جريدة المدينة : الخميس, 20 نوفمبر 2008م
سهيلة زين العابدين حمَّاد
كثيراً ما توجه المنظمات الدولية الحقوقية الكثير من الانتقادات على نظام الكفيل في المملكة العربية السعودية بالنسبة للعمالة الوافدة، وكما نقرأ في تقاريرها أنَّ العمالة الوافدة في المملكة دائماً هي المظلومة، والمقهورة، ومهضومة الحقوق، وتصورنا نحن الشعب السعودي بذاك الشعب الإرهابي الذي يستخدم العنف مع العمالة الوافدة، ولا سيما العمالة المنزلية
، وتأتي ببعض اللواتي تعرَّضن للعنف لتأخذ أقوالهن، وأغلبهن يبالغن فيما يتعرضن له، ومنهن من تكذب، وتدعي أنَّها تتعرَّض لعنف لتستدر عطف الآخرين، فمعدو التقارير الدولية لتلك المنظمات لا يتحرون الدقة والأمانة؛ إذ تمتلئ تقاريرهم بكثير من المغالطات، فعند قراءتنا مثلاً لتقرير «منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية عن العمالة المنزلية في المملكة العربية السعودية الذي صدر في يوليو/ تموز عام 2008م نجده أحادي النظرة، ولم يكن حيادياً ولا موضوعياً، فهو نقل وجهة نظر العاملات المنزليات، ولم يستمع إلى معاناة المواطنين والمواطنات من هذه العمالة.
صحيح أنَّ البعض منا قد أساءوا معاملة ما لديهم من عمالة منزلية، وفي نفس الوقت عانى بعضنا الآخر الكثير من العمالة المنزلية، والتقرير الموضوعي يطرح كلتا المعاناتيْن، ويوصي بالعمل على رفعهما. من معاناتنا من العمالة المنزلية عدم اتصاف معظم العاملات بالصدق والأمانة، فأنت لا تأمنهن على مالك وبيتك، ولا على نفسك، ولا على أولادك، بل حتى على أنفسهن، فإن نسيت مفتاح بيتك على إحدى الطاولات في منزلك على الفور تستخرج العاملة المنزلية منه نسخة، وتفاجأ عند عودتك من العمل قبل موعدك المعتاد، وزوجتك في العمل، وأولادك في المدارس، بوجود رجل غريب في بيتك والعاملة معه في وضع منافٍ للآداب، وتجد القطع الثمينة في بيتك قد اختفت، وربما جميع مجوهرات زوجتك وبناتك، وإذا تركت قطعة ذهبية أو ساعة، أو قلما قيما على طاولة، أو في غرفة نومك تختفي، وإن سألت عاملتك المنزلية عنها تقول لم ترها، وتبكي، وتقسم أيماناً مغلظة أنََّها لم ترها، ولم تأخذها، وإن بحثت عنها في غرفتها فلن تجدها لأنَّها تكون قد هرَّبت ما أخذته عن طريق سائق الأسرة، أو أحد الذين كوَّنت علاقة معهم، عند اصطحاب صاحبة البيت لها معها للتسوق، أو اصطحاب الأسرة لها إلى أحد المطاعم، أو المقاهي، إضافة إلى استخدامها هاتف المنزل فترة نوم أفراد الأسرة، أو خروجهم من المنزل لتدعو من لها علاقة معه لزيارتها، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ إذ نجده يصل إلى الجريمة في بعض الحالات، فتضع العاملة المنزلية «كلوركس» مع الحليب الذي يرضعه الطفل، أو تضع دم حيضها، أو إفرازات أنفها في طعام الأسرة العاملة لديها، أو تستخدم طلاسم سحرية لتجعل أفراد الأسرة لا يلتفتون إلى ماذا تعمل؟ ولا يتنبهون إلى ما يختفي من مجوهرات وقطع أثاث قيمة، أو قد تعمل تلك الطلاسم ليطلق رب الأسرة التي تعمل لديها زوجته، ويتزوجها، ويحرم أولاده من النفقة، وقد وردت إلينا في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان قضايا من هذا النوع، وقد تطمع العاملة المنزلية في مال ومجوهرات السيدة التي تعمل لديها، وتعيش بمفردها، ولم تتمكن من سرقة مالها ومجوهراتها، وعندئذ لا تتورع عن قتلها لسرقة أموالها ومجوهراتها، وقد تأتي من بلدها، وهي مخططة للهرب عند وصولها؛ إذ توجد عصابات متخصصة لتهريب العاملات المنزليات ،ويوجد لها مندوبون في الدول القادم منها العاملات المنزليات مهمتهم توزيع بطاقات بها عنوان وهواتف العصابة في مختلف مدن المملكة لتتصل بهم عند وصولها المملكة، وتهرب من البيت العاملة فيه، وتغريها تلك العصابة بمرتب أكبر من المرتب المتعاقدة عليه، وفي الغالب تشغلها في الدعارة، فنحن لو تركنا جوازات سفر خادماتنا وسائقينا، وتركنا لهن أبواب منازلنا مفتوحة ماذا سيحدث لنا؟
هل التأمين الذي سندفعه لشركة التأمين سيضمن لنا حقوقنا إن سُرقت منازلنا ومجوهراتنا ونقودنا وملابسنا ،وسجادنا، وقطع أثاثنا الثمينة؟؟؟
هل التأمين الذي سندفعه سيعوضنا عن أشهر انتظار العاملة المنزلية والسائق حتى يأتيا من بلديهما، والجهد والوقت الذيْن أنفقناهما في إتمام إجراءات معاملة الاستقدام؟هل التأمين الذي سندفعه سيعوض مجتمعنا عن تفشي السرقة والجريمة والدعارة؟ هل التأمين الذي سندفعه سيعوض مجتمعنا عن انتشار مرض الإيدز الناجم من ممارسة العاملات المنزليات الهاربات المصابات بالإيدز للدعارة قبل إجراء الفحوص الطبية عليهن؟؟؟
وهكذا نجد أنَّ فكرة التأمين غير مجدية بالنسبة للعمالة المنزلية، والذي أراه الآتي:
1- دمج مكاتب الاستقدام في شركة كبرى للاستقدام تستقدم العمالة المنزلية على كفالتها ،ويتم الاستقدام بموجب طلبات المواطنين الذين يستلمون العاملة المنزلية ،أو السائق بموجب عقد موقع بين المواطن وبين شركة الاستقدام، وموافقة العاملة المنزلية والسائق على شروط العقد ،ويكون جواز سفر العاملة المنزلية ،أو السائق بحوزة شركة الاستقدام الكفيلة ،وإن تبيَّن عدم صلاحية العمالة المنزلية ،أو السائق للعمل ،أو عدم رغبة أحدهما في العمل لدى الأسرة المتعاقد معها يعيدهما للشركة ويستبدلهما بآخرين ،ويكون هذا وارداً ضمن شروط العقد .
2- أن تتفق وزارة العمل السعودية مع وزارات عمل البلاد المستقدم منها العمالة تتعهد فيها تلك الدول بمسؤوليتها عن عدم السماح لخريجي السجون وأرباب السوابق بالعمل خارج بلادهم ،وأن تتعهد تلك الدول بتحمل نفقات سفر مواطنيها إن ارتكبوا جرائم في بلادنا ،وتدفع للشركة المستقدمة تكاليف استقدامها لمن ثبت عليهم جرائم.
إنَّ تلك الدول مستفيدة من عمالتها العاملة في الخارج فمئات الملايين تحوَّل إليها شهرياً ،إضافة إلى أن استقدامنا العمالة منها يساعدها على القضاء على البطالة في مجتمعها.
كثيراً ما تشترط علينا تلك الدول شروطاً قاسية ،وتوقف الاستقدام منها إن لم نخضع لشروطها ،وهي تبعث لنا من عمالتها من هم من خريجي السجون ،وأرباب السوابق، أو غير مؤهلين للعمل ،ونعاني من ارتفاع معدل الجريمة في بلادنا بسبب العمالة الوافدة ،ونُتهم من المنظمات الدولية أنَّنا إرهابيون ونمارس العنف مع هؤلاء الضعاف ،فلمَ لا نحمي مجتمعنا وأسرنا من جرائم العمالة الوافدة ،بوضع هذه الشروط على الدول التي نستقدم منها، وبذلك نحفظ حقوقنا ،وحقوق العمالة الوافدة؟
أمَّا تسليم الخادمة جواز سفرها وإقامتها ،وترك لها باب المنزل مفتوحاً عند خروج أصحابه ،وتسليمها هاتفاً جوَّالاً ،وجعلها تخرج مرة في الأسبوع في أي مكان تريد الذهاب إليه ،وبمفردها نكون بذلك قد رمينا بأنفسنا إلى التهلكة ،وجلبنا الهلاك والدمار لبيوتنا وأسرنا ومجتمعنا ،ورفعنا معدل الجريمة ،يكفي أنَّ معدَّل الجريمة ارتفع في مجتمعنا من جراء العمالة الوافدة ،ولا سيما العمالة الآسيوية من فئات العمال والسائقين والخادمات المنزليات ،فمنهم من على ديانات وثنية ،والمسلمون منهم والمسيحيون يفصلون بين السلوكيات والعبادات ،فالمسلمون منهم من يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ،ولكن في الوقت ذاته يكذب ويسرق ويزني ،ويسحر ،لقد أصبحنا لا نشعر بالأمان في بيوتنا ،وازداد الإقبال على شراء الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية وكاميرات المراقبة لأنَّ جميعنا أصبح خائفاً من أن يقتحم بيته اللصوص في أية لحظة ،سواءً كان موجوداً في بيته ،او خرج لقضاء بعض حوائجه ،أو سافر للعمل ،أو لقضاء إجازة ،أو لعلاج.
إنَّ إلغاء نظام الكفيل وتسليم المكفول جواز سفره يكون بالنسبة لأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والمدرسين ،وغيرهم من حاملي المؤهلات العلمية العالية ، أمّا العمالة الحرفية والعمالة المنزلية فمن الخطورة على المجتمع أن نترك لها الحبل على الغارب لإرضاء المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية التي لا يهمها ما يتعرض له مجتمعنا وأسرنا من جرائم وهلاك ودمار.
أرجو من مجلس الشورى أن يضع في الاعتبار الحقائق والوقائع التي أوردتها عند دراسته لمشروع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان القائم على إلغاء الكفيل، فما ذكرته هو حاصل بالفعل ،وأنا أتفق مع صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود ،بأنَّه لا يمكن ترك الحبل على الغارب .
suhaila_hammad@hotmail.com