1-تصحيح الخطاب الإسلامي للمرأة

تحديد سن 18 سنة كحد أدنى للزواج طبقاً للشرع وأنظمة الدولة (1-2)

   تحديد سن 18 سنة كحد أدنى للزواج طبقاً للشرع وأنظمة الدولة (1-2)
د. سهيلة زين العابدين حماد
إنَّ مطالبتي بتحديد سن 18 سنة كحد أدنى للزواج مبعثه أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من السيدة عائشة ،وهي بين 18، 19 سنة ،ولأنّه سن الرشد عندنا في المملكة الذي حدد بموجب قرار مجلس الشورى
رقم ( 114) وتاريخ 5/11/1374هـ ،18 سنة ،,ذلك قبل اتفاقية حقوق الطفل التي عرضت للتوقيع عليها في نوفمبر عام 1989م ،ونصَّت المادة الأولى منها على « لأغراض هذه الاتفاقية، يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.» إذاً المادة تربط ذلك بسن الرشد بموجب القانون المنطبق عليه ، فالمملكة لم ترتكب خطأ بموافقتها على هذه المادة كما يقول البعض ،لأنَّ النظام لديها يعتبر سن 18 سنة سن الرشد،وكذلك حددته ب (18) سنة كل من الفقرة (ج) من المادة الأولى من اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية ،والمادة (41) من نظام الإقامة التي اعتبرت القاصر هو من لم يبلغ سن الثامنة عشرة. وإن كان هذا يتفق مع تعريف الطفل في اتفاقية حقوق الطفل ،فلا يعني ان لا نأخذ به حتى لا يقال إنَّنا نوافق الغرب ،فالمملكة لم تتحفظ على هذه المادة من الاتفاقية لأنَّها لا تخالف ديننا ولا أنظمتنا ،ومادمنا قد وقعنا عليها فأصبحنا ملزمين بها في سائر أنظمتنا وقوانينا المتعلقة بها ؛إذ لابد أن تنسجم معها ،فنحن ملزمون دولياً بها ،والمملكة دولة لها قدرها ومكانتها ،وهيبتها،وهي عضو في الأمم المتحدة ،فليس من المعقول أنَّها توقع على اتفاقيات ،ويأتي البعض منا بناءً على مفاهيم خاطئة لديه يطالبها بعدم الالتزام بما وقعَّت عليه ، وهنا أتساءل لماذا يُنسب كل فكر أو اجتهاد يخالف آراء بعض العلماء المبنية على مفاهيم أو اجتهادات خاطئة،أو روايات ضعيفة إلى الغرب ،وكأنَّ القراءات والاجتهادات الخاطئة لبعض المفسرين والفقهاء ، لابد من بقائها كما هي ،وكل من ينبه إلى خطئها يعد علمانياً ليبرالياً ،أو مستغرباً؟
ولستُ الوحيدة التي قالت بتحديد سن 18 سنة كحد أدنى للزواج ، فالدكتور سعود النفيس العميد السابق في كلية الشريعة بجامعه أم القرى، طالب بضرورة سن قوانين تحدد عمر 18 سنة كحد أدنى لزواج الفتيات، مشيراً إلى أنّ اتخاذ مثل هذه الخطوة جائز شرعاً.وأوضح أنّ «زواج الفتاة في عمر 18 سنة يتوافق مع المذهب الحنفي المعمول به في أغلب القوانين الوضعية».وفيما يتعلق باعتبار البعض البلوغ مقياساً للزواج قال : «إنّ مجرد حصول البلوغ غير كافٍ لتزويج الفتاة»، مشدداً على وجوب أن يكون الزواج مرهوناً بالوصول إلى سن الرشد.وأوضح أنّ «قضية الرشد تقتضي معرفة الفتاة للضار والنافع؛ وهو ما يتعذر في زماننا هذا إلا بعد عمر 15 عاماً على الأقل نظرة لكثرة الفتن والشبهات»،واستطرد قائلا: إنَّ «الزيجات التي حدثت بين كبار السن وفتيات صغيرات ليست من الدين ولا العقل من شيء»،وهنا أسأل هل الإمام أبو حنيفة متأثر بالغرب والاتفاقيات الدولية؟
  كما نجد فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان حدد سن أدنى للزواج بـ (18) سنة وشدد على أنَّ زواج القاصرات بالإكراه «فاسد وباطل، لأنه يخل بأحد شروط الزواج الشرعي وهو القبول» .
هناك ما يثبت أنّ عليه الصلاة والسلام تزوج عائشة رضي الله عنها ،وهي بين 18-19 سنة،من ذلك:
1.خطأ الحكم الفقهي الذي بُني على مرويات زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة وهي ابنة تسع سنوات ،فبموجبه قرر الفقهاء أنَّ «للأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ ـ بغير إذنها ،ولا خيار لها إذا بلغت « ، أمَّا الثيب فتنكح من شاءت ،وإن كره الأب ،وأمَّا البكر فلا يجوز لها نكاح إلاّ باجتماع إذنها وإذن أبيها [ ابن حزم : المحلى بالآثار ،9/38] ، وهنا نجد في هذا الحكم تناقضاً ،فكيف تجبر الصغيرة على الزواج ،ولا خيار لها إذا بلغت ،والبالغة لا يصح زواجها إلاّ بإذنها ،وأمَّا الثيب فلها أن تتزوج بمن تريد ولو كره الأب ؟فالحكم الفقهي هنا فيه خلل وتناقض ،وديننا لا تجتمع فيه تناقضات ،فلقد بنى هؤلاء رأيهم على تزويج سيدنا أبي بكر السيدة عائشة رضي الله عنهما وهي صغيرة بدون إذنها ،وهذا دليل على ضعف الأحاديث التي تحدد سن السيدة عائشة عند زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم بتسع سنوات ،وفيه مخالفة لقوله تعالى : { وابْتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رُشداً فادْفعُوا إليهم أموالهم } ،ومخالفاً لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزوج الأيم حتى تستأمر والبكر حتى تُستأذن)
2.روايتها لدخول أبي بكر رضي الله عنه في جوار ابن الدغنة ورد جواره عليه، كما روت حديث هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ،وجاء في روايتها : ( فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وليس عند أبي بكر إلاّ أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر …) [ انظر سيرة ابن هشام ] ،وكان هذا قبل الهجرة ،فإن كان سنها تسع سنوات في (2هـ ) ،فهذا يعني أنّها روت الرواية الأولى ،وهي ابنة ست سنوات،وحديث الهجرة ،وهي ابنة سبع سنوات ،فهل تقبل رواية من في هذه السن؟
ممَّا يؤكد الروايات التي تقول إنَّ السيدة أسماء بنت أبي بكر كان عمرها عند الهجرة( 27) عاماً ،وأنّ السيدة عائشة رضي الله عنها أصغر منها بعشر سنوات ،أي كان عمرها عند الهجرة (17 )سنة.
3.والذي يؤكد ذلك أنَّه عندما خطبها الرسول عليه الصلاة والسلام ،كان أبو بكر رضي الله عنه قد وعد بها لجبير بن مطعم بن عدي،فذهب يسأل مطعم وزوجه ما ينويانه بِشأن ذلك ، فقالت له أم جُبير : « لعلنا إن أنكحنا هذا الصبي إليك تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه « ،وهذا يعني أنّ خطبتها لجبير كانت قبل البعثة،ولو فرضنا أنَّها خطبت لجبير عند ولادتها ،فسيكون عمرها عند الهجرة أكثر من 13سنة، وليس 7 سنوات كما في رواية البخاري ؛إذ لا يمكن أن يوافق أبو بكر على تزويج ابنته من مشرك ،وكتاب السيرة قالوا إنَّها خطبت لجبير عندما ظهرت عليها علامات الأنوثة،فمعنى هذا أنَّها خُطبت لجبير وهي فوق الأربع سنوات،أي قبل البعثة بسنوات.
للحديث صلة.
………………………………………………………………..
نُشر في جريدة المدينة في الثلاثاء, 2 مارس 2010.
http://www.al-madina.com/node/228619

Leave a Reply