المُعرِّفان يحولان دون قبول شهادة المرأة في محاكمنا (2)
الخميس, 21 مايو 2009
د. سهيلة زين العابدين حمَّاد
يُصر قضاتنا على وجوب تغطية المرأة لوجهها في مجلس القضاء، مما يتطلب الأمر بضرورة التعريف بها من قبل رجلين من أقرب الناس إليها دون أن يتأكد القاضي أنها المرأة ذاتها، حتى لو كانت تحمل بطاقة أحوال شخصية، فصورة المرأة تُحجب




، وتُحجب معها حقوق كثيرة لها نتيجة هذا الإجراء مع أن تغطية الوجه ليست واجبة على المرأة بأدلة من القرآن والسنة، منها آية المباهلة التي أشرت إليها في الحلقة السابقة ومنها قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن). ويقول ابن حزم في تفسير هذه الآية لو كان تغطية وجه المرأة واجباً لقال (وليضربن بخمرهن على وجوههن بدلاً من على جيوبهن)، كما نجد أن ابن عباس رضي الله عنه فسر قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) أي: الوجه والكفان يؤيده قول عائشة وأنس وابن عمر رضي الله عنهم، ونفس هذا التفسير فسره بعض التابعين: عكرة وسعيد بن جبير وعطاء وقتاده وهذه الأقوال أوردها السيوطي في “الدر المنثور في التفسير بالمأثور” وهناك من أهمل ما لأورده السيوطي بهذا الشأن وذكر قوله في تفسير هذه الآية بوجوب ستر الوجه والرأس، كما هناك من يتجاهل ما رجحه المفسرون: الطبري والرازي والقرطبي والبيضاوي وغيرهم قول ابن عباس رضي الله عنه، وقال القرطبي (أجمع المسلمون على أن السوءتين عورة من الرجل والمرأة وأن المرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها على خلاف في ذلك) كما نقل الشوكاني في “فتح القدير”، وأحب أن أذكر هؤلاء بأن الإمام السيوطي قد أخذ العلم عن آسية بنت جار الله الطبري، وهي محدثة ولدت بمكة سنة 796هـ. قال أحمد: جميع بدنها إلا وجهها فقط، وابن قدامة الحنبلي في كتابه “المغني” يقول: لأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء). ويقول أيضا ابن قدامة في المغنى عن حكم تغطية وجه المرأة المحرمة: (ويجتمع في حق المحرمة وجوب تغطية الرأس، وتحريم تغطية الوجه) (المغني: 5/155)، ويوضح علة ذلك بقوله: (وجملة ذلك بأن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، ولا نعلم في ذلك اختلافاً إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها، وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافاً). ويعلل ابن قدامة كشف وجه المرأة المحرمة بأن الوجه ليس بعورة، فيقول: (ولأن للمرأة حاجة إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره على الاطلاق كالعورة). ويذهب الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى ما ذهب إليه ابن قدامة فيقول: (والمرأة إحرامها في وجهها، فيحرم تغطيته، ولا نعلم فيه اختلافاً إلا ما روي عن أسماء أنها تغطيه، فيحمل على السدل فلا يكون فيه اختلاف). – ما ذكره النووي في المجموع: عورة المرأة الحرة جميع بدنها على الوجه والكفين وبه قال مع الشافعي مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وأبو ثور ورواية عن أحمد وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: قدماها أيضاً ليستا بعورة. أما تفسير بعض مشايخنا لقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) بغطاء الوجه، وتعريفهم للخمار بأنه هو: ما تخمر به المرأة رأسها وتغطي به الغدقة، لا يتفق مع ما جاء في تعريفه في معاجم اللغة، إذ جاء هذا التعريف: الخمار:ك ل ما ستر، ومنه خمار المرأة، وهو ثوب تغطي به خمار رأسها، ومنه العمامة، لأن الرجل يغطي بها رأسه ويديرها تحت الحنك، وفي الحديث: “انه كان يمسح على الخف والخمار”: العمامة (جمع) أخمرة، وخمر، وخمرة. (المعجم الوسيط، 1/255) مجمع اللغة العربية، القاهرة.). ولو كان معناه غطاء الوجه لما اطلق عليه خمار، وقد درست في المناهج الدينية في مدارسنا أن الخمار: هو غطاء الرأس، وأصبح الآن يدرس بأنه غطاء الوجه!! وهكذا نجد أن الأئمة الأربعة بمن فيهم الإمام أحمد بن حنبل الذي نسير على مذهبه قالوا بجواز كشف المرأة وجهها. ثم لو كانت تغطية الوجه واجبة على المرأة، لما أمر الله المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم كما جاء في الآية 31 من سورة النور قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم..). وإن كانت تغطية الوجه واجبة على المرأة، فهذا يتعارض مع جاء في كثير من الأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري ومسلم عن سبيعة الأسلمية.. لما تعلَّت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبوالسنابل بن بعكك.. فقال لها مالي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح، فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة، فلما قال ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت واتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم…) فكيف عرف أنها متجملة للخطاب لو لم تكن كاشفة لوجهها؟ عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فاعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا» وأشار بيده الشريفة إلى الوجه والكفين). في صحيح البخاري في كتاب النكاح باب “قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتها بالنفس” أي بنفسها، وقال ابن حجر في فتح الباري: “في الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه…”. وحديث البخاري عن الفضل بن العباس والمرأة الخثعمية وتكرارهما النظر إلى بعضهما والرسول صلى الله عليه وسلم يقلب وجه الفضل عن وجهها، ومع ذلك لم يأمر المرأة بستر وجهها، وكان هذا بعد تحللها من إحرامها كما أثبت ذلك الألباني. وبعد كل هذه الأدلة من القرآن والسنة أناشد معالي وزير العدل اعتماد شهادات النساء في البيع والشراء والرهن والوقف والهبة والوكالة، واعتماد بطاقات أحوالهن في المحاكم، والاستغناء عن المعرفين بهن حفاظاً على حقوقهن من الضياع والاستغلال، وتيسيراً لقضاياهن.

Leave a Reply