” حتى لا نُنجب أطفالاً للموت”
سهيلة زين العابدين حمَّاد
جريدة المدينة 11/4م1429هـ الموافق 17/4/2008م.
الثلاسيميا من أهم أمراض الدم الوراثية الانحلالية- التي تسبب تكسر كريات الدم الحمراء- الشائعة على مستوى العالم بشكل عام وعلى مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل خاص ، و الثلاسيميا نوعان الألفا و البيتا وحين يأتي الحديث عن هذا المرض فإننا نقصد به (البيتا ثلاسيميا).
و الثلاسيميا كلمه يونانية الأصل تعني فقر دم منطقة البحر الأبيض المتوسط حيث أن هذا المرض عرف واشتهر في هذه المنطقة بشكل كبير،ويعرف أيضاً باسم أنيميا البحر المتوسط (Mediterranean anemia)
و في منطقة الخليج العربي يحمل كل فرد من بين 20 فرد لهذا المرض ،أي نسبه حاملي صفة المرض في الخليج 5 % وهي نسبه لا يمكن تجاهلها حيث أنَّه في كل مرة تحمل فيه امرأة حاملة للمرض ومتزوجة من رجل أيضا حامل للمرض فإن احتمال إصابة الجنين تصل إلى 25% ،وإنَّ أكثر من 60% من أطفال هذه الأسرة السليمين أيضاً حاملين للمرض. وتكمن مشكلة المرض في عدم قدرة الجسم من تكوين كريات الدم الحمراء – التي تنقل الغذاء والأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم – بشكل سليم نتيجة لخلل في تكوين الهيموجلوبين( خضاب الدم) أدى إلى عدم اكتمال نضج الكرية الحمراء و تكسرها وتحللها بعد فتره قصيرة من إنتاجها (يذكر أن عمر كريه الدم الحمراء تكون 120 يوماً) لذ فإنَّ المريض يحتاج إلى نقل دم بشكل دوري كل 3-4 أسابيع حسب عمره و درج’ نقص الهيموجلوبين.
ووفقاً لإحصائيات الاتحاد العالمي للثلاسيميا فإنَّ نصف مليون طفل ثلاسيمي يموتون سنوياً.
وفي دراسة صدرت حديثاً عن وزارة الصحة عن وجود 3 ملايين مصاب وحامل لأمراض الدم الوراثية في السعودية، أو ما يعرف علمياً بـ “الثلاسيميا”، وقالت تلك الدراسة أنَّ 30 % من سكان المنطقة الشرقية مصابون أو حاملون لهذه الأمراض، بما يمثل أعلى نسبة إصابة على مستوى المملكة.
وذكرت إحصائيات وزارة الصحة أنَّ نسبة المصابين والحاملين لأمراض الدم الوراثية في كل من المنطقة الشرقية (735 ألف مصاب وحامل) والجنوبية (292 ألف مصاب وحامل) تصل إلى 30 %، بينما تصل في كل من منطقتي مكة المكرمة إلى (360 ألف مصاب وحامل) والمدينة المنورة إلى 24 %، وتحتل المنطقة الوسطى آخر القائمة بـ 58 ألف مصاب وحامل. وترجح الإحصائيات وجود قرابة مليون ونصف المليون شخص حامل ومصاب في المناطق الأخرى.
هذا ومن أهم أسباب انتشار هذا المرض هو زواج الأقارب وإصرار كثير من الأسر على تزويج بناتها من قبيلتها،أو من نفس العائلة ،وبالتحديد من ابن العم ،وبدون الخضوع للفحص الطبي قبل الزواج .
وحسب إحصائيات حديثة أصدرتها الوزارة فإن كل يوم يشهد ولادة 12 مصاباً بالمرض، و154 حاملاً له، مما يعني ولادة 4248 طفلا مصابا سنوياً، و54516 حاملاً للمرض.
على صعيد آخر تقدر إحصائيات ما تنفقه الدولة كإعانات للمصابين بأمراض الدم الوراثية سنويا بأكثر من 600 مليون ريال، حيث تمنح وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مبلغ 3 آلاف ريال سنوياً لقرابة 200 ألف مصاب بأمراض الدم الوراثية.
ومن جهة أخرى قدرت مصادر في وزارة الصحة تكلفة علاج مريض الثلاسيميا بقرابة 100 ألف ريال سنوياً، وفي المقابل لا تزيد تكلفة الفحص الطبي قبل الزواج على 10 ريالات للشخص الواحد. وهو الفحص الذي أصبح إلزامياً ابتداءً مطلع العام بقرار صدر من مجلس الوزراء، حيث يشترط مأذونو الأنكحة إحضار شهادة الفحص شرطاً لإكمال عقد الزواج.
ولكنه لن يحول وجود إصابة لدى أحد أوكلا الطرفين (الزوج أو الزوجة) دون إجراء عقد النكاح، حيث يكتفي مأذون الأنكحة بتوجيه النصح والإرشاد، بعد الاطلاع على نتيجة الفحص.
وهذا لا يكفي ؛إذ ينبغي منع زواج المصابين بهذا المرض ،أو حامليه ،إلاّ إن كان أحدهما سليماً غير حامل للمرض ،فزواج حامل المرض بسليم لا يؤثر على الأطفال ،ولكن إذا كان الزوجان حاملان للمرض ،فإنّ 25% من أطفالهما سيصابون بالمرض،أمَّا إن كان الزوجان مصابيْن بالمرض فإنَّ نسبة إصابة أطفالهما بالمرض 100%.
إنَّ قبرص طبَّقت هذا النظام ،ومنعت زواج مصابي ،وحاملي المرض قبل عشرين سنة ،ومنذ هذا التاريخ لم يولد لديها طفل ثلاسيمي .
ومن حق الدولة مراعاة للمصالح المرسلة ،ومنعاً للمفاسد،وحرصاً على إنجاب أولاد أصحاء ف”المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف” وحفاظاً على حرمة دماء المسلمين التي هي عند الله أعظم من حرمة الكعبة المشرفة ،فقد قالها صلى الله عليه وسلم ،وهو ينظر إلى الكعبة ” والله إنَّ حرمتك عند الله لعظيمة ،وحرمة دم المسلم أعظم عند الله منك” ،وطبقاً لقاعدة ” لا ضرر ولا ضرار ” ،وتوفيراً للمال أن تمنع زواج كل اثنين مصابيْن ،أوحامليْن لأحد أمراض الدم الوراثية .
وقد طالب المقام السامي وزارة العدل بإلزام مأذوني الأنكحة بضرورة الالتزام بعدم إتمام عقود الزواج بين الأشخاص الذين يثبت طبياً اشتباه إنجابهم أطفالاً مصابين بالمرض.
وعلى مأذوني الأنكحة أن يلتزموا بتوجيهات المقام السامي ،كما على وزارات الصحة والعدل والثقافة والإعلام والشؤون الاجتماعية، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ،وهيئة حقوق الإنسان أن تضع استرايجية لمكافحة انتشار أمراض الدم الوراثية ،بإطلاق حملات توعية تحت شعار ” حتى ننجب أطفالاً للموت”
تجاوب مشكورلوزارة الصحة
من الأعماق أقدم خالص شكري وعظيم تقديري لوزارة الصحة على سرعة تجاوبها لندائي العاجل إلى معالي وزير الصحة ؛حيث اتصل بي هاتفياً يوم الخميس الماضي سعادة الدكتور خالد مرغلاني مدير عام الإعلام الصحي والعلاقات ،وأكدَّ لي صرف الدم لمرضى الثلاسيميا مجاناً ،ونقل لي بشرى سارة لمرضى الثلاسيميا بمنطقة جيزان ،فوزارة الصحة بصدد إنشاء مركز متخصص لأمراض الدم الوراثية ،ورحب بزيارة مرضى الثلاسيميا غير السعويين لمكتبه ،ومعرفة منهم أي الجهات التي رفضت صرف لهم أكياس الدم ،وبالفعل تمَّت زيارتهم له في مكتبه يوم السبت ،وشرحوا له معاناتهم ،وما يُطلب منهم دفعه من مبالغ لنقل لهم الدم،ووعدهم بالعمل لرفع هذه المعاناة عنهم.
البريد اليكتروني: suhailahammad@yahoo.com