السلام الذي تريده “إسرائيل”
سهيلة زين العابدين حمَّاد
الحليج الإماراتية 2342007م
في رد متناغم على قرار لجنة المبادرة العربية، شددت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على أولوية التطبيع العربي مع “إسرائيل”، وتوسيع فريق عمل الاتصال بها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لم هذا الإصرار على التطبيع أولاً؟
والجواب نجده في كتاب “الشرق الأوسط الجديد” لشيمون بيريز، حيث يتيح التطبيع مع “إسرائيل” إقامة هذا الشرق الأوسط الجديد الذي تكون فيه الزعامة ل “إسرائيل” على دول المنطقة اقتصادياً وثقافياً، وبالتالي يسهل بسط الهيمنتين العسكرية والسياسية كمرحلة ثانية؛ إذ سيتيح التطبيع ل “إسرائيل” فرصاً أكبر لتجنيد جواسيس لمصلحتها من أبناء البلاد العربية، إضافة إلى نشاط جواسيسها من “إسرائيليين” ويهود، فهي بالتطبيع تستطيع أن تصول وتجول في البلاد العربية، ومهما كانت لها اختراقات وتجاوزات، فلا تجرؤ البلاد العربية على الاحتجاج وسحب سفرائها وإلغاء التطبيع، كما هي حال الدول المطبعة الآن مع “إسرائيل”.
ف “إسرائيل” رغم توقيعها مع مصر اتفاقية السلام عام 1978 وتطبيع مصر العلاقات معها، إلا أنها تنشط في التجسس على مصر، وقد كشف النقاب مؤخراً عن العديد من قضايا تجسس “إسرائيل” على مصر، بل نجد أنه خلال فترة التسعينات من القرن الماضي إلى عام ،2000 تم ضبط أكثر من 25 عملية تجسس “إسرائيلية” في مصر وحدها، وفي خلال الفترة من عام 1992 حتى عام 1997 سلمت مصر “إسرائيل” 31 متهماً في قضايا مختلفة منها ما هو تجسس ومنها ما هو مخدرات وتزوير عملة وأنشطة أخرى. وفي عام 1996 تم القبض على عزام عزام والقبض على شبكة تجسس يتزعمها وتجنيده شاباً مصرياً أثناء وجوده للتدريب في “إسرائيل” عن طريق عميلتي الموساد زهرة يوسف جريس ومنى أحمد شواهنة.
وكانت المعلومات المطلوبة من عزام وشبكته هي جمع معلومات عن المصانع الموجودة في المدن الجديدة (مدينة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان) من حيث النشاط والحركة الاقتصادية.
أما قضية الجاسوس سمير عثمان فقد حدثت في أغسطس/ آب 1997 عندما سقط الجاسوس في أيدي رجال الأمن أثناء قيامه بالتجسس مرتدياً بذلة الغوص، حيث كانت مهمته التنقل عائما بين مصر و”إسرائيل” بعد أن جنده الموساد، واعترف المتهم بأنه تم تجنيده عام 1988على يد الموساد بعد أن ترك عمله في جهاز مصري حساس، وأن الموساد جهز له أربعة جوازات سفر كان يستخدمها في تنقلاته. والقضية الغريبة في قضايا التجسس “الإسرائيلي” على مصر هي قضية الجاسوس سمحان موسى مطير، فهي المرة الأولى التي يتم فيها تجنيد تاجر مخدرات ليكون جاسوسا ل “إسرائيل”، وهذا ما حدث مع سمحان الذي اتفق معه رجال الموساد على تسليمه مخدرات مقابل تسليمهم معلومات عن مصر. ومن أشهر قضايا التخابر لمصلحة “إسرائيل” كانت قضية الجاسوس شريف الفيلالي الذي سافر عام 1990 لاستكمال دراسته العليا بألمانيا وخلال إقامته بها تعرف إلى امرأة ألمانية يهودية قامت بتقديمه إلى رئيس قسم العمليات التجارية بإحدى الشركات الألمانية الدولية والذي ألحقه بالعمل بالشركة، وطلب منه تعلم اللغة العبرية تمهيداً لإرساله للعمل في “إسرائيل”. اضافة إلى آخر عمليتي تجسس تم كشفهما وتعملان لمصلحة “إسرائيل”، أولاهما تجنيد شاب مصري مسلم يحمل الجنسية الكندية جنَّده الموساد ليخترق الجالية المصرية المسيحية في كندا مدعياً أنّه مسيحي لتأليبهم على الدولة في مصر، بهدف إحداث فتنة طائفية داخلية في مصر لتمزيق وحدتها الوطنية، والعمل على اقامة دولة مسيحية في صعيد مصر والتحالف مع بعض كبار رجال الجالية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إقامة دولة قبطية مسيحية في مصر. وثانيتهما تجنيد “إسرائيل” لمهندس نووي مصري بالتجسس لمصلحة استخباراتها، وتزويدها بمعلومات عن مفاعل “انشاص” الذري شمال شرقي القاهرة.
خلاصة القول: إن “إسرائيل” تريد التطبيع مع البلاد العربية لا حباً بها، ولا رغبة في تطويرها، وإنَّما لتتحكم في اقتصادها وتنتهك أمنها وتضعف قوتها ومناعتها، ولتعمل على سلب الشباب العربي بصورة خاصة هويته العربية، وتدميره بالجنس والمخدرات، ف “إسرائيل” لا تريد سلاماً، وقد قالها الرئيس الراحل ياسر عرفات أثناء محاصرة القوات “الاسرائيلية” لمقره في رام الله: “ما بدوهمش سلام”، فهم يريدون خداعنا بالسلام ليتمكنوا منا في فترة المهادنة من خلال التغلغل في مجتمعاتنا وتخريبها لتسهل السيطرة علينا عسكرياً، واحتلال بلادنا لإقامة دولة “إسرائيل” الكبرى.
suhaila_hammad@hotmail.com