المرتبة ال 128!!(3)
 بقلم / د.سهيلة زين العابدين حمَّاد
    أواصل الحديث عن عمق الفجوة بين الرجال والنساء في مجتمعنا ،وهذه الفجوة ستظل قائمة 
 مادامت المرأة تُحرم من حقها في الميراث في بعض مناطق المملكة ،فيوجد من نسائنا يعشن على صدقات المحسنين وإعانات الجمعيات الخيرية ،وهن يملكن الملايين التي استولى عليها إخوتهن أو أعمامهن بحكم أنّهن متزوجات من خارج نطاق الأسرة
بينما نجد من هؤلاء الإخوة قد تزوجوا من نساء أوربيات أو أمريكيات ،ويرثنهم في أموالهم.
وقد تًحرم المرأة من حقها في الميراث،أو من راتبها إن توظفت  لفرض المجتمع عليها ولي الأمر والوكيل ليسيِّر لها أمورها الحياتية والمالية ،مع أنَّ الإسلام منح المرأة ذمة مالية مستقلة ،وأهلية  كاملة في التصرف في مالها كما تشاء دون إذن أحد ما دامت بلغت سن الرشد ، وغالباً ما يكون الأب ،أو الأخ ،أو الزوج،أو العم ،أو الخال ،أو ابن العم هو ولي الأمر والوكيل  ،فالأخ،أو العم  بحكم وكالته للمرأة ،أو ولايته عليها إن كانت غير متزوجة يستولي على حقها في الميراث ،وهناك نساء بلغن الآن سن الستين ،ولم يحصلن على حقوقهن في الميراث من إخوتهن،أو أعمامهن.  
  وبحكم نظرة الرجل إلى المرأة أنَّها خلقت لمتعته وخدمته ،فهناك بعض أصحاب المؤسسات أو الشركات في القطاع الخاص من ذوي النفوس المريضة  ينظرون إلى النساء  اللواتي تعملن في مؤسساتهم وشركاتهم أنهن في حكم ما ملكت أيمانهم ما داموا يصرفون لهن مرتبات،  ويتحرشون بهن ،ويخيرهن بين الاستمرار في العمل  بالتجاوب معهم ،أو ترك العمل  ،وهن بطبيعة الحال يتركن العمل حفاظاً على أنفسهن رغم حاجتهن للعمل ،ومنهم من يستغل حاجة المرأة إلى العمل فيصرف لها راتباً متندياً ،فمثلاً نجد في التعليم الخاص يُصرف لخريجة الجامعة راتباًً شهرياً يصل إلى (1200) ريالاً ،ولا تُصرف لهن علاوات ،وقد اتصلت بي إحدى معلمات المدارس الخاصة ،وشكت لي تدني رواتب المعلمات ،وعدم منحهن علاوات ،أو ترقيات ،والمفروض أن تكون هناك رقابة من ديوان الخدمة المدنية على رواتب القطاع الخاص بحيث لا تقل رواتبه عن رواتب الدولة طبقاً للمؤهلات والرواتب ،وأن تراقب بصورة خاصة رواتب الموظفات ،وتقارنها برواتب الموظفين ،وتطالب بتطبيق العدالة والمساواة في رواتب الموظفات بالموظفين،صحيح أنَّ البنوك ،وبعض الشركات والمؤسسات تدفع رواتب أعلى من رواتب الدولة ،ولكن أغلبها لرجال ممن يحملون جنسيات أوروبية أو أمريكية. 
وفيما يتعلق بعمل المرأة في القطاع الخاص ،  فإنَّ نسبة توظيف المرأة في البنوك (4%) وكذلك في شركة أرامكو حيث يبلغ عدد العاملات في الشركة حوالي( 4000 )منهن( 1000) سعودية. وهذا يعني أنَّ عد العاملات بالقطاع الخاص لا زال منخفضاً جداً ولا يزيد على (11142) سعودية وهو ما نسبته 0.68% ، وتبلغ المشاركة النسائية ما نسبته 2.02% للمرأة العاملة في القطاع الخاص.
   إنَّ ضعف مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي لم يقتصر فقط على سوق العمل  إنما يشمل ضعف مشاركتها في النشاط الاستثماري ، .ففي قطاع الاستثمار ،حيث تشير الإحصائيات إلى إنَّ الأرصدة النسائية تفوق 100 مليار ريال ،تستثمر منها المرأة بنحو 42.3 مليون ريال موزعة بين 26 مشروع مشتركا  تتركز معظمها في تجارة الإكسسوارات،والمشاغل و المستوصفات والعيادات الطبية .
   ويرجع تعطيل استثمار هذه الأرصدة لعدم وجود أوعية وقنوات وأنشطة استثمارية كافية لاستيعابها .
  إنَّ حجم الاستثمارات النسائية في المملكة مازال منخفضاً إذ بلغ عدد المنتسبات إلى الغرف التجارية من سيدات الأعمال في عام 1423هـ نحو 2398 منتسبة وهذه تقدر بنحو 5.8% فقط من إجمالي المنتسبين البالغ في نفس الفترة 40870 منتسب  ومنتسبة.
      عدد السجلات التجارية والمملوكة بأسماء نسائية تساوي 22466 سجلاً وهذا يمثل 4.7% من عدد المنشآت المسجلة في الغرف التجارية بالمملكة .
    رصيد السيدات في فروع البنوك النسائية يزيد على (6970.6) مليون ريال حسب إحصائيات ديسمبر عام 2002م مقارنة بـ (5455) مليون ريال في ديسمبر عام 2001م مما يبين أن هناك أرصدة نسائية كبيرة معطلة وأن دخول المرأة مجال الاستثمار سيكون ذا فائدة  للاقتصاد.
    إنَّ عدداً كبيراً من المعوقات والصعوبات التي تواجه المرأة المستثمرة ذُكرت في عدة دراسات  والتي ما زالت قائمة وتقف عائقاً في طريق استثمارات المرأة بدءاً بالأنظمة والقوانين الاستثمارية ومروراً  بمعوقات إدارية وقانونية ومالية وانتهاء بالعوائق المترتبة على العادات والتقاليد.
 أمَّا في  المجال الأكاديمي نجد أستاذة الجامعة لا تعطى لها فرصة المشاركة في المؤتمرات العلمية مثل زميلها الرجل ،وطبقاً لدراسة ميدانية قامت بها الدكتورة لطيفة عبد اللطيف في جامعة الملك سعود على أستاذات في جامعتي الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، تُوضح  لنا الواقع الأكاديمي في مقر  جامعتي الملك سعود والإمام ـ مع أنَّ جامعة الملك سعود هي أقدم وأكبر جامعة في المملكة ـ ومعوقات  البحوث العلمية والأكاديمية التي  تواجه أساتذة الجامعات بصورة عامة ،والأستاذات بصورة خاصة ،كما أنَّها كشفت عن نقص الكتب والمراجع والدوريات والمجلات العلمية في مكتبيتي الجامعتيْن ،وعدم مواكبتها للتطورات العلمية الحديثة ،فجميع الكتب التي بها قديمة ،ولا يُستفاد منها الآن في البحوث العلمية الحديثة ،كما كشفت عن المعوقات التي تواجه أساتذة الجامعات ،ولا سيما الأستاذات في المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية ،مع قلة عقد المؤتمروالندوات العلمية،كما كشفت هذه الدراسة عن تميز للأساتذة والطلبة على الأستاذات والطالبات ،وهي بشأن مكتبة الجامعة ،فهي مفتوحة طوال أيام الأسبوع للرجال ،ومخصص يوم واحد فقط للنساء،وأغلب الأستاذات والطالبات لايستفدن من مكتبة الجامعة حتى لو زودت بأحدث الكتب والمراجع والدوريات والمجلات العلمية ،كما كشفت الدراسة تمييزاً آخر للأساتذة ،وهو قلة ساعات التدريس لديهم عن ساعات التدريس المخصصة للأستاذات ؛ إذ يبلغ معدل ساعات التدريس للأساتذة عشرة ساعات ،بينما يتراوح معدل عدد ساعات تدريس الأستاذات من 14 -16 ساعة  إلى  جانب  نقص أجهزة الحاسب في مكاتب الأستاذات ،وعدم ربطها بالشبكات البحثية العالمية ،إضافة إلى زيادة العبء التدريسي على الأستاذة الجامعية ،وتكليف الأستاذات بأعمال إدارية ،ويكون هذا على حساب إنتاجهن العلمي والبحثي ،كما تبيَّن تكدس الطالبات في المدرجات الجامعية ،وعدم توفر المعامل والمختبرات للأستاذات والطالبات .
  والتمايز واضح أيضاً في جامعة الملك سعود من حيث المباني ؛إذ أُعطيت لكليات البنات المباني القديمة للجامعة بعد انتقال كليات الطلبة إلى مباني الجامعة الجديدة في الدرعية ،وهذه المباني أصبحت متهالكة حتى أنَّه سقط سقف إحدى الغرف بالكليات العلمية بالملز من جرَّاء هدم بعض المنازل المجاورة لها  ،ومن لطف الله أنَّه سقط في فترة الإجازة الصيفية .
 وهناك أيضاً تمايز للرجال على النساء في بعض الأنظمة والقوانين وفي المجالات الرياضية والإعلامية والأدبية .
وهذا ما سأبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله 
  البريد الكيتروني: suhaila_ hammad@hotmail.com
…………………………
نُشر هذا المقال في جريدة المدينة بعنوان المرأة وإشكالية الثقافة الذكورية بتاريخ 8 يناير 2009م.

Leave a Reply