.
وإلى جانب واقعة حديثة لفتت الصحيفة البريطانية إلى أنه بدأ التحقيق في حادثتين أخريين، الأولى هي مقتل 11 عراقياً خلال غارة أمريكية قرب “بلد” في مارس/ آذار الماضي، وكان من بين القتلى 5 أطفال.
ونقلت “الأوبزرفر” عن عسكريين أمريكيين سابقين قولهم: إنهم لم يفاجأوا كثيراً بالتقارير التي تحدثت عن قتل متعمد ومن دون سبب لمدنيين عراقيين على يد جنود أمريكيين.
وقال كاميلو ميجيا الجندي السابق بالجيش الأمريكي، والذي خدم في منطقة حديثة لفترة صغيرة عام 2003: “لا أشك للحظة واحدة أن هذه الأمور حدثت بالفعل؛ فهي منتشرة. هذه هي القاعدة وهذه الحوادث ليست استثنائية”.
وأشار ميجيا إلى أن هناك إجحافاً منتشراً تجاه العراقيين خاصة في الوحدة التي كان يخدم بها. وقال: يُشار في بعض الوحدات العسكرية إلى العراقيين بال”حَجي” تماما مثلما كان يُشار إلى السكان المحليين في حرب فيتنام باسم “شارلي”، وهذه بمثابة إهانة للعدو.
وتقول الصحيفة البريطانية: إن أساس القضية يعود إلى أن ثقافة عنف ضد العراقيين تُترجم بعجز وعدم إرادة للتمييز بين المدنيين والمحاربين.
فمنذ انتشار خبر “حديثة” توالت الاتصالات على وسائل الإعلام للكشف عن حوادث مماثلة منها مجزرة بالقرب من منطقة “القائم” حيث تم قصف حفلة عرس.
واعتبرت الصحيفة أن الوجه الآخر لواقعة “حديثة” والوقائع الأخرى المزعومة هو ما إذا كانت هذه الحوادث يجري التستر عليها، وعلى أي مستوى، مشددة على أن التستر عليها لا يقل عن ارتكابها. وقالت “الأوبزرفر”: إن هذه الوقائع تشير إلى أن هناك قضايا أخرى أعمق داخل الجيش الأمريكي تشير إلى فشل كبير في القيادة.
ومن أهم هذه القضايا ثقافة العنف ضد المدنيين العراقيين التي كانت موجودة على مستوى واسع منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها القوات الأمريكية حدود العراق، وهي عدم المقدرة وعدم الرغبة في التفريق بين المدنيين والمحاربين؛ وهو ما جعل الأمر يتحول بعد مرور ثلاث سنوات إلى ما يشبه القتل العمد.
ودللت الصحيفة البريطانية على ذلك بإطلاق النار على مدنيين في الناصرية، وقبلها في بغداد، قائلة: إن هذه الوقائع شهدت تكرار نفس الأسلوب الذي يتبعه المارينز.
هذه وقائع واعترافات من جنود من المارينز تثبت بيقين لا يقطع الشك أنهم تربوا على ثقافة العنف والكراهية ضد العرب والمسلمين، وما يحدث في العراق هو ثمرة خبيثة من ثمار التربية العسكرية لجنود المارينز القائمة على ثقافة العنف.
ولم يكفِ الإدارة الأمريكية هذا، إذ نجد البنتاجون يسعى لإلغاء بعض بنود حقوق الأسرى طبقاً لاتفاقية جنيف ليعطي لنفسه حق تعذيبهم من دون مساءلة ومحاسبة، ولم يكفه إهانة وتعذيب أسرى جوانتانامو، واعتقالهم في أقفاص على مدى خمس سنوات الآن من دون محاكمة، ودون أن يعرف المعتقلون ما هي جريمتهم التي ارتكبوها حتى وضعوا في تلك الأقفاص، وأهينوا وعذبوا، وتعرض بعضهم لاعتداءات جنسية.
وثقافة العنف والكراهية ضد العرب والمسلمين ليست قاصرة على المارينز، بل نجد المناهج التعليمية الأمريكية قائمة على الحط من قدر المسلمين والعرب، وتزوير تاريخهم، وتصويرهم بصور تنزع الحب والاحترام من القلوب، وتبعث الاحتقار والامتهان والكراهية لهم، وكذا المناهج التعليمية في أوروبا، أما “إسرائيل” فمناهجها الدراسية تحض على كراهية العرب والمسلمين، والقائمة على تزوير التاريخ وتزييفه، وتصوير العرب بالإرهابيين والقتلة والسفاحين، وبدلاً من أن تنتقد “نينا” المنتمية لمنظمة يهودية معدة تقرير مركز الحريات الدينية بيت الحرية المناهج التعليمية السعودية واتهامها بأنها تحرض على العنف والكراهية ضد اليهود والنصارى، فلتنتقد المناهج التعليمية الأمريكية و”الإسرائيلية”، ومناهج الكليات العسكرية الأمريكية التي تحرض على العنف ضد العرب والمسلمين وكراهيتهم، فكما يقول المثل: “الذي بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة”.
Suhaila_hammad@hotmail.com