معركة وجود
جريدة المدينة :الخميس, 22 يناير 2009
د. سهيلة زين العابدين حمَّاد
تدخل القضية الفلسطينية بحرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة نفقاً خطيراً، هو بمثابة معركة وجود لفلسطين والفلسطينيين،

 فإن رضخت غزة واستسلمت للعدو الصهيوني فيعني هذا القضاء على القضية الفلسطينية، وهذا ما ألمح إليه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عندما قال: «هناك مؤامرة على الشعب الفلسطيني ومستقبله». موضّحاً تخوفه مما سيحدث بعد غزة. فقد رافق توقيع اتفاق أوسلو 13/9/1993م سؤال بديهي كان على لسان كل فلسطيني وعربي ومسلم، ماذا عن القدس؟ واللاجئين؟ والمستوطنات الإسرائيلية؟ والدولة الفلسطينية هل ستقوم؟ وما حدودها الجغرافية؟ وهل ستمتلك سيادة كاملة على منافذها البرية والبحرية والجوية؟ وكان يفترض أن تحسم هذه المسائل بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاق طبقاً لما جاء في اتفاقية «أوسلو»، وها قد مر أكثر من خمس عشرة سنة، والإجابة التي جاءتنا مع انطلاق عملية «الرصاص المصبوب» لا دولة فلسطينية، فلا توجد أرض تقوم عليها الدولة الفلسطينية، بعد الجدار العازل الذي فصل مدن وقرى الضفة الغربية، تهويد القدس، نشر المستوطنات في مدن وقرى الضفة الغربية، كل هذا تم بعد اتفاقية «أوسلو»، هاهي البنية التحتية لغزة قد دمرت، وقضي على جميع مظاهر الحياة فيها، أمَّا أطفالها فقد تحوَّل آلاف منهم إلى أشلاء، والذي ينجو منهم من الموت سيعيش طوال عمره إمَّا مشلولاً، أو معتوهاً، أو مبتور الرجلين، أو إحداهما، أو مبتور اليدين، أو إحداهما!!

ومعروفة لدى الجميع أهداف إسرائيل من حربها على غزة، هي إبادة الشعب الفلسطيني، القضاء على مقاومته، تصفية أية مقوِّمات للدولة الفلسطينية بتحميل الجانب المصري مغبات «ما يبقى من قطاع غزة بعد تقسيمه واختراقه من شماله وجنوبه وشرقه وغربه بأحزمة أمن إسرائيلية»، تهجير سكانها إلى سيناء المصرية المنزوعة السلاح طبقاً لاتفاقية كامب ديفيد، وتحميل الجانب الأردني مغبات ما بقي من الضفة الغربية بعد إقامة مستوطنات يهودية على 45% من أراضيها بتهجير سكانها إلى الأراضي الأردنية، وذلك عندما يتم التفاوض على إقامة دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة؛ عندئذ نجد على أرض الواقع تغيراً جذرياً في الخريطة الجغرافية والديمجرافية لها يحولان دون إقامة هذه الدولة.

وبعد قضائها على المقاومة في جنوب لبنان، واحتلالها لسوريا، القضاء على إيران، وذلك بعد نجاحها في عزل قوى المقاومة في غزة، جنوب لبنان عن الدول العربية، وتصويرهما أمام العالم بأنَّهما منظمتان إرهابيتان، كذلك عزلها لإيران باتهامها أنّها تخطط لإقامة دولة صفوية في المنطقة على حساب دول المنطقة العربية، تماماً كما فعلت إدارة بوش لعزل العراق عن الدول العربية، وانها تمتلك أسلحة الدمار الشامل، وهذا ما تسعى إسرائيل لتحقيقه في فترة «هدنة السلام» مع دول الطوق، وعندما تفرغ من تحقيق هذا الهدف، سوف تخرق معاهدات السلام وتواصل حروبها مع العرب لتحقيق مخططاتها التوسعية لتكوين دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات، ومن الأرز إلى النخيل. على الدول العربية أن تدرك أبعاد المخطط الصهيوني، وأن تدعم قوى المقاومة في البلاد المحتلة وقد ثبت ميدانياً -في حرب تموز/ يوليو في جنوب لبنان، وفي حرب 27 ديسمبر 2008 ويناير 2009م على قطاع غزة- مدى صمودها وثباتها وقوتها، فهي تشكِّل العمق الاستراتيجي للأمتيْن العربية والإسلامية، وأن تصحح للعالم أجمع مفهوم المقاومة، والتفريق بينها وبين الإرهاب، بالرجوع إلى المواثيق الدولية التي أعطت للشعوب المحتلة حق المقاومة، وأن يسقط العالم المقاومة الفلسطينية من سجل المنظمات الإرهابية وأن تدخل في حوار صريح مع إيران لتوضيح الحقائق، وكشف التضليليْن الصهيوني والأمريكي، فالإيرانيون مجاورون لنا كدول سنية مئات القرون، ولم يشنوا علينا حروباً طوال هذه القرون، في حين إسرائيل قد شنَّت علينا منذ قيامها منذ ستين عاماً ست حروب!! إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تخطط لاحتلال العالميْن العربي والإسلامي، وتقسيمهما إلى دويلات صغيرة على أساس طائفي ومذهبي وعرقي، وإقامة امبراطورية أمريكية ضمن مخطط «الشرق الأوسط الكبير»، وتسليم الدول العربية الواردة في مخطط «دولة إسرائيل الكبرى» لإسرائيل، كما احتَّلت من قبل بريطانيا فلسطين، ثمَّ سلَّمتها لإسرائيل. إنَّ تحالف الدول العربية مع إيران وتركيا، سوف يُقوي الدول العربية وسيكوِّن جبهات قوية متماسكة لمواجهة أي عدوان، والتحالف مع تركيا وإيران هو بحد ذاته سيحجِّم إسرائيل ويضعفها، ويجعلها تذعن للمطالب العربية بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية ما قبل عام 1967م، ذات سيادة كاملة على أراضيها ومنافذها الجوية والبحرية والبرية، تكون القدس عاصمتها إلى أن يتم تحرير كامل الأراضي الفلسطينية. إن ما يحدث لغزة حدث قبله للبنان، وقبله للعراق، وقبله لأفغانستان، والمقاومة التي تصدت لقوى الاحتلال في هذه الدول أوقفت الغزاة عن مواصلتهم زحفهم على باقي الدول، فقوى مقاومة الاحتلال تشكل عمقا استراتيجيا يحمي الدول العربية والاسلامية، والقضاء عليها يعني تمكين الاعداء منا، إن حربنا مع اسرائيل هي معركة وجود، كما يشكل الصمود الفلسطيني امام عملية الرصاص المصبوب على غزة معركة وجود للفلسطينيين وللعرب والمسلمين جميعاً.

suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply