الخميس, 7 مايو 2009
د. سهيلة زين العابدين حمَّاد
قبل عدة سنوات أصدر معالي وزير التجارة والصناعة السابق الدكتور هاشم يماني قراراً بإلغاء الوكيل
، وإعطاء حق المرأة إدارة أعمالها بنفسها، ولكن إلى الآن لم يتم تفعيل هذا القرار، ونجد الوزارة استبدلت الوكيل بالمدير، فهي مصرة على أنَّ المرأة لا تدير أعمالها بنفسها إن كانت تتعامل مع رجال، وهذا يُعرِّضها إلى كثير من الخسائر، وأيضاً إلى الابتزاز، ممَّا أدى بإحداهن إلى إغلاق شركتها، والغريب أنَّ إصرار وزارة التجارة والصناعة على هذا الشرط يأتي بعد أن أصبحت المرأة السعودية نائبة وزير، ومديرة جامعة، ومديرة مستشفى، ورئيسة أقسام في بعض المستشفيات، ورئيسة فرق أبحاث طبية في كبريات مستشفياتنا، وعضوة في مجلس إدارة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وفي مجلس إدارة البنك السعودي الهولندي، وفي الغرف التجارية، وكل هذه الأعمال تتطلب منها التعامل مع الرجل، كرئيسة عليه، فما الذي يضير إن أدارت المرأة أعمالها وشركاتها ومصانعها؟. لا توجد نصوص من القرآن والسنة تحرم على المرأة ممارسة أعمالها التجارية وإدارتها، فالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهما مرجعيتنا، قد حسما أي خلاف، أو اختلاف، فالله جل شأنه يقول في الآية 61 من سورة آل عمران: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مِا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ َفَقُلْ تَعالَوْا نَدُعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ على الكَاذِبين). وقد أجمعت كتب التفسير والحديث على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم خرج لملاقاة نصارى نجران ومعه الحسن والحسين وابنته فاطمة رضي الله عنهم أجمعين، ولم يصحب معه أحداً من نسائه لفرض الحجاب عليهن، وكان هذا في السنة العاشرة للهجرة أي بعد فرض الحجاب بخمس سنوات. هذا نص صريح لمشروعية حضور النساء مع الرجال في المؤتمرات والمنتديات العلمية للمناقشة والاحتكام، فهذه قضية حساسة، وهي محاجة النصارى في طبيعة المسيح عليه السلام، وذلك عندما جاء وفد من نصارى نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان حواره معهم حول اعتقادهم بألوهية المسيح، وبنوته لله عزَّ وجل، فـنزل قوله تعالى: (إنَّ مثَلَ عِيسى كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون. الحقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّنَ المُمْتَرٍين. فَمن حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ …) إلى آخر الآية. كما أعطى الإسلام المرأة حق الولاية يوضح هذا قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وكانت السيدة أسماء بنت نُهيْك الأسدية رضي الله عنها تراقب الأسواق في مكة المكرمة، كما ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء العدوية على الحسبة، وجعلها مستشارة له، كما ولى رضي الله عنه ابنته حفصة ناظرة على وقف له. أمّا الأدلة من السنة ممَّا جاء في الصحيحين فكثيرة منها: 1- مشاركة النساء الرجال في الاحتفالات بالانتصارات والفتوحات، والمجالس العامة التي يحضرها المسلمون تحمَّلت وأدَّت رسالة الإبلاغ، وشاركت مشاركة فعَّالة في العديد من المواقف، فقد كانت النساء تخرجن حتى الصبايا منهن للمشاركة في الاحتفالات، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه في صحيح مسلم يوم فتح مكة: (عندما كثر الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون هذا محمد، هذا محمد.. حتى خرج العواتق من البيوت..).
2- في منازل الصحابة كانت نساؤهم يخدمن الرجال في الولائم والأعراس: فقد جاء في صحيحي البخاري ومسلم: (لمَّا عرَّس أبو أسيد السَّاعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قرب إليهم إلاّ امرأته أم أسيد… فقد كانت خادمتهم يومئذ، وهي العروس. بلَّت تمرات في تَوْر «إناء» من حجارة من الليل، فلمَّا فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطعام أماثته «أذابته» له فسقته، تُتحفه « تخصه» بذلك)، فالعروس تولم للمدعوين إلى عرسها، وتقوم على خدمتهم، وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جاء الحديث في صحيح البخاري في كتاب النكاح باب «قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتها بالنفس» أي بنفسها. 3- لم يُحرِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاء الرجال بالنساء، ولا دخول الرجال بيوت الغائبين «المسافرين»، وإنَّما أكَّد على تحريم الخلوة بالمرأة من غير المحرم التي غاب زوجها عن بيتها، وظلَّت الإباحة للقاء.. فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلاَّ ومعه رجل أو رجلان)، فأكد على تحريم الخلوة، وأبقى أصل الإباحة للقاء، فوضع الضابط دون أن يمنع. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلونَّ رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم) يشير إلى جواز لقاء المرأة بالرجل الأجنبي عنها في حضور محرم لها، أو عدد من الرجال. 4- ومحاجة المرأة القرشية لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، عندما اراد تحديد المهور، فيمنع زيادة المهر عن أربعمائة درهم، فعارضته هذه المرأة القرشية في المسجد، وعلى رؤوس الأشهاد؛ إذ قالت له: «أما سمعت الله يقول: (وإن آتيْتُم إحداهُنَّ قِنطاراً)، فما كان من عمر رضي الله عنه إلاًّ أن قال: «أخطأ عمر وأصابت امرأة». 5- اشتراكها في تأسيس الدولة الإسلامية من خلال بيعات العقبة وعند الهجرة، وفي بيعة الرضوان، وكذلك في الهجرتين إلى الحبشة، والهجرة إلى المدينة المنورة، وائتمانها على سر الهجرة، ومشاركتها في القتال، وفي تضميد الجرحى ومداواتهم. 6- اشتراكها في بناء حضارة ونهضة الدولة الإسلامية في مختلف عصورها، فقد كانت تعلم الرجال، وتسمع من العلماء ويسمعون منها، ويجيزونها وتجيزهم، والتاريخ تحدث عن مئات الراويات للحديث منهن أمهات المؤمنين، وكثير من الصحابيات الجليلات، كما تحدث عن المفتيات، ومئات العالمات والفقيهات، واللائي علمن علماء وأجزنهم مثل الشافعي وابن تيمية، والسيوطي والسخاوي وابن حجر العسقلاني، وغيرهم. 7- اشتراكها في العهد النبوي في مهن فيها اختلاط كالرعي والزراعة والتجارة، ومختلف الصناعات، ولم نقرأ في كتب السيرة أنَّه كانت مراعٍ ومزارع وأسواق خاصة بالنساء، ولا بوجود وكلاء ومدراء يديرون أعمالهن! هل هذه الأدلة والشواهد تُحرِّم على المرأة إدارة أعمالها بنفسها يا وزارة التجارة والصناعة؟
…………………………………………
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة المنورة.