1-تصحيح الخطاب الإسلامي للمرأة

مشاركة المرأة في المجامع الفقهية


مشاركة المرأة في المجامع الفقهية


 سهيلة زين العابدين حماد
الخليج الإماراتية 2842006م. 

في خضم التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة، والتي تستهدف تقويض بنيانها جاءت إباحة 
زواج المسيار ضربة قاضية لكيان الأسرة في الإسلام
آن الأوان لأن تكون المرأة عضوة في المجامع الفقهية، فاستئثار الرجال بالفتوى على مدى قرون عدة، ومن ثم استئثاره بعضوية المجامع الفقهية أدى إلى إصدار فتاوى هي في الغالب لمصلحة الرجل على حساب المرأة، وآخرها إصدار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة التي عقدت في الفترة من 10- 14 ربيع الأول عام 1427ه، الموافق 8إلى 12 إبريل عام 2006 فتوى بإباحة الزواج المسمى بزواج “المسيار”، وزواج “الفرند”، وهما زواجان مستحدثان لا يستوفيان شروط وأركان الزواج. والمفروض عند إصدار أي فتوى خاصة إن كانت صادرة من مجمع فقهي أن يتم درس أبعاد الموضوع المطروح من كل الجوانب، وأن تشارك جميع الأطراف التي لها علاقة به، وأن يبحثه الخبراء المختصون، ويناقشونه مع الفقهاء، وعندما يطرح موضوع “زواج “، فهناك شريكان فيه، هما “رجل وامرأة”، ولكن المجمع الفقهي اكتفى بسماع رؤية الرجل، ولم يسمع إلى الشريك الآخر في القضية، وهي المرأة. والبحوث التي قدمت عن زواج المسيار، ونوقشت في المجمع هي بحوث تقدم بها علماء رجال، ولم نجد عالمة وفقيهة طلب منها تقديم دراسة فقهية عن زواج المسيار، والحضور لمناقشته مع أعضاء المجمع، كما لم نجد أن المجمع طلب من اختصاصيين واختصاصيات في علم الاجتماع تقديم دراسات عن زواج المسيار، وآثاره في الكيان الأسري، وفي المجتمع، ومدى انعكاسه على الأولاد سواء كانوا أولاد مسيار، أو أولاد زوجة المسيار من زوج سابق؟ 
لم يطلب بحثاً لدراسة الأسباب التي دفعت المرأة للقبول بأن تكون زوجة مسيار، ومردود هذا الزواج عليها، وقد قبلت أن تتنازل عن حقوقها في الإشهار، وفي المسكن والنفقة والمبيت. الزوجة التي قبلت أن تكون امرأة للفراش فقط، ليقضي منها وطره من تزوجته زواجاً مسياراً، تلك الزوجة التي قبلت أن يكون زواجها من زوجها سراً لا يعلمه أحد من أهله، ولا أحد من معارفها وصديقاتها، ولا يوضع اسمها، واسم أولادها منه، في حالة قبوله الإنجاب منه في بطاقة العائلة، وقد تأتي أعياد، لا يوجد الزوج معها لأنه سافر مع زوجه الأولى وأولاده منها، أو انه يسافر في عطلة الصيف مع زوجه الأولى، ولا يحق لها أن تطالبه بالسفر معه، فكيف شعورها بالظلم والقهر لعدم العدل بينها وبين زوجه الأولى؟
وما موقفها أمام أولادها، هي تستقبل رجلا في غرفة نومها ساعة أو ساعتين في اليوم، أو الأسبوع ليقضي وطره منها، ثم يخرج؟
وما شعورها إن مرضت أو مرض أحد أولادها في منتصف الليل، ولا تجد زوجها الى جانبها، ولا تستطيع أن تطلبه لينقلها هي أو طفلها إلى المستشفى؟
أمور كثيرة لابد من طرحها، ومناقشتها من كل الجوانب قبل إباحة زواج جعل من الزواج زواجاً لمتعة الرجل الجنسية فقط، كزواج عالم الحيوان، وليس عالم بني آدم، زواج يؤكد أن الرجل ينظر الى المرأة، أنها جسد خلق لمتعته فقط.
إن زواج المسيار زواج بدعي مستحدث، ظهر قبل عشر سنوات، أحدثه بعض الرجال الممتهنين للمرأة والمستغلين ضعفها وظروفها، وجهلها بحقوقها، وعدم قدرتها على المطالبة بأي حق لها إن علمت به، فهي ترّبت على التنازل عن حقوقها، والخطاب الديني رباها على أن عليها واجبات تجاه الرجل، ولكن ليس لها حقوق عنده، وربى الرجل على أن له حقوقاً عند المرأة، وليس عليه واجبات تجاهها، فهو يطالبها في زواج المسيار بأن تتنازل عن حق النفقة، ولكن لا يتنازل هو عن القوامة، مع أن القوامة مشروطة بالنفقة، وتوضح هذا الآية الكريمة: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”، ولا يعتبر المهر جزءاً من النفقة لأن المهر هدية وهبة من الله للمرأة يوضح ذلك قوله تعالى: “وآتوا النساء صدُقاتهن نِحْلة)، والنحلة في اللغة الهبة والعطية، والنفقة واجبة على الزوج حتى لوكانت المرأة غنية، وإن كان الرجل ملزماً بالنفقة على المطلقة طوال عدتها، وإن كانت حاملاً إلى أن تضع حملها، بل هو مكلف بالنفقة عليها طوال فترة الرضاع إن كانت ترضع وليدها، وعليه أن يدفع لها أجرة الرضاع.كما عليه أن يوفر لها السكن هي وأولادها ما دام أولاده عندها يوضح هذا قوله تعالى: “وأسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم”، فكيف يقوم زواج على التنازل عن هذه الحقوق؟
إن شرط التعدد في الإسلام العدل بين الزوجات في السكن والمبيت والنفقة، وهذا مفتقد في المسيار، بل يقوم على التنازل عنها، كما من أسس الزواج في الإسلام الإنجاب، وزواج المسيار في الغالب يشترط عدم الإنجاب، ومن أركان الزواج في الإسلام السكن والمودة والرحمة، وهذه أيضاً مفتقدة في زواج المسيار، بل هو قائم على القسوة باشتراطه عدم الإنفاق على الزوجة وأولادها منه أو من غيره، وعدم توفير السكن لهم مع أن من أهم أسباب التعدد هو كفالة ورعاية الأرامل والمطلقات وأولادهن، وليس لأن لديهن أولادا فيطلب منهن تقديم كل تلك التنازلات، وتحرم من الزواج العادي، وتكون زوجة فراش فقط لقضاء وطر الرجل منها، وقتما يريد هو، ولا حقوق لها عنده البتة. وأي سكن هذا الذي يكون في المتعة الجسدية فقط؟ والسكن في قوله تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، للسكون القلبي لقوله “إليها”، ولم يقل “عندها” ليكون السكون الجسماني كما هي حال المسيار، وزواج المسيار يفتقر إلى العدل بين الأولاد وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التمييز بينهم ولو بِقُبلة.
وهكذا نجد أن زواج المسيار كزواج المحلل ظاهره صحيح، لأنَه يتم بعقد بولي وشاهدين وباطنه فاسد، فهو لا يقوم على الأسس والأركان التي يقوم عليها الزواج في الإسلام لبناء أسرة قويمة، صحيحة البنيان، فهو كما رأينا يفتقر إلى الإشهار والسكن والمودة والرحمة والمبيت والنفقة والسكن، والإحصان، والعدل بين الزوجات وبين الأولاد، كما يفتقر إلى الإنجاب في أحوال كثيرة، إضافة إلى كل ذلك، فهو يفتقر إلى صلة الرحم بأهل الزوجين، وصيانة سمعة الزوجة أمام أولادها وجيرانها، ومعارفها، والديمومة والاستمرار، والحفاظ على كرامة المرأة وحقوقها.
في خضم التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة، والتي تستهدف تقويض بنيانها جاءت إباحة زواج المسيار ضربة قاضية لكيان الأسرة في الإسلام، فهو يقضي على البنيان القويم الذي بناه الإسلام للأسرة المسلمة.
إن إباحة زواج المسيار سوف تلغي تعدد الزوجات الذي شرعه الخالق وقننه ووضع له الضوابط، أما المسيار فهو قائم على ظلم المرأة وامتهانها، ويوافق أهواء الرجال. وآفة العلماء أن يفتوا لموافقة الأهواء، ومن فتاواهم تحريم عضوية المرأة في المجامع الفقهية، مع أنها كانت تفتي في زمني أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وتحريم عضويتها في مجلس الشورى رغم أنَ حقها في الشورى وارد في آيتي الشورى، وقد مارست هذا الحق في العهدين النبوي والراشدي، وتحريم قيادتها للسيارة رغم عدم وجود نص شرعي يحرم عليها قيادة السيارة، وتحريم توليها مناصب قيادية، رغم قوله تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر”، وكانت أول وزيرة بلدية في الإسلام هي الشفاء بنت عبد الله من بني عدي، وكانت مستشارة للخليفة عمر رضي الله عنه، كما تولت الحكم في مختلف العصور الإسلامية، بل هناك من يحرمها من حق الولاية على نفسها ومالها مهما بلغت من السن والمكانة، والمعيلة لنفسها وأسرتها، بل تحريم شهادتها في الجنايات، وجعل ديتها نصف دية الرجل، وهناك من يفتي بعدم التزام الزوج بعلاج زوجته المريضة، وهناك من يوجب على المرأة تغطية وجهها، وهي محرمة مع أنّ إحرام المرأة في وجهها وكفيها.

suhaila_hammad@hotmail.com 

Leave a Reply