3-حقوق الإنسان

الشخصية القانونية للمرأة السعودية والعنف الأسري (2-2)

الشخصية القانونية للمرأة السعودية والعنف الأسري (2-2)
جريدة المدينة في الخميس, 8 مايو 2008
سهيلة زين العابدين حمَّاد
هذه المفاهيم الخاطئة والقاصرة أعمت القلوب والعقول والأبصار عن العديد من الآيات القرآنية التي تعلن مساواة المرأة بالرجل في التكليف وفي الأهلية..

تحت رعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله آل سعود نظم برنامج الأمان الأسري لقاء الخبراء الوطني حول العنف الأسري في الفترة من 1-2 جمادى الأولى عام 1429هـ الموافق 6-7 مايو2008م، وذلك بهدف الوصول إلى أسباب العنف الأسري، وكيفية الحد منه، وبما أنَّ الأنثى هي الحلقة الأضعف فهي الأكثر عرضة للعنف امرأة كانت، أو طفلة، وفي رأيي أنَّ من أهم أسباب العنف ضد الأنثى سبب رئيس هو:
الفهم الخاطئ لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالمرأة، وخاصة حديث: “ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب بلب الرجل الحام من إحداكن” وقوله تعالى في آية المداينة: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضوْن من الشهداء أن تضل إحداهما قتذكر إحداهما الأخرى)، وقوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين)، وقوله جل شأنه: “واضربوهن”، وقوله تعالى: (الرجال قوَّامون على النساء) وقوله صلى الله عليه وسلم: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”
وترتب على المفاهيم الخاطئة لهذه الآيات والأحاديث النبوية، وغيرها حرمان المرأة من أهليتها القانونية، والتعامل معها معاملة القاصر في كل الأحوال إلاَّ عند تطبيق الحدود عليها والقصاص والعقوبات، هنا يعيد لها الرجل والمجتمع أهليتها، كما ترتب على المفاهيم الخاطئة للولاية والقوامة منح ولي الأمر حقوقاً على المرأة ليست له تجاوزت حدود الولاية والقوامة وشروطهما رسَّخت في عقله وذهنه أنَّ الأنثى ملك له روح وجسداً ومالاً وعقلاً ،يفعل بها مايشاء ،فهناك من الآباء والإخوة والأعمام والأخوال باتوا يغتصبون محارمهم، وهناك من الآباء يزوجون بناتهم لرجال يكبرونهن بعشرات السنين، ومنهم من يزوجون بناتهم لمحكوم عليهم بالقصاص، ومنهم يعضلونهن ولا يزوجونهن، ومن الآباء والإخوة يحرمون بناتهم وأخواتهم من حقوقهن في الميراث، وهناك من الإخوة، بل وأبناء العم لهم الحق في طلب تطليق أخواتهم وبنات أعمامهم من أزواجهن بدون علمهن ورضاهن بدعوى عدم الكفاءة في النسب، وهناك من الآباء من يعذب بناته إلى حد الموت، وهناك من الأزواج من يستولون على أموال ورواتب زوجاتهم، ويعذبونهن وقد يحدثون عاهات بهن، وهناك من الآباء والإخوة من يحرمون بناتهم وأخواتهم من حقهن في التعليم والعمل، ويحق للذكر كان أباً أو أخاً كبيراً ،أو صغيرا ،ابناً أو حفيداً منع أمه، أو جدته، أو أخته الكبرى من السفر حتى لو لم يكن مسؤولاً عن نفقتها، بل قد تكون هي المنفقة عليه ،له هذا الحق فقط لكونه ذكراً !!
إنَّ هذه المفاهيم الخاطئة والقاصرة أعمت القلوب والعقول والأبصار عن العديد من الآيات القرآنية التي تعلن مساواة المرأة بالرجل في التكليف وفي الأهلية منها قوله تعالى: 
(والليلِ إذا يغْشى . والنَّهارِ إذا تَجَلَّى . ومَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنْثى . إنَّ سَعْيَكُمْ لشتَّى . فأمَّا مَنْ أَعْطى واتَّقى . وصَدَّقَ بالْحُسنى . فسَنُيَسِّرُهُ لليُسْرى . وأمَّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنى . وَكَذّبَ بالْحُسْنى . فَسَنُيَسِّرُهُ للعُسْرى) [الليل : 1-10].
فهذا تقرير قرآني لمبدأ تكليف الذكر والأنثى على السواء تكليفاً متساوياً بكل ما يتصل بشؤون الدنيا والدين، ولمبدأ ترتيب نتائج سعي كلِّ منهما وفقاً للفعل الذي يصدر عن كل منهما، وهذه الآيات تعد أول تقرير قرآني لتساوي الذكر والأنثى في الأمور التي يختار كل منهما عمله، وطريقه إليها لأنَّها نزلت في بداية دعوة الإسلام، كما يُقسم فيها الله عز وجل بالذكر والأنثى، وللخالق القسم بما وبمن شاء من مخلوقاته، ولكن لا يحق لنا القسم بغيره. 
(وابْتلُوا اليتامى حتَّى إذا بلَغُوا النِّكَاحَ فإنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) [النساء : 6].
لقد حرص الإسلام على إزالة القصر الدائم عن المرأة معطياً لها شخصية حقوقية كاملة فأقر بأهليتها الكاملة مانحاً لها حق الولاية على مالها والتصرف فيه حسب ما تشاء، شأنها شأن الرجل في ذلك على حد سواء؛ إذ وهبها جميع حقوقها المدنية فلها الحق في عقد العقود من بيع وشراء وإجارة وشركة وقرض ورهن وهبة وغير ذلك، وليس لأحد أن يتدخل باسم الشرع والقانون أياً كان.
(للرِّجالِ نصيبٌ مِّمَّا ترًكَ الوَالِدان والأقْرَبُون، وللنساء نصيبٌ ممَّا ترك الوالدان والأقربون ممَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْكَثُرَ نَصِيبَاً مَّفْرُوضاً) [النساء : 7].
ولها نصيب من إرث والدها، وهو نصف نصيب أخيها، وذلك لأنَّ الأخ أصبح مسؤولاً شرعاً عن نفقة أخته في حين أنَّ الأخت ليست عليها تبعات في النفقة مقابل النصيب الذي حصلت عليه، وقاعدة الميراث في الإسلام تقوم على القرابة أي المباشرون من الأقرباء، وعلى العصبة أي باقي الأقرباء من جهة الأب، وفي الحالات التي يكون فيها نصيب الذكر أكثر منها يكون مسؤولاً عن نفقتها ، أمَّا الحالات التي لا يكون الرجل مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن نفقتها كان نصيب الأنثى مثل الذكر أو أكثر منه طبقاً للقرابة والعصبة، وتوضح هذا آيتا المواريث في سورة النساء.
والمرأة في أحوال إرثها أقل من الرجل لا تعتبر مغبونة لأنَّ الإسلام أعفاها من الإنفاق حتى ولو كانت ثرية، بل ألزم الرجل بالنفقة عليها حتى ولو كانت غنية، وهذا أحد شرطي القوامة.
(يا أيُّها النَّاس إنَّا خَلَقّناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَائِل لَتَعَارَفُوا إِنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنَّ اللهَ عليمٌ خبير) [الحجرات:13].
مقياس الأفضلية هنا التقوى.
(مّنْ عمِلَ صالحاً مِنْ ذكرٍ أوْ أُنْثى وهُوُ مُؤْمِنٌ فلُنُحْيِيَنَّه حياةً طيِّبةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بأَحْسَنِ مَا كانوا يَعْمَلُون) [النحل : 97]
المساواة في الأجر والثواب.
(يا أيُّها النَّبيُّ إذا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلى أنْ لا يُشْرِكْنَ باللهِ شيئاً ولاَ يَسْرِقَنَ ولاَ يَزْنِين ولاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيِهِنَّ وأَرْجُلِهِنَّ ولاَ يَعْصِينَكَ في معْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ واسْتَغْفِر لّهُنَّ اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رحيم) [الممتحنة : 12]
(والمُؤْمِنُون والمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطيِعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيم) [التوبة : 71]
المساواة في الحقوق السياسية.
(والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أيْدِيهِما جَزاءً بِمَا كسبا) (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)
المساواة في الحدود والتعزيرات والقصاص.
هذه الآيات الكريمات وغيرها تعلن أنَّ المرأة كاملة الأهلية مثلها مثل الرجل في الحدود والقصاص والعقوبات والأجر والثواب وفي الذمة المالية، وفي حق الميراث، وفي البيعة والشورى والولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي إجارة المحارب ،فبأي حق يأتي المجتمع بحكم أعراف وعادات وتقاليد متنافية مع الإسلام يحرمها من هذه الأهلية، ويتعامل معها كناقصة الأهلية في كل الأحوال ما عدا حالات تطبيق الحدود والقصاص والعقوبات، ونجد المشرِّع الوضعي يعطي ولي الأمر سلطات على المرأة تحرمها من هذه الأهلية وتجعلها تحت سطوته وسلطته ووصايته مدى الحياة، ممَّا جعله يمارس شتى أنواع العنف ضدها من عنف بدني ونفسي، جنسي ،وعنف مالي واقتصادي، وعنف اجتماعي، بل امتد العنف معها حتى في مجال العمل؛ إذ حرمت من تولي المناصب القيادية، فالرجل هو المتحكم في توليها أي منصب قيادي، وقد تكون المرأة متفوقة على زميلها الرجل علماً وفكراً وعملاً،

Leave a Reply