أبعاد خطاب نتينياهو
الخميس, 25 يونيو 2009
د. سهيلة زين العابدين حمَّاد
عندما انتصرت المقاومة اللبنانية على إسرائيل في حربها على لبنان عام 2006م، وقف معظم ‏العرب والمسلمين وبعض المثقفين موقفاً سلبياً تجاه هذا الانتصار معتبرين إسرائيل هي ‏المنتصرة، ومن المثقفين من سخر ممن يقول بانتصار المقاومة اللبنانية على إسرائيل
، وتكرر ‏الموقف من انتصار المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في حربها على غزة، ومن المؤسف حقاً ‏أن يقف العرب والمسلمون من المقاومة هذا الموقف السلبي، ونبذ المقاومين في لبنان وغزة، ‏وتحريم تسليحهم، وعدم استثمار هذيْن الانتصاريْن لصالح القضية الفلسطينية، ممَّا جرَّأ نتنياهو ‏أن يقف هذا الموقف المتصلب، ويضع شروطه، وكأنَّه هو المنتصر لاعترافه بدولة فلسطينية ‏منزوعة السلاح -إلى جانب دولة يهودية نووية- دولة «اللاءات»، «لا» سلاح، «لا» سلطة لها ‏على أجوائها ومياهها، وبرها، و «لا» حدود لها، «ولا» إزالة للجدار العازل، و «لا» تفكيك ‏للمستوطنات اليهودية، بل و «لا» تجميد لهذه المستوطنات، فستظل المستوطنات قائمة وقابلة ‏للنمو والامتداد والتوسع، و «لا» يحق لهذه الدولة الفلسطينية عقد اتفاقيات عسكرية، و «لا» حق ‏للاجئين للعودة، وعليهم أن يبقوا في الدول اللاجئين إليها، والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ‏وعلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين أن يعترفوا بيهودية الدولة الإسرائيلية وصهيونيتها، ‏و «لا» وجود للفلسطينيين في إسرائيل، فيُطرد فلسطينيو 48 من أرضهم وبيوتهم، وعلى الدول ‏العربية أن تسارع إلى التطبيع الاقتصادي، وهو بهذا ضرب بالمبادرة العربية للسلام عرض ‏الحائط، التي لم يُشر إليها في خطابه؛ إذ تجاهلها وكأنّها لم تكن، كما تجاهل خارطة الطريق، ‏وتجاهل القرار الدولي رقم (242) الذي يقضي بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من ‏حزيران / يونيه سنة 1967م.‏
وكما استشففنا من الخطاب الشهير للرئيس أوباما للعالم الإسلامي، فهو يدعونا إلى التطبيع مع ‏إسرائيل قبل مفاوضات السلام، ونزع سلاح المقاومة تمهيداً لإقامة دولة فلسطينية منزوعة ‏السلاح، وعدم مطالبته إسرائيل برفع الحصار عن غزة، وإزالة الجدار العازل، وتأكيده أنَّ ‏القدس ملتقى الأديان الثلاثة، ثمَّ تصريحه بعد مغادرته القاهرة أنَّه أجَّل نقل سفارة بلاده إلى ‏القدس ستة أشهر اعترافاً منه من أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل، وتصريح مبعوثه متشيل ‏عن توفير الأمن لدولة إسرائيل اليهودية؛ لذا لم يكن مفاجئاً للكثير منا ترحيب الرئيس أوباما ‏بخطاب نتنياهو واعتباره خطوة للأمام، فالرجلان متفقان على كل شيء، ولكن نحن العرب ما ‏أسهل خداعنا، حتى نجد بعض المسؤولين الفلسطينيين صرَّح أعقاب خطاب نتنياهو أنَّ الرئيس ‏أوباما والمجتمع الدولي لن يرضيا بما جاء به نتنياهو، والذي حدث عكس توقعاته، فأوباما ‏والاتحاد الأوروبي والرئيس الفرنسي رحبوا بما جاء به نتنياهو، واعتبره أوباما خطوة مهمة ‏إلى الأمام، أمّا الاتحاد الأوربي فاعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح، بينما رحب الرئيس ‏الفرنسي بأفق الدولة الفلسطينية الذي وضعه نتنياهو، أي أنَّهم يريدون فرض علينا شروط ‏نتنياهو ونتنازل عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه، ونتنازل عن القدس، وأن نقر بأنَّ ‏فلسطين لليهود، وأنَّ إسرائيل ستتعطف على الفلسطينيين بالموافقة بالإقامة في أرضها بلا ‏سيادة ولا سلطة، عليهم أن يعيشوا بخضوع وخنوع للدولة اليهودية، ولا يخرجون من هذه ‏الدولة المسخ، ولا يعودون إليها إلاّ بإذن من إسرائيل ولا يشربون الماء، ولا يزرعون ‏الأرض إلاّ بإذن منها، بل يريدون منا أن نسلمّ اقتصادنا لإسرائيل ولليهود ليتحكموا به تمهيداً ‏لاحتلالنا، وذلك من خلال التطبيع الاقتصادي الذي استهل نتنياهو خطابه به، والذي يمثل ‏مشروع بيريز للشرق الأوسط الجديد الذي تضمنه كتابه الذي صدر قبل سنوات بعنوان ‏‏»الشرق الأوسط الجديد»، وقد تُرجم إلى عدة لغات منها العربية، وفيه تحدث شمعون بيريز عن ‏الرؤية‎ ‎الصهيونية للشرق الأوسط الجديد، وبشكل يوحي أنَّ المشروع يحمل الخير والسلام‏‎ ‎والازدهار للمنطقة وينقذ المنطقة كلها من الحروب والدمار ويضعها على طريق التقدم!!‏
في هذا الكتاب يقسم بيريز‎ ‎المنطقة جغرافياً على النحو التالي: الأردن – إيران – ليبيا – ‏أفغانستان – مصر – إسرائيل -‏‎ ‎العراق، ويتحدث بلغة الأرقام عن عدد السكان في كل منطقة ‏وعن الثروات المعدنية‎ ‎والزراعية والمائية فيها وإمكانية استغلال كل منطقة بشكل علمي على ‏أن تستفيد منه‎ ‎المناطق الأخرى ولكن بشرط أن يحدث ذلك تحت إشراف إسرائيل باعتبارها ‏الأكثر تقدماً‎ ‎من الناحية العلمية -وهذا ما أشار إليه نتنياهو في خطابه-، أي أن تكون ‏لإسرائيل الحصة الأكبر من كعكة الشرق الأوسط‎ ‎الجديد الذي حسب مفهوم بيريز لا يقتصر ‏على دول الشرق الأوسط المعروفة الآن‎ ‎جغرافياً، بل يضيف إليها إيران وأفغانستان وليبيا مع ‏التأكيد بأن يشمل الشرق‎ ‎الأوسط الجديد هذه الدول الثلاث أيضاً، ولذلك عندما يتحدث عن ‏خطوط المواصلات يرسم‎ ‎خط مواصلات رئيسياً يبدأ من العاصمة الليبية ثم يمر بمصر ‏فإسرائيل فالأردن فإيران‎ ‎فأفغانستان، وعلى أن تتولى إسرائيل إنشاء هذا الخط وغيره من ‏خطوط المواصلات التي‎ ‎يقترحها لربط دول الشرق الأوسط الجديد ببعضها… الخ!!‏
  إنَّ مشروع الشرق‎ ‎الأوسط الجديد كما رسمه وقدمه بيريز وتم تسويقه للغرب وسط ضجة ‏إعلامية‎ ‎كبيرة على أنَّه رغبة إسرائيلية في السلام كشف بشكل مباشر الخطط الإسرائيلية‎ ‎المستقبلية للهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية تحت مسمى مشروع سلام، ويرى بيريز ‏أن‎ ‎ضم ليبيا للشرق الأوسط الجديد وما سيتحقق فيها من ازدهار سيكون سبباً في انضمام دول‎ ‎المغرب العربي الأخرى، أي تونس والجزائر والمغرب، وبالتالي ستنتهي حالة العداء‎ ‎بين دول ‏المغرب العربي وإسرائيل، كما أن انضمام إيران سيجذب انضمام دول إسلامية‎ ‎أخرى ‏كباكستان وغيرها من الدول الإسلامية التي ستكون على علاقة اقتصادية حتمية مع‎ ‎إسرائيل، ‏ويؤكد بيريز‎ ‎أن تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سيحمل الخير والسلام للمنطقة ‏يحتاج إلى‎ ‎إزالة ما يعيقه، ويحدد هذه المعوقات في: الحركات‎ ‎الدينية المتطرفة في أفغانستان ‏‏- إيديولوجية التثوير الإسلامية في إيران – القوى‏‎ ‎المناهضة في فلسطين ولبنان (حماس – ‏حزب الله …) – قوى الممانعة (سورية)‏، ويحدد بيريز‎ ‎لكل منطقة نشاطاً اقتصادياً واحداً ‏يجب أن تمارسه يكمل النشاطات في المناطق الأخرى، وكل ‏هذه الأنشطة ترتبط بالمركز الرئيسي في إسرائيل باعتبار أن إسرائيل ستتجه نحو‎ ‎صناعة ‏وتطوير الحواسيب والتقنيات الصناعية وتوردها للدول الأخرى.‏
هذا ملخص مشروع بيريز، وإسرائيل تهدف من ذلك إخضاع المنطقة العربية والإسلامية برمتها للإرادة‎ ‎الصهيونية ولذلك لم يأت مشروع بيريز إلاَّ تجسيداً للشعار الصهيوني المعروف: ‏‎ ‎حدودك يا‎ ‎إسرائيل من الفرات إلى النيل‏، ومن الأرز إلى النخيل، تمهيداً لحكم العالم كله.
علينا نحن العرب ألاّ نتوسل ونتسوَّل السلام من إسرائيل التي تريد ابتلاعنا والسيطرة ‏على أراضينا، وعلينا ألاَّ ننتظر من أوباما أو غيره أن يحل قضايانا.‏
   علينا أن نتحد في مواقفنا وقراراتنا، وأن ندعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، و نعمل ‏على توحيد البيت الفلسطيني، ونقول «لا» لمطالب وشروط نتنياهو، وأن نسحب مبادرة السلام ‏العربية من طاولة المفاوضات.‏
Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply