الخميس, 7 أغسطس 2008
انشغلت وسائل الإعلام على اختلافها سواءً كانت مقروءة ،أم مسموعة ،أم مرئية، وأنشغل معها علماء اجتماع ونفس وتربويون وناشطون حقوقيون بمشكلة اجتماعية خطيرة ظهرت في مجتمعنا في الآونة الأخيرة ،وهي هروب الفتيات ،وانتحارهن ،ومتحدثتكم من ضمن من انشغلوا بهذه المشكلة ،ولكن للأسف الشديد لم يلتفت أحدنا إلى مشكلة مماثلة لها لا تقل خطورة عنها ،وهي “هروب الفتيان” مع أنَّ إحصائيات وزارة الداخلية تقول إنَّ نسبة هروب الذكور ضعف نسبة هروب الفتيات.
ومن خلال دراستي لإحصائيات الهروب ،والانتحار ،ومحاولة الانتحار لدى الذكور والإناث التي حواها الكتاب الإحصائي لوزارة الداخلية لعامي 1423،1424هـ / 2002،2003م ،وجدتُ أن نسبة الهروب لدى الذكور حوالى ضعف نسبة هروب الفتيات، فبينما كان عدد الهاربات عام 1423هـ / 2002م( 958) فتاة ،أي بنسبة (36،44%) كان عدد الذكور الهاربين في نفس العام( 1671) ،أي بنسبة (63،56%) من مجموع الهاربين من الذكور والإناث للعام المذكور والبالغ عددهم (2629)،وإن كان عدد الهاربات من الإناث عام 1424هـ /2003م (981) أي بزيادة (23) حالة عن العام الذي قبله ،وبنسبة (34،48%) من مجموع الهاربين والهاربات للعام نفسه ،والبالغ عددهم (2845) ،فقد بلغ عدد الذكور الهاربين في العام ذاته (1864 ) بزيادة عن العام الذي قبله (191)،وبنسبة (65،52%) من مجموع الهاربين والهاربات للعام نفسه ،والبالغ عددهم (2845).
أمَّا حالات الانتحار لدى الذكور فقد بلغت أربعة أضعاف حالات الانتحار لدى الإناث في العامين المذكورين ،فقد بلغ عدد المنتحرات عام 1423هـ / 2002م (51) حالة ،أي بنسبة (20%) من مجموع المنتحرين والمنتحرات للعام نفسه ،والبالغ عددهم ( 256) في حين بلغ عدد الذكور المنتحرين في العام نفسه (205) أي بنسبة (80%) ،وبلغ عددالمنتحرات عام 1424هـ /2003م (43) حالة،بأقل (8) حالات من العام الذي قبله ،وبنسبة (19،72%) من مجموع عدد المنتحرين من الذكور والإناث لعام 1424هـ / 2003م ،والبالغ عددهم (218) ،بينما بلغ عدد الذكور المنتحرين للعام نفسه (175) ،أقل من العام الذي قبله بـ(30) حالة ،وبنسبة (80،28%) من مجموع المنتحرين من الذكور والإناث لعام 1424هـ / 2003م ،ومحاولة الانتحار لدى الذكور أكثر من الإناث ؛إذ بلغت لدى الذكور عام 1423هـ /2002م (153) أي بنبسة (56،25%) من مجموع عدد محاولات الانتحار لدى الذكور والإناث للعام نفسه ،والبالغ عددها (272) حالة ،بينما بلغ عدد محاولات الانتحار لدى الإناث في العام نفسه (119) حالة ،أي بنسبة (43،75%) ،وبلغ عدد محاولات الانتحار لدى الذكور في العام الذي يليه (177) حالة بزيادة عن العام الذي قبله(24) محاولة ،بينما بلغت محاولات الانتحار لدى الإناث في العام نفسه (130) حالة ،بزيادة (119) حالة عن العام الذي قبله ،وبنسبة (42،35%).
وعند قراءتنا لهذه الإحصائيات نجد الآتي:
أنّ نسبة هروب الذكور ضعف نسبة هروب الإناث.
أنّ نسبة انتحار الذكور أربعة أضعاف نسبة انتحار الإناث
تقارب محاولات الانتحار لدى الذكور من حالات الانتحار الفعلية ،بينما تباعد حالات الانتحار لدى الفتيات من محاولات الانتحار.
وهذا يعطينا مؤشراً أنَّ الفتيات أكثر تحملاً وصبراً من الذكور ،فهن يتعرضن إلى عنف وضغوط نفسية أكثر ،ومع هذا نجدهن أكثر روية في اتخاذ قرارات الهروب ،أو الانتحار، والفتاة تنذر الأهل بمحاولتها للانتحار علهم يفيقون ،ويغيِّرون من معاملتهم لها ،بينما الفتى يتخذ قرار الانتحار قراراً قطعياً لا رجعة فيه .
والخطير في الأمر أنَّ نسب الهروب والانتحار لدى الذكور والإناث آخذة في الزيادة ،فهذه إحصائيات مضى عليها خمس سنوات ،وقد تعرَّض المجتمع في الخمس السنوات الأخيرة إلى تغيرات كثيرة ترتب عليها أمور ضاعفت من حالات الهروب والانتحار، وقد تحدثتُ في المقالين السابقين عن أسباب هروب الفتيات وعلاجها ،وسأتحدث في هذه المقالة ،والتي تليها عن أسباب هروب الفتيان وعلاجها.
ولعلاج هذه المشكلة علينا أن نجيب عن هذه التساؤلات:
أين يهرب أولادنا ؟، ولماذا يهربون؟ وكيف نعيدهم إلى بيوتنا وأحضاننا؟؟؟
إنهم يذهبون إلى مصير مجهول محفوف بالمخاطر ينتهي بهم وبمجتمعهم إلى الهلاك ،فقد تتلقفهم مافيا المخدرات ،ويصبحون من مدمني المخدرات ومروجيها، وقد تكون هي وراء هروبهم، وقد يتلقفهم عملاء المخابرات الأمريكية والإسرائيلية المندسَّون بيننا ،والذين يكونون قد حرَّضوهم على الهرب ليبيعوهم لهم متخفين تحت مسميات جماعات دينية ليتم تنفيذ العمليات الإرهابية التي يسمونها جهاداً خداعاً لهم لإلصاق تهمة الإرهاب فينا،ولزعزعة الأمن في بلادنا ،وللقضاء على ثرواتنا ومنشآتنا، أو يكونون قد تورطوا في إدمان المخدرات ،فيهربون ويكونون عصابات سرقة ،وقد قرأت قبل أيام قليلة أنَّه تم إصدار أحكام متفاوتة على أربعة شبان سعوديين في العشرين من أعمارهم كوَّنوا عصابة سرقة ،وقاموا بسرقة بعض المنازل، وقد يكون مصيرهم الشارع ينامون فيه ليلاً ،ويتسولون فيه نهاراً.
وهكذا نجد مدى خطورة هروب الفتيان على مجتمعاتهم وأمن واستقرار وسيادة بلادهم ،فالخطر لا يقتصر على الفتى الهارب فقط ،وإنَّما يمتد إلى مجتمعه وبلده؛ لذا لابد من وضع مشكلة هروب الفتيان تحت المجهر ،ونبحث في أسبابها للوصول إلى علاجها ،وأسباب هروب الفتيان في رأيي كثيرة أهمها الآتي:
قسوة بعض الآباء على أبنائهم بدرجة كبيرة، وفقد لغة الحوار بينهم ،حتى بعضهم لا يبتسمون في وجوه ابنائهم ،ويعنفونهم ويؤنبونهم لأتفه الأسباب ،وقد لا يتورعون عن ضربهم بقسوة أمام إخوتهم ،أو زملائهم، أو أصدقائهم .
لفشل في الدراسة ،أو الفشل في الحصول على عمل.
سحب الجنسية السعودية ،فيعيش الشاب بلا دراسة ولا عمل ،ولا زواج ،فمثلاً قد هرب ثلاثة إخوة من أسرتهم لهذا السبب ،وبقي منهم أخ واحد يسعى للحصول على الجنسية له ولأمه ولأخواته اللاتي كبرن في السن ،ولم يتعلمن ويتزوجن لذات السبب.
الفقر والعوز فيبيع الشاب نفسه لمن يعرض عليه المال الذي تريده اسرته مقابل تهريبه خارج المملكة ليقوم بأعمال «جهادية» التي يخدعونهم بها مستغلين نزعته الدينية القوية ،وحبه للجهاد في سبيل الله.
التفكك الأسري ،وكثرة المشاحنات والمنازعات بين الأبوين ،أو الطلاق ،أو هجر الزوجة ،وتركها سنوات هي وأولادها بلا نفقة ،وفي الغالب تكون الزوجة فقيرة ،وغير موظفة ،وقد حوَّلت لي الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان مشكلة سيدة هجرها زوجها ،وتركها هي وأولادها بلا نفقة سنوات عديدة ،وأهلها فقراء ،وقد تضامنوا لمساعدتها على مصاريف الحياة تلك السنوات ،ولكنهم عجزوا عن دفع أجرة سكنها في السنة الأخيرة ،وصاحب البيت يهددها بطردها من البيت هي وأولادها ،والجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي رفضوا مساعدتها مالم تقدم لهم صك هجران ،والقاضي لكي يصدر مثل هذا الصك لابد من شاهد من أهلها وشاهد من أهل الزوج لإثبات الهجر ،ويرفض أحد من أهلها الشهادة بذلك تجنباً لأذى الزوج ،كما يستحيل على الزوجة أن تجد شاهداً من أهل الزوج يقبل أن يدلي بهذه الشهادة ،وقد اتصلتُ هاتفياً بالزوج ،وأخذت أذكره بمدى الاثم الذي يرتكبه لتضييع من يعول ،وذكرت له الحديث النبوي الشريف “كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول” ،وقلت له إن كنت لا تريد الإنفاق على زوجتك وأولادك فطلقها لتحصل على معونات الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية ،فكان رده عليَّ ، “لن أطلقها ،ولن أنفق عليها ولا على أولادها، ألستُ أنا الذي سأؤثم على ذلك كما تقولين ؟” ووضع سماعة الهاتف!!!
قرناء السوء ،وعدم محاولة الأب بصورة خاصة والأهل بصورة عامة معرفة أصدقاء أولادهم وأسرهم.
انشغال الأبوين عن أولادهم ،وعدم تفقدهم لغرفهم خاصة إن كانت في ملاحق ،فقد فوجئ بعض الآباء أنّ ابنه قد حوَّل غرفته التي في الملحق إلى ترسانة أسلحة تخص أصدقاءه المنخرطين في جماعات إرهابية.
فهم بعض الآباء للإسلام فهماً قاصراً متطرفاً منغلقاً ،دائرة المحرمات لديهم كبيرة ،كلمات “الكفر” ،و “الحرام” و “الشرك”، و “العلمانية” هي الغالبة في أحكامهم ،كما نجدهم يفتقرون إلى الحوار مع أولادهمِ، متبنين ثقافة المنع عليهم ،وسطوتهم التي لا تسمح لزوجِاتهم وأولادِهم بالنقاش والحوار، كما نجدهمُ يفرضُون على أبنائهم العزلة عن العالم فيحُِّرمون على بيوتهم دخول الصحف ،لأنَّ بها صورا ،والصور حرام ،ويُحرِّمون عليهم مشاهدة الفضائيات إلاَّ قناة المجد، وعندما يذهب هؤلاء الأولاد إلى المسجد قد يجدون إمام المسجد على شاكلة أبيهم أو أبويهم ،وقد يكون معلمهم في المدرسة يحمل فكراً متطرفاً مماثلاً، إضافة إلى ما تحويه بعض المواد الدينية من غلو وتشدد، فيُغذّون بالفكر المتطرف في البيت والمدرسة والمسجد ؛وإذ بهم يحملون ذات الفكر ،ويرددون ذات العبارات ،موزعين الكفر والإلحاد والعلمانية والليبرالية على من لا يكون على شاكلتهم من الأهل والأصدقاء والزملاء ،وأحد هؤلاء طعن شاباً لأنَّه اعتذر عن اداء الصلاة جماعة في المسجد ،فأمثال هؤلاء من الشباب يكونون فريسة سهلة لعملاء المخابرات الإسرائيلية والأمريكية وجماعات إرهابية أخرى يستغلون هذا الجانب في تحريضهم على الهرب ،وتجنيدهم لقتل أولئك الكفار، وتدمير ممتلكاتهم.
قيام التعليم عندنا على التلقين ،وفقدان الحوار بين التلميذ والمعلم ،يجعل من أولادنا سهلي الانقياد ،واتباع الآخرين بدون نقاش ،وهذا ما قاله أحد المستشرقين الذين شاركوا في مؤتمر الإرهاب الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الفترة من 1- 3/إلى 3/3/ 1425هـ الموافق 20 – 22 /4/2004م ؛ إذ قال الملاحظ على كثير من الطلبة السعوديين الذين يدرسون في الخارج أنَّهم يفتقدون القدرة على النقاش ،ويتقبلون بسهولة ما يُقال لهم!!!
وهذا أمر خطير ؛إذ يعني أنَّه من السهولة بمكان عمل غسيل مخ لأولادنا وبرمجتهم وفق ما يريد أعداؤنا!!!
الوقوع في مستنقع إدمان المخدرات.
سوء الظن بالشباب ،وإصدار عليهم أحكاماً مسبقة بالفسق والفجور ،ومنعهم من ارتياد الأسواق والشواطئ بمفردهم ،ممَّا يفقدهم الثقة بأنفسهم ،ويشعرهم بأن أمرهم لا يهم أحداً ،ويكون هذا من أحد أسباب انحراف بعض الشباب وهروبهم.هذه الأسباب ،فما العلاج؟
للحديث صلة
……………………………………..
المصدر : جريدة المدينة.