أبعاد ودلالات عمل النساء السعوديات في البيوت
الخميس, 6 أغسطس 2009
د. سهيلة زين العابدين حمَّاد
لقد فوجئت بخبر يتصدر الصفحة الأولى من جريدة المدينة الصادرة يوم الأحد 12 شعبان 1430هـ ،الموافق 2 أغسطس / آب 2009م ،وعنوان الخبر توظيف أوّل 30 سعودية عاملات منازل بمرتب (1500) ريال شهرياً


،ويتضمن الخبر الآتي نصه : « باشرت 30 عاملة منزلية سعودية عملهن بمرتبات تصل إلى 1500 ريال شهريا ليكنّ أول سعوديات يعملن في مهن منزلية بعد أن كانت مقتصرة فقط على العمالة الأجنبية ومن جنسيات آسيوية بصفة خاصة، وتتراوح أعمارهن ما بين 20ـ 40 سنة، لم يحصلن على الابتدائية ،وهن من أحياء عشوائية فقيرة. وأشار الخبر إلى قرار وزارة العمل الاستعانة بـ “مدبرات منازل سعوديات” قبل عامين لإحلالهن محل العاملات المنزليات غير السعوديات . كما بيَّن الضوابط التي وضعت لعمل السعوديات في المنازل ،والتي تنحصر في العمل لـ 8 ساعات في اليوم أثناء خروج رب المنزل وانشغاله بالدوام الرسمي مع توفير مواصلات عن طريق المؤسسة لتوصيل العاملة المنزلية من وإلى منزلها، و تعهد خطي من قبل رب وربة العمل بالحفاظ عليها وفق شروط محددة تحفظ كرامة العاملة سواء السعودية أو الأجنبية. لهذا الخبر أبعاده ودلالاته، ألخصها في التالي :
أولاً : أنَّ المرأة السعودية أصبحت في حاجة ملحة إلى العمل ،وأنَّ الأصوات التي تُعارض عملها بعيدة عن الواقع الاجتماعي ،فهناك نساء وفتيات يعلن أنفسهن وأسرهن لوفاة الأب ،أو الزوج ،أو لمرضهما، أو لإدمانهما المخدرات ،وفجأة تجد الزوجة ،أو الابنة مسؤولة مسؤولية كاملة عن إعالة نفسها وأسرتها من أم وإخوة ،أو أولاد، أو قد تطلق ،أو تهجر من قبل زوجها ،و لا يتولى الطليق الإنفاق على أولادها ،ويمتنع المعلق أو الهاجر لزوجته من الإنفاق عليها، وعلى أولاده منها ومن ضمن هؤلاء العاملات مهجورة عمرها 24 سنة ولديها طفلان ،ولا يوجد من يعيلها هي وطفليها ، هذا وإن لجأت المرأة المهجورة ،أو المعلقة إلى القضاء فقد لا ينصفها ،بل لا يعطيها ما يثبت هجرها أو تعليقها لتتقدم به إلى الضمان الاجتماعي ليصرف لها ما يعيشها هي وأولادها لاشتراطه شاهدًا من أهل زوجها ،وشاهدًا من أهلها لإصدار صك هجران ،مع أنَّه بإمكان القاضي فسخ عقد الزوجية إن تجاوز الهجر الستة أشهر طبقاً للمذهب الحنبلي إن طلبت ذلك، وقد يتخلى الأب ،أو الأخ عن الإنفاق عليها إن طلقت ،أو ترملت.
ثانياً : خطورة البطالة النسائية على المجتمع لأنَّ هذا يدفعها إلى احتراف أي عمل لتعيش منه ومن تعول ،حتى لو اضطرت إلى الانحراف.
ثالثاً : حرمان المرأة السعودية من حقها في التعليم الذي اضطرها إلى العمل كخادمة في البيوت.
رابعاً :قصور خدمات الضمان الاجتماعي ،وعدم اشتمالها لكل الأسر الفقيرة.
خامساً :أنَّ وزارة العمل لم تتمكن من سعودة العمل في جميع المهن والحرف ،حتى تقرر سعودة العمالة النسائية المنزلية، ليسبق سعودة عمل المرأة في نظافة المشاغل النسائية والبنوك النسائية والمستشفيات.
سادساً : لم توضح مسؤولة مكتب التوظيف ما الرسوم التي يأخذها المكتب من العاملة السعودية مقابل تدريبها ،وتوصيلها ذهاباً وإياباً إلى البيت الذي تعمل فيه ؟ وكم صافي المبلغ الذي سيبقى لها بعد استقطاع المكتب نسبته منه؟
سابعاً : إنَّ هذا الحدث يعكس لنا المتناقضات التي يعيشها مجتمعنا ،ففي الوقت الذي يوقف فيه قرار تأنيث بيع المستلزمات النسائية ، وقرار إدارة سيدة الأعمال أعمالها بنفسها ،وإلغاء الوكيل ،وإصرار وزارة التجارة على المدير العام للشركة التي تملكها امرأة ،وتتعامل فيها مع رجال ،وكذلك معارضة عضوية المرأة في مجلس الشورى ،وقيادة المرأة للسيارة تحت ذريعة درء الفتن والمفاسد نجد هؤلاء المعارضين يرضون للمرأة أن تفترش الأرض في الحر الشديد والبرد القارس لتبيع ملابس وسجاجيد صلاة وسبح … كما نجدهم يغضون الطرف عن عمل المرأة السعودية في المنازل الذي يعرضها ليس للذل والامتهان والاختلاط بالرجل فقط ،وإنَّما قد يعرضها للخلوة به ، وما قد يترتب على ذلك من مشكلات. وقد لا يكون رب البيت هو الرجل الوحيد في الأسرة ،فهناك أولاد ذكور تختلف أعمارهم ،هل يُضمن أنَّ هؤلاء الأولاد لا يوجدون يومياً في البيت فترة عملها؟
   لقد قامت الأخت الصحفية في مجلة رؤى الأستاذة روزانا اليامي بمغامرة صحفية بالاتفاق مع رئاسة تحرير المجلة أن تعمل كعاملة منزلية لدى عائلة سعودية ،وكتبت في تقريرها تفاصيل ما حدث لها داخل هذا البيت ،من ذلك قولها « كان أبناء ربة البيت ينظرون إليَّ كفريسة يودون التهامها ،حاولوا إقناعي بالتخلي عن غطاء الوجه من أجل راحتي . كانوا يتحدثون معي خلسة دون علم والدتهم ،وقد عرض عليّ أحدهم تناول العشاء كنوع من الترفيه ،لكني رفضت.»[ مجلة رؤى ، ص 20 ، العدد 156 ، السنة الرابعة  2جمادى الآخرة 1430هـ الموافق 26 مايو 2009م.]
لقد عملت الأخت الصحفية كخادمة بدون أخذ أية ضمانات من مكتب التوظيف على الذين ستعمل لديهم، ولو أخذت الضمانات ،فمن يضمن الالتزام بها ،وها هي الأحداث التي تتابعت سراعاً ،فحصل كل هذا في بضع ساعات …!!!!كما أنَّها عملت دون تحديد ساعات العمل ،فمعها حقيبة ملابسها ،أي أنَّها ستقيم في البيت الذي تعمل فيه، وقامت بكل الأعمال من طهي وغسل مواعين وكي ،والعناية بالطفل…إلخ ، هذا هو الواقع ،فلا نكون خياليين ،أمَّا القول إنَّ السعوديات كن من قبل يعملن في البيوت ،وكن يجدن كل تقدير واحترام ،فكان هذا في زمن الأسرة الكبيرة الممتدة ،فالبيت كبير وممتلئ بنساء وبنات الأسرة ،وكان الزمن غير هذا الزمن ،وكانت فرص العمل للمرأة شبه منعدمة ،وكذا تعليمها ،كما لم يكن للضمان الاجتماعي وجود آنذاك.
  وإنَّني لأتعجب من أحوال مجتمعي الذي يقبل للمرأة السعودية الأعمال المتدنية كخادمة في البيوت وبائعة في الطرقات ،ويحتج على تقلدها مناصب قيادية لحمايتها من الاختلاط ،وإنَّني لأتعجب من مكاتب توظيف الخادمات لمَ تدرب المحتاجات للعمل على الخدمة في البيوت ،ولم تدربهن على العمل في المصانع والمشاغل مثلما عمل مصمم الأزياء السعودي سراج سند الذي أنشأ مصنعاً ليعمل فيه أرامل ومطلقات تم تدريبهن على تنفيذ تصميماته للثوب السعودي ،وقدَّمن إنتاجاً مشرِّفاً، وآمل من وزارات التجارة والصناعة والعمل والتنمية البشرية أن تتبنى مثل هذه المشاريع لتوفير العمل الشريف للمرأة السعودية الذي يحفظ كرامتها ،ويصون عرضها
……………………………………………….
نُشر في جريدة المدينة.

Leave a Reply