الزوجة بين المملوكة والدار المستأجرة
بقلم د. سهيلة زين العابدين حماد
عندما تقرأ في كتب الفقه عن نظام الزواج في الإسلام وأحكامه وحقوق الزوجين تجد العجب العُجاب، فقد جعل الفقهاء الزوجة في حال صحتها وعافيتها أمة مملوكة لزوجها بعقد النكاح
، وفي حال مرضها دارا مستأجرة لعدم إلزامه بعلاجها، فقد أورد ابن قدامة في كتابه المغني مقولة للإمام الزهري «لا يقتل الرجل في امرأته لأنّه ملكها بعقد النكاح» وهذا مخالف لقوله عليه الصلاة والسلام ( من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه) وتقرأ لابن القيم في إعلام الموقعين مقولته « إنّ السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهى تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير»، وتقرأ لابن علي الجوزي في أحكام النساء:» وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج ..وينبغي لها الصبر على أذاه كما يصبر المملوك» إضافة إلى كل المرويات الضعيفة المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم عن طاعة الزوج، كأحاديث « لو أمرتُ أحدًا أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة ان تسجد لزوجها»، وحديث «لو سال من منخراه ( أي فتحتي أنف الزوج) دمًا أو قيحًا، أو صديدًا ولحسته ما وفته حقه لما فضله الله عليها، بل هناك مرويات ضعيفة سندًا ومتنًا يستشهد بها ابن قدامة في كتابه المغني تعطي للزوج حق منع زوجته من عيادة والدها المريض، بل حتى من حضور جنازته، هذا الأب المكلف بعلاجها في مرضها طبقًا لهذا الحكم الفقهي الظالم، فقد روى ابن بطة عن أنس أنَّ رجلاً سافر ومنع زوجته الخروج، فمرض أبوها، فاستأذنت رسول الله عليه الصلاة والسلام في عيادة أبيها، فقال لها عليه الصلاة والسلام: «اتق الله ولا تخالفي زوجك»، فمات أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته، فقال لها:» اتق الله ولا تخالفي زوجك»، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: « إنِّي غفرتُ لها بطاعة زوجها». فهذا الحديث ضعيف من حيث المتن والاسناد، ومن دلائل ضعف المتن، مخالفتها لأمر زوجها مرتين بخروجها لسؤاله عليه الصلاة والسلام، ولم ينهها عن ذلك، ولو كان الحديث صحيحًا لمنعها، كما أنّه يناقض الأمر الإلهي ببر الوالدين الذي قرنه بطاعته، إضافة إلى انتقاد ابن قدامة له، فلوكان صحيحًا لما انتقده، يقول ابن قدامة: « ولا يجوز لها الخروج إلاَّ بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما لأنَّ في ذلك قطيعة لهما وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف.»[ 8130] والحديث ضعيف الإسناد، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: لابن بطة مع فضله أوهام وغلط»، وقال عنه عبيد الله الأزهري « ضعيف، ولا أخرج عنه في الصحيح شيئًا»، وقال حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق لم يسمع ابن بطة الغريب من بن عزيز، وادعى سماعه، وقال الخطيب وروى ابن بطة كتب ابن قتيبة عن ابن أبي مريم الدينوري ولا يعرف ابن أبي مريم.
ولكن في حالة مرضها جعلوها دارًا مستأجرة لعدم إلزام الزوج بعلاجها، حيث نظروا للعلاقة الزوجية علاقة جنسية محضة، أي جعلوا الزوجة يُنفق عليها مقابل الاستمتاع بها فحصروا إلزام نفقة الزوج عليها في نطاق متعته الجنسية، بإصدارهم حكمًا فقهيًا بُني على اجتهادات شخصية غير مبنية على آيات قرآنية وأحاديث نبوية، يقول فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي:» قرر فقهاء المذاهب الأربعة أنَّ الزوج لا يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة من أجرة طبيب وحاجم وفاصد ،وثمن دواء، وإنَّما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها لأنّ التداوي لحفظ أصل الجسم، فلا يجب على مستحق المنفعة كعمارة الدار المستأجرة تجب على المالك لا على المستأجر» [ الفقه الإسلامي وأدلته:7794] ، ويقول ابن قدامة « الحنبلي» في المغني:» ولا يجب عليه – أي الزوج – شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنّه يراد لإصلاح الجسم ، فلا يلزمه، كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها، وكذلك أجرة الحجام والفاصد.» [ابن قدامة : المغني ،كتاب النفقات ، فصل رقم « 6460» ويقول فقيه الحنابلة في مصر البَهوتي ـ في كتاب النفقات في كشاف القناع: «ولا يجب عليه -أي الزوج -الأدوية وأُجرة الطبيب والحجَّام والفاصد والكحال، لأنَّ ذلك يُراد لإصلاح الجسم، كما لا يُلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار)
وقد بيّن الإمام الشافعي سبب تقريرهم عدم وجوب علاج الزوجة بقوله «وإن كانت النفقة للحبس، فهي محبوسة، وإن كانت للجِماع، فالمريض والغائب لا يُجامعان في حالهما تلك، فأُسقط لذلك النفقة[ كتاب الأم : كتاب النفقات 6/ 342، 343]
هذا ومن خلال هذا المنظور الجنسي للزواج أباح بعضهم زواج المسيار وأمثاله.
وأتساءل: مادام ليس على الزوج علاج زوجه، لماذا يعطى حق منعها من التعلم والعمل؟ إذ كيف تُعالج نفسها إن مرضت، إن كان أبوها متوفىً، أو فقيرًا، وهي لا تملك مالًا للعلاج، هل تُترك بمرضها إلى أن تموت؟
ومادامت الزوجة كالدار المستأجرة لماذا يرثها ؟ هل يرث المستأجر الدار المستأجر لها؟
وأين هي مسؤولية قوامة الزوج المشروطة بالإنفاق، فالخالق لم يربط مسؤولية الإنفاق بعافية الزوجة، ويوقفها بمرضها؟ وأين هذا الحكم من اتفاق الفقهاء على أنَّ المطلقة طلاقاً رجعياً تستحق النفقة والسكنى طوال عدتها؟ وكيف يناقض الفقهاء أنفسهم، فيضعون مرض الزوجة أحد مبررات التعدد؟
نّ كل تلك الأحكام مخالفة لعدل الله ،ومخالفة تمامًا لقوله تعالى:(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )( هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ)( وعاشروهن بالمعروف) ،( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، وقوله عليه الصلاة والسلام ( خياركم خياركم لنسائه، وأنا خياركم لنسائه).
………………………………………………………………………………
المصدر : جريدة المدينة في الثلاثاء 16/08/2011
http://www.al-madina.com/node/321598
بقلم د. سهيلة زين العابدين حماد
عندما تقرأ في كتب الفقه عن نظام الزواج في الإسلام وأحكامه وحقوق الزوجين تجد العجب العُجاب، فقد جعل الفقهاء الزوجة في حال صحتها وعافيتها أمة مملوكة لزوجها بعقد النكاح
، وفي حال مرضها دارا مستأجرة لعدم إلزامه بعلاجها، فقد أورد ابن قدامة في كتابه المغني مقولة للإمام الزهري «لا يقتل الرجل في امرأته لأنّه ملكها بعقد النكاح» وهذا مخالف لقوله عليه الصلاة والسلام ( من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه) وتقرأ لابن القيم في إعلام الموقعين مقولته « إنّ السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهى تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير»، وتقرأ لابن علي الجوزي في أحكام النساء:» وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج ..وينبغي لها الصبر على أذاه كما يصبر المملوك» إضافة إلى كل المرويات الضعيفة المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم عن طاعة الزوج، كأحاديث « لو أمرتُ أحدًا أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة ان تسجد لزوجها»، وحديث «لو سال من منخراه ( أي فتحتي أنف الزوج) دمًا أو قيحًا، أو صديدًا ولحسته ما وفته حقه لما فضله الله عليها، بل هناك مرويات ضعيفة سندًا ومتنًا يستشهد بها ابن قدامة في كتابه المغني تعطي للزوج حق منع زوجته من عيادة والدها المريض، بل حتى من حضور جنازته، هذا الأب المكلف بعلاجها في مرضها طبقًا لهذا الحكم الفقهي الظالم، فقد روى ابن بطة عن أنس أنَّ رجلاً سافر ومنع زوجته الخروج، فمرض أبوها، فاستأذنت رسول الله عليه الصلاة والسلام في عيادة أبيها، فقال لها عليه الصلاة والسلام: «اتق الله ولا تخالفي زوجك»، فمات أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته، فقال لها:» اتق الله ولا تخالفي زوجك»، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: « إنِّي غفرتُ لها بطاعة زوجها». فهذا الحديث ضعيف من حيث المتن والاسناد، ومن دلائل ضعف المتن، مخالفتها لأمر زوجها مرتين بخروجها لسؤاله عليه الصلاة والسلام، ولم ينهها عن ذلك، ولو كان الحديث صحيحًا لمنعها، كما أنّه يناقض الأمر الإلهي ببر الوالدين الذي قرنه بطاعته، إضافة إلى انتقاد ابن قدامة له، فلوكان صحيحًا لما انتقده، يقول ابن قدامة: « ولا يجوز لها الخروج إلاَّ بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما لأنَّ في ذلك قطيعة لهما وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف.»[ 8130] والحديث ضعيف الإسناد، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: لابن بطة مع فضله أوهام وغلط»، وقال عنه عبيد الله الأزهري « ضعيف، ولا أخرج عنه في الصحيح شيئًا»، وقال حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق لم يسمع ابن بطة الغريب من بن عزيز، وادعى سماعه، وقال الخطيب وروى ابن بطة كتب ابن قتيبة عن ابن أبي مريم الدينوري ولا يعرف ابن أبي مريم.
ولكن في حالة مرضها جعلوها دارًا مستأجرة لعدم إلزام الزوج بعلاجها، حيث نظروا للعلاقة الزوجية علاقة جنسية محضة، أي جعلوا الزوجة يُنفق عليها مقابل الاستمتاع بها فحصروا إلزام نفقة الزوج عليها في نطاق متعته الجنسية، بإصدارهم حكمًا فقهيًا بُني على اجتهادات شخصية غير مبنية على آيات قرآنية وأحاديث نبوية، يقول فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي:» قرر فقهاء المذاهب الأربعة أنَّ الزوج لا يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة من أجرة طبيب وحاجم وفاصد ،وثمن دواء، وإنَّما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها لأنّ التداوي لحفظ أصل الجسم، فلا يجب على مستحق المنفعة كعمارة الدار المستأجرة تجب على المالك لا على المستأجر» [ الفقه الإسلامي وأدلته:7794] ، ويقول ابن قدامة « الحنبلي» في المغني:» ولا يجب عليه – أي الزوج – شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنّه يراد لإصلاح الجسم ، فلا يلزمه، كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها، وكذلك أجرة الحجام والفاصد.» [ابن قدامة : المغني ،كتاب النفقات ، فصل رقم « 6460» ويقول فقيه الحنابلة في مصر البَهوتي ـ في كتاب النفقات في كشاف القناع: «ولا يجب عليه -أي الزوج -الأدوية وأُجرة الطبيب والحجَّام والفاصد والكحال، لأنَّ ذلك يُراد لإصلاح الجسم، كما لا يُلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار)
وقد بيّن الإمام الشافعي سبب تقريرهم عدم وجوب علاج الزوجة بقوله «وإن كانت النفقة للحبس، فهي محبوسة، وإن كانت للجِماع، فالمريض والغائب لا يُجامعان في حالهما تلك، فأُسقط لذلك النفقة[ كتاب الأم : كتاب النفقات 6/ 342، 343]
هذا ومن خلال هذا المنظور الجنسي للزواج أباح بعضهم زواج المسيار وأمثاله.
وأتساءل: مادام ليس على الزوج علاج زوجه، لماذا يعطى حق منعها من التعلم والعمل؟ إذ كيف تُعالج نفسها إن مرضت، إن كان أبوها متوفىً، أو فقيرًا، وهي لا تملك مالًا للعلاج، هل تُترك بمرضها إلى أن تموت؟
ومادامت الزوجة كالدار المستأجرة لماذا يرثها ؟ هل يرث المستأجر الدار المستأجر لها؟
وأين هي مسؤولية قوامة الزوج المشروطة بالإنفاق، فالخالق لم يربط مسؤولية الإنفاق بعافية الزوجة، ويوقفها بمرضها؟ وأين هذا الحكم من اتفاق الفقهاء على أنَّ المطلقة طلاقاً رجعياً تستحق النفقة والسكنى طوال عدتها؟ وكيف يناقض الفقهاء أنفسهم، فيضعون مرض الزوجة أحد مبررات التعدد؟
نّ كل تلك الأحكام مخالفة لعدل الله ،ومخالفة تمامًا لقوله تعالى:(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )( هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ)( وعاشروهن بالمعروف) ،( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، وقوله عليه الصلاة والسلام ( خياركم خياركم لنسائه، وأنا خياركم لنسائه).
………………………………………………………………………………
المصدر : جريدة المدينة في الثلاثاء 16/08/2011
http://www.al-madina.com/node/321598