المعارك الأدبية
مقدمة
    ممَّا لا يختلف عليه اثنان أنَّ المعارك الأدبية لها دور كبير في إثراء الحركة الثقافية والأدبية والفكرية، وفي تحريك المياه الراكدة شريطة أن يلتزم أطراف الحوار بالنقاش العلمي الموضوعي بعيداً عن المهاترات الشخصية ،فهذا النوع من النقاش العلمي الموضوعي يثري الموضوع المطروح


، ويضيف إليه إضافات جد هامة  ،ويشبعه بحثاً ودراسة ،تماماً كما نرى الآن في المؤتمرات والندوات العلمية والثقافية ،فالمداخلات حول البحوث المطروحة ،تفتح للباحث محاور أساسية في بحثه لم يتطرق إليها ،أو تصحح له معلومة أو فكرة ،أو معنى ،أو مصطلح ،أو تضيف إليه نقاطاً جد هامة .
  وهذا في رأيي مطلوب في كل الأحوال ،والأحايين ،وفي كل وسائل الاتصال سواءً كان من خلال الصحف والمجلات ،أو في قاعات المؤتمرات ،أو في برامج الإذاعة والتلفاز . فتلاقح الأفكار مهم وضروري لتتم الاستفادة من علوم وتجارب وأفكار الآخرين. لذا فأنا أرى أنَّ المعارك الأدبية ظاهرة صحية في المجتمعات الثقافية والفكرية ،وهي تتطلب من الذي يخوض مثل هذه المعارك أن تكون لديه حصيلة علمية كبيرة حول الموضوع الذي سوف يخوض فيه ،وأن تكون لديه القدرة على التحري والتدقيق والصبر والمثابرة  في البحث والقراءة ،وأن تكون لديه أيضاً القدرة على ضبط النفس والالتزام بآداب الحوار ،بحيث لا يستفزه الطرف الآخر بأية عبارة أو كلمة خارجة أو جارحة ،حتى لو قام الطرف الآخر بتكفيره ،إن كان الخوض في قضية دينية أو عقدية .
   وللأسف الشديد فإنَّ هذه الصفات كما يبدو لا يتحلى بها الكثير من المثقفين اليوم ،ولذا نجد أنَّ ساحتنا الأدبية تكاد تخلو من المعارك الأدبية ،بينما نجدها كثرت في عصور الأدباء والمفكرين الرواد ،ولا سيما في مصر والشام في زمن عباس محمود العقاد ،والزَيات ،وحافظ إبراهيم ،وفضيلة الشيخ علي الطنطاوي ،وغيرهم كثر رحمهم الله ،وقد شهدت صفحات الرسالة والمقطم الكثير من هذه المعارك .
    أما في المملكة العربية السعودية ،فقد شهدت الساحة الأدبية والفكرية فيها بعض هذه المعارك الأدبية بين الرعيل الأول من أدبائنا ،ولكنها لم تكن بقوة وحرارة المعارك الأدبية في مصر والشام .
   إضافة إلى أنَّ الأديب السعودي اقتصرت معاركه الأدبية على محيطه الداخلي ،ولم يشارك في المعارك الأدبية في مصر والشام ،ولعل هذا يرجع إلى صعوبة التواصل آنذاك ،فالصحف لا تصل بالسرعة والانتظام الذيْن عليهما الآن .
   لكن الملاحظ على بعض أدبائنا ومفكرينا من الرواد  ،أنَّهم لا يتمتعون بطول النفس في الحوار والنقاش ،بل بعضهم يكتفي بقول آرائه، ولكن لا يرد على من يناقشه ،أو يعارضه في ما طرحه من آراء ،وقد يعتبر أنَّ الرد على معارضيه يكسبهم شهرة على حسابه ،فيلتزم الصمت ،أو أنَّه يرد بطريقة غير مباشرة متبعاً التلميح  ،أو يرد مرة ،فإن وجد محاوره طويل النفس ،وفتح نقاطاً جديدة في البحث ،ينسحب بهدوء من المعركة ،أقول قولي هذا بناءً على تجربتي ،فقد عارضتُ كثيراً من الآراء التي طرحها كبار الأدباء لدينا مثل الأساتذة محمد حسين زيدان ،وعزيز ضياء، والشاعر حسين سرحان ،والأستاذ صالح جمال ، والأستاذ محمد عبد الله مليباري ،والأستاذ أحمد جمال ،رحمهم الله جميعاً ،والدكتور منصور الحازمي ،والدكتور حسن فهد الهويمل ،والدكتور عبد الله الحامد ،والدكتور مرزوق تنباك ،فغالبيتهم التزم الصمت ومنهم من عقَّب على جزء ممَّا كتبته ،ووعد بمواصلة التعقيب ،ولم يوف بوعده ،والبعض الآخر اكتفى برد واحد ،ولم يواصل الحوار  .
 ولو بحثنا في أسباب ذلك نجد أنَنا للأسف الشديد لم نُربَّ على لغة الحوار والنقاش ،وأهميته ،فنجد أنَّ لغة الحوار مفتقدة في البيت والمدرسة والجامعة ،قليلة تلك الأسر التي نجد فيها الأب يحاور أولاده ،ويسمح لهم بطرح آرائهم بحرية ،وإبداء معارضتهم لبعض ما يرونه ،أمَّا في المدرسة فالمطلوب من الطلبة والطالبات أن يجيبوا بالكلمة والحرف وفق المقرر ،ومن صاغ إجابته بأسلوبه وليس بأسلوب الكتاب ،ولم يخرج عن المقرر ،يأخذ درجة  ضعيفة أو يرسب في الامتحان ،فقد كنتُ في إحدى لجان التصحيح والمراجعة في الشهادة الابتدائية للبنات في منطقة المدينة المنورة ،وعند مراجعتي لتصحيح بعض أوراق الإجابة ،وجدتُ المعلمة اعتبرت إجابة الطالبة خطأ مع أنَّها صحيحة لأنّها لم تصغ الإجابة بأسلوب الكتاب ،وصاغتها بأسلوبها ،فقلتُ للمعلمة على أي أساس اعتبرت إجابة الطالبة خطأ ،وهي إجابة صحيحة ؟قالت: لم تكتبها بالصيغة المكتوبة في الكتاب ،فقلتُ لها: هذا يدل على فهم  الطالبة للمادة فهماً صحيحاً ،مكَّنها من صياغة إجابتها بأسلوبها ،وهذه تستحق درجة أكبر من الدرجة التي حفظت المادة حفظاً صماً لأنَّها فهمت المادة ،ولأنَّ لديها القدرة على التعبير ،بينما التي تجيب وفق أسلوب الكتاب ربما حفظت المادة دونما فهم، وربما تفتقر القدرة عن التعبير ،وصياغة أفكارها .
     وفي دراستي الجامعية في سنة التخرج، كان أستاذ بعض المواد التي ندرسها  سعودي ،وأنا لا أستطيع أن أحفظ صماً ،وهو يريد من الطالب أن يجيب بالكلمة والحرف من محاضراته ،وأنا كعادتي أجبتُ وفق أسلوبي ،ونتيجة استيعابي للمادة بأكملها أجبتُ عن الأسئلة ملمة بأطراف الموضوع مجمعة الأفكار والنقاط المتعلقة بالموضوع  من أول المحاضرة ومنتصفها وآخرها، إضافة إلى قراءاتي الأخرى من مراجع أخرى ،وكانت إجاباتي جميعها صحيحة ،وأفاجأ أنَّه أعطاني تقدير  مقبول ،بينما أستاذ آخر مصري اتبعتُ معه ذات المنهج فأعطاني تقدير ممتاز ،ولكن هذا لا يعني أنَّ كل أساتذة الجامعات السعوديين على شاكلة ذاك الأستاذ.
الذي أريد قوله أنَّنا للأسف الشديد لم نُربِّ أولادنا على حرية إبداء الرأي ،وعلى النقاش والحوار ،مع أنَّ القرآن الكريم ملئ بالحوار بين الأنبياء والرسل وأقوامهم ،وكذلك في الأحاديث الشريفة ،فمنها ما هو قائم على الحوار والنقاش ،والأمثلة كثيرة لا حصر لها.  
 أمَّا الحداثيون فلم أقرأ لهم معارك أدبية بينهم وبين معارضيهم ،فهم لا يقوون على الرد لانعدام الحجة لديهم ،فقد واجهتُهم على صفحات الصحف ،وفي المنتديات والمؤتمرات ،ووجدتُهم غير قادرين على الرد، بل تجد منهم من ينكر ما قاله في ذات الجلسة.
   أيضاً نجد أنَّ البعض تنقصه الجرأة على قول الحق ،وعلى المواجهة ،فإن خضتَ معركة ليست بالسهلة ،وطالبت فيها بحقوق للمرأة منحها إياها الإسلام ،ولكنها تتعارض مع الأعراف والتقاليد ،والمجتمع للأسف الشديد يقر هذه الأعراف المتعارضة مع تعاليم الإسلام ،ويعتبرها من الإسلام ويكفرك البعض لمعارضتك لتلك الأعراف والتقاليد المتعارضة مع تعاليم الإسلام وفق نصوص قرآنية قطعية الدلالة ،تجد الكثير يؤيدونك ،وذلك بمكالمات هاتفية ،وبرسائل خطية ،ولكن لا يجرؤون على تأييدك على الملأ.
     كما نجد البعض الآخر لا يلتزم بآداب الحوار ،فيخرج عن طوره ،ويسب ويشتم محاوره ،ويلجأ إلى التجريح ،والآخر يرد عليه بأقظع الألفاظ ،فيتحول الحوار والنقاش إلى مهاترات شخصية ،يفقد فيها كلا الطرفين مكانتهما وهيبتهما واحترام القراء لهما. وأحياناً تنتهي المعارك الأدبية بإقامة دعاوى قضائية من طرف ضد الآخر.
   هناك ظاهرة أخرى استخلصتها من تجاربي في ميدان الكلمة ،وما خضته من معارك ،وذلك عندما تصديتُ لفكر كبار الأدباء بالنقد من المنظور الإسلامي ،فوضعتُ فكر الأستاذ توفيق الحكيم ،والأستاذ إحسان عبد القدوس ،والدكتور طه حسين ،والأستاذ نجيب محفوظ ،وأدونيس ،والدكتور يوسف إدريس ،وغيرهم كثير تحت مجهر التصور الإسلامي ،وجدتُ أنَّ أنصار الأستاذ توفيق الحكيم لم يستطيعوا الرد عليَّ ،وحاولوا بكل الطرق إيقاف نشر مقالاتي عن الأستاذ توفيق الحكيم ،وعندما قال لهم الأستاذ محمد موسم المفرجي  ــ رحمه الله ـــ المشرف على ملحق الندوة الأدبي ـ آنذاك ـ الذي كان ينشر دراستي عن الأستاذ توفيق الحكيم، ردوا عليها ،وأنا أنشر لكم ما ستكتبونه ،قالوا لا نستطيع الرد عليها ،لأنَّها تأتي بنص الأستاذ توفيق الحكيم وتحلله بموجب ما جاء في القرآن والسنة النبوية، فحججها قوية.
  أمَّا عن الأستاذ إحسان عبد القدوس ،فلم يستطع ابنه فعل شيء سوى أنَّه حال دون قيام مؤسسة الأخبار ـ التي يعمل فيها ـ التي اتفقتُ معها على تسويق الكتاب في مصر على منعها من تسويق الكتاب ،وجمعه من السوق ،ووضعه في مستودعات مؤسسة الأخبار . وياليته بدلاً من موقفه هذا أن فتح باب الحوار معي حول أدب والده.
 بل وجدت من ذوي التوجه الإسلامي يخشى من دراساتي النقدية لرواد الأدب في العصر الحديث ،ويحاول أن يُعتِّم عليها خشية من أنصار أولئك الأدباء .مع أنَّهم ينادون في محافلهم ومؤلفاتهم ومقالاتهم بضرورة تقويم الأدب من منظور الإسلامي ،ولكن عندما يجدون هذه الدعوة قد طُبِّقت بالفعل على أدب الرواد تواروا وانزووا ،بل وحالوا دون وصول هذا التقويم للناس ، وأعتقد لو أنَّ هذا التقويم اقتصر على صغار الأدباء لما وجد ذلك التعتيم.
والأنكى من هذا هناك البعض يعارض  أن تناقش المرأة الأديبة والمفكرة رجلاً  كفرَّها باطلاً ،  ونسب إليها ما لم تقله لمجرد أنَّها امرأة وهو رجل ،فهو يعمم القوامة ،ويعطيها معنى الاستعباد والاسترقاق (الرجال قوَّامون على النساء)!!!
    فالساحة الأدبية في عالمنا العربي في وقتنا الراهن تكاد تخلو من أدباء لديهم القدرة والجرأة على خوض معارك أدبية ،فالغالبية تكتفي بقول رأيها دون الخوض في نقاش من يناقشها في ذاك الرأي. 
والذي أراه أنَّ خوض المعارك الأدبية واجب ديني تجاه ما يكتب مخالفاً للدين والعقيدة والقيم ،أو فيه تعدي على الذات الإلهية ،وعلى أنبياء الله ورسله ،وعلى صحابة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ،وعلى أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم جميعاً، أو فيه مخالفة لثوابت الإسلام ،أو فيه تضليل وتشويه لصورة الإسلام والمسلمين ،أو فيه تعدي لحقوق البشر، أو فيه إباحة الحرام ،وتحريم الحلال .   


                                                                    



مواجهاتي مع الحداثيين
        كلنا يعرف أنَّ الحداثة لم تكن تستهدف التجديد في الأدب في مختلف فنونه ،وإنَّما تستهدف القضاء على التراث الإسلامي بنبذ كل ما هو قديم ،بل نجدها تجاوزت كل  الحدود بنيلها من الذات الإلهية ،والسخرية من كل ما هو إسلامي ،والعمل على إحياء فكر ومعتقدات الفرق الباطنية الملحدة بتمجيد رموزها مثل الحلاج ،والشلغماني ، والسهروردي، وحمدان القرمطي ، وتمجيد أيضاً خمريات أبي نواس ،مع أنَّ هؤلاء يمثلون القديم ،ولكنهم يريدون نبذ العقيدة الإسلامية الصحيحة السليمة ،وكل ما تدعو إليه من قيم وفضائل ،ولم يكتفوا بهذا ،فعندما شعروا بسقطة الحداثة ،ولاسيما بعد فضيحة “انتهت” للدكتور عبد الله  الغذَّامي اجتمع بعض الحداثيين مع بعض المعارضين للحداثة لبحث مرحلة ما بعد الحداثة ،وقرر الحداثيون المجتمعون  الاتيان بالواقعية السحرية ،وهي منهج أدبي سائد في أمريكا اللاتينية ،ومن اسمه يبين أنَّه قائم على السحر ،ووجدوا أنَّ العقلية المسلمة سترفض هذا المنهج لموقف الإسلام من السحر ،فتحايلوا على المصطلح وأطلقوا عليه “الواقعية التخييلية ” ،ولكن لم ينهضوا بهذا المنهج الجديد ،فقد تصديتُ لهم بوضعه تحت مجهر التصور الإسلامي، ولم يتوقفوا عند هذا الحد فكلنا يعرف  من أدخل  البنيوية إلى الساحة الأدبية النقدية في بلادنا، والبنيوية  تنكر وجود الخالق جل شأنه ،وتعتبر الإنسان كآلة يمكن تفكيكها وإعادة تركيبها ،وإنكار وجود قوة إلهية تسيره ،بل الأكثر من هذا نجده يدعو الآن إلى إيجاد خطاب لغوي أنثوي يخاطب المرأة ،وهذا يعني إسقاط جميع التكاليف الدينية عن المرأة التي جاءت بصيغة العموم ،فاللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ،ولغة نبي الإسلام ،وهي لغة توقيفية ،وأي مساس بها يعني إفساد في الدين ،ومن هنا جاءت حروب أعداء الإسلام ضد اللغة العربية فجاءت دعاوى كتابتها بأحرف لاتينية تارة ،وتارة أخرى الكتابة باللهجة العامية بقصد إبعاد المسلمين عن دينهم بجهلهم للغته ،وفصلهم عن القرآن الكريم ،والسنة النبوية المطهرة ،وللأسف الشديد الذي تبنى البنيوية ،والدعوة إلى إيجاد خطاب أنثوي لغوي هو الدكتور عبد الله الغذَّامي، وقد جعل الأخيرة قضيته التي يطالب بها في كل المؤتمرات التي يحضرها ،معتبراً أنَّ حال المرأة لن تصلح إلاَّ بهذه اللغة الأنثوية ،ولقد تصديتُ للحداثة في جميع مراحلها لأنَّها تستهدف هدم ديننا وسلخنا من عقيدتنا ،والقضاء على تراثنا الإسلامي ،وجعلنا ممسوخين بلا هوية ،يسود أدبنا وفكرنا الفسوق والإباحية والإلحاد ،وهذا ما نصت عليه بروتوكولات صهيون ،فالصهيونية كانت ،ولا تزال وراء حركة الحداثة في عالمنا العربي ،ولعل كتاب الباحثة البريطانية “من سيدفع التكاليف ،والذي صدر مؤخراً مترجماً إلى العربية بعنوان ” الحرب الثقافية الباردة ” يؤكد لنا أنَّ الصهيونية العالمية وراء هذه الحركة ،إذ كشفت هذه الباحثة أنَّ المخابرات الأمريكية تدعم مجلة شعر .
وأنا هنا أدعو جميع الحداثيين في المملكة العربية السعودية وفي الخليج العربي ،وفي البلاد العربية ،أن يراجعوا أنفسهم ،وأن يدركوا أنَّهم ضحية فخ وضعتهم فيه الصهيونية العالمية للقضاء على هويتهم الإسلامية ومسخهم ،بهدف القضاء على الإسلام لتتمكن من السيطرة عليهم وعلى أوطانهم من خلالهم هم ،ولا أشك في انتماء هؤلاء لدينهم ولأوطانهم ،وقد اتضحت أمامهم أبعاد مخططات هؤلاء الأعداء ،فلينضموا إلى صفوفنا لنشكل جميعنا جبهة واحدة صامدة وقوية ضد من يريد سلبنا حرياتنا وهوياتنا وجعلنا مجرد خدم لهم .فالحداثة لا بد أن تنتهي ،ومن يتبناها بعدما اتضحت أمامه هذه الحقائق يعد خائناً لدينه ووطنه. 
كلنا يعرف أنّ تيَّار الحداثة قد غزا ساحتنا الأدبية في المملكة العربية السعودية في أوائل العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري ،وبلغ ذروته في عام 1406 هـ وما بعدها ،وتمكَّن الحداثيون من الإشراف على الصفحات والملحقات الأدبية في صحفنا ومجلاتنا باستثناء ملحق الندوة الأدبي الذي كان يشرف عليه الأستاذ محمد موسم المفرجي  ـ،ومجلة الأربعاء التي تصدر عن جريدة المدينة المنورة ،وما لبث أن تسلل إليها الحداثيون ،وبقي ملحق الندوة الأدبي ،وجريدة الندوة هما النافذة الوحيدة التي كنتُ أنا والأستاذ الراحل “محمد عبد الله مليباري ــ رحمه الله ـــ  من خلالها تصدينا للحداثة ،والبنيوية؛ إذ كتب الأستاذ محمد عبد الله مليباري سلسلة مقالات بعنوان ” ويحدثونك عن الحداثة”




علاقة الحداثة بالصهيونية
في الجزء الثاني لفكر توفيق الحكيم تحت مجهر التصور الإسلامي تحدثتُ عن الشعر وقضاياه ،وفي حديثي عن الشعر تطرقتُ إلى الحديث عن الحداثة التي ترجع في جذورها  وأصولها  إلى بروتوكولات صهيون ؛إذ نجدها في أهدافها ومناهجها التي تبنتها ودعت إليها تحقق ما جاء في البروتوكولات ،وبمقارنة بين ما جاء في تلك البروتوكولات ،وبين تصريحات أقطاب الحداثة ومبتدعيها ،ومدارسهم الشعرية ،وما جاء في شعرهم تتبين لنا هذه الحقيقة بوضوح وجلاء ) 
ثُمَّ أوردتُ نصوص البروتوكول الأول ،والرابع عشر ،والسابع عشر ،والتاسع ،وسأتوقف هنا عند نص في البروتوكول الرابع عشر الذي جاء فيه ، الآتي : ( ولقد خلقنا في البلاد التي تسمى بالمتحضرة أدباً قذراً لا منطق فيه ،وباعثاً على الاشمئزاز ،وسنشجع بعد وقت قصير من وصولنا إلى الحكم وجود هذا الأدب بحيث يظهر أوضح التباين بينه وبين البيانات المكتوبة والمقولة التي ستبعث عنا)
وبعد عرض وتحليل تلك البروتوكولات قلتُ : ( والحداثة في شعرنا العربي المعاصر نجدها للأسف الشديد قد حققَّت ما هدفت إليه الماسونية وبروتوكولات صهيون ،إذ نجدها في مراحلها المختلفة حقَّقت بالتدريج هذه الأهداف إلى أن حققتها جميعها في مرحلتها الحالية “الأدونيسية” ،فالحداثة مَّرت بالمراحل التالية : 
1- المرحلة الأولى وبدأت سنة 1932م بجماعة ” أبو لو ” التي دعا إلى تكوينها الدكتور أحمد زكي أبو شادي ،وهذه الجماعة  تبنت مذهب “الفن للفن ” ،وهو مذهب علماني يهدف إقصاء الدين ،وإبعاده عن كل جوانب الحياة تمهيداً لتقويضه والقضاء عليه ،واعتناق جماعة ” أبولو” لهذا المذهب جعل السريالية والرمزية والواقعية تتسرب إلى شعرهم .
2- المرحلة الثانية : وهي المرحلة اللاأخلاقية ،والتي ظهرت في شعر نزار قبَّاني مع ديوانه الأول (قالت لي السمراء) الذي نشر سنة 1944م ،وفي تمرد على القيم ،ودعا إلى الأدب المكشوف.
3- المرحلة الثالثة : التي بدأت سنة 1947م عندما نشرت أول قصيدة كتبت بالشعر الحر للشاعرة العراقية نازك ملائكة ،وكان عنوان قصيدتها ” الكوليرا” ،ونشرت في مجلة العروبة البيروتية، ويمثل هذه المرحلة عبد الوهاب البياتي ،وصلاح عبد الصبور ، وبدر شاكر السيَّاب.
4- المرحلة الرابعة : ويمثلها أدونيس ،وهذه المرحلة من أخطر مراحل الحداثة ؛إذ دعا فيها أدونيس إلى نبذ التراث ،وكل ماله صلة بالماضي ،ودعا إلى الثورة على كل شيء ، تثوير اللغة ، وتثوير الشعر، والتقاليد ،فالإنسان العربي في رأيه لا يكون عنصراً فعَّالاً في الكفاح التحرري مالم يكن هو نفسه متحرراً من نظام العلاقات الاجتماعية الموروثة ،ومن التراث ،ومن كل ما يربطه بماضيه إلى آخر هذه الكلمات التي يرددها أدونيس ،وهو في هذا يدعي أنَّه من دعاة الإبداع والابتكار ، مع أنَّ ما يردده ليس بجديد ،فهذه دعوة الماركسية والصهيونية ألبسها لباس ثورته التجديدية لتحقيق الإبداع الذي يدعيه ،وليلفت الأنظار إليه على طريقة خالف تُعرف.
     هذا وقد تحدثتُ بالتفصيل عن كل مرحلة من المراحل وقومتُ شعر شعرائها من المنظور الإسلامي .
   فقد خصصتُ فصلاً من هذه الدراسة عن جماعة أبولو ،وفصلاً آخر عن شعر نزار قباني الذي تأثر بوجودية سارتر الملحدة والإباحية ،وخصصت فصلاً آخر لشعر نازك ملائكة ،والبياتي والسياب ،وصلاح عبد الصبور، وفصلاً رابعاً عن أدونيس ،ثُمَّ وضعتُ الحداثة تحت مجهر التصور الإسلامي ،وذلك بوضع المذاهب الأدبية الحداثية تحت مجهر التصور الإسلامي المتمثلة في الوجودية ،والوجودية الملحدة، والواقعية ،والواقعية الاشتراكية، والأسطورة والتصوف ،والصوفية الملحدة المتمثلة في دعاة الحلولية والتناسخ مثل الحلاج الذي أدعى أنَّ الله حلَّ فيه ،وعن دعوة أدونيس للشعوبية.
ونظراً لخطورة دعوة أدونيس وشعره فقد خصصَّت أدونيس بدراسة مستقلة . 

                         أدونيس رائد الحداثة الملحدة
أواصل حديثي معكم عن معاركي مع الحداثيين ؛إذ توقفتُ عند قصة الدراسة التي خصصتها لفكر وشعر أدونيس ،فقد قرأتُ ذات يوم في صفحة الأدب في جريدة الأخبار التي تصدر في القاهرة وصفاً لأدونيس كتبه الأستاذ جمال الغيطاني  ـ وهو ينشر قصيدة لأدونيس ـ  بِ”الشاعر العظيم”، فهالني هذا الوصف لما فيه خديعة للقارئ المصري ،فأعددتُ دراسة لشعر أدونيس وفق نظرية التصور الإسلامي في النقد الأدبي ،ووجدتُ شعره عبارة عن طلاسم ،وتذكرتُ ما كتبه أستاذنا الكبير عباس محمود العقَّاد عن مفتاح الشخصية ،وقلتُ لنفسي مفتاح شخصية المرء عقيدته ،فلأبحث عن عقيدة أدونيس ،وقرأتُ عن النصيرية والحزب القومي السوري ،وقرأت عن الحلاجية  والشلمغانية  والقرمطية ،فتفكَّكت كل طلاسم ورموز شعره،  وعندما فرغتُ منها اتصلتُ هاتفياً بالأستاذ الغيطاني ،وقلتُ له أنت قدَّمت أدونيس للقارئ المصري على أنَّه شاعر عظيم ،وأنت تتحمل وزر هذه الكلمة ،ولديَّ دراسة توضح حقيقة فكر هذا الرجل ،وإن كنتم تؤمنون بحرية الرأي فانشروا هذه الدراسة ،وعندئذ القارئ ذاته يحدد عمَّا إذا كان أدونيس شاعراً عظيماً أم لا؟ ،ووجدتُ أنَّه لن ينشر الدراسة ،فبعثتُ بها إلى جريدة المسلمون ،ونشرتها على حلقات ،وكانت أيضاً أول دراسة نقدية لشعر أدونيس من منظور إسلامي.
وقد بيَّنتُ في هذه الدراسة نظرة أدونيس إلى الله وإلى الإنسان والكون والحياة ،وهي نظرة تخالف التصور الإسلامي ،ف
قد تجرأ على الذات الإلهية ،وجعل الله ميتاً ،ومقتولاً وأعمى وشحاذاً ،وله زوجة ،ويولد وشبَّهه بالإنسان ،وجعل للحب إلهاً 
،وممَّا قاله في هذا الصدد في كتابه مقدمة للشعر العربي ،صفحة 131 “الله في التصور الإسلامي التقليدي نقطة ثابتة متعالية منفصلة عن الإنسان ،التصوف ذوَّب ثبات الألوهية ،جعله حركة في النفس في أغوارها أزال الحاجز بينه وبين الإنسان ،وبهذا المعنى قتله “أي الله” ،وأعطى للإنسان طاقته ،
المتصوف يحيا في سكر يسكر بدوره العالم ،وهذا السكر نابع من قدرته الكامنة على أن يكون هو والله واحداً سارت المعجزة تتحرك بين يديه.”
هذا القول يفسر لنا تمجيد أدونيس للحلاج الذي قال بالحلولية ،وادعى أنَّ الله يتمثل فيه فقال في قصيدته “مدينة الحلاَّج” 
يا كوكباً يطلع من بغداد 
محملاً بالشعر والميلاد 
ويقول في قصيدة ” الإله الميت” :
اليوم حرقت سراب السبت سراب الجمعة 
اليوم طرقت قناع البيت 
وبدَّلت إله الحجر الأعمى وإله الأيام السبعة بإله ميِّت.[المجلد الأول : ص 346]
ويقول في قصيدة “موت ” :
نموت إن لم نخلق الآلهة 
نموت إن لم نقتل الآلهة
يا ملكوت الصخرة التائهة  [ المصدر السابق :ص 389]
   أمَّا نظرة أدونيس للإنسان والكون والحياة : تتلخص نظرة أدونيس للحياة في أربع كلمات هي : حب وجنس وموت ورفض ،فشعره وفكره لم يخرجا عن هذا الرباعي ،فجاءت لغته الشعرية لغة جسد وجنس وموت ،والعبارات التي استخدمها في شعره تدور في فلك جسد المرأة ؛إذ جعل من أعضاء جسدها ـ كنزار قبَّاني ـ مفردات لغوية لشعره ؛ إذ أنَّه ينظر إلى المرأة أنَّها جسد خلق للذة والمتعة ،فكان شعره يقطر جنساً وإباحية ،وقد مجَّد في شعره الإباحيين والملحدين من دعاة الحلولية والتناسخ ممن ادعى بعضهم التصوف أمثال : ” الشلمغاني ” ، و”الحلاَّج ” ، و”ابن عربي” ،و “النفري” و”بشَّار بن برد ” ،و”أبي نوَّاس”، و “بولدير” ،و” لينين” . فالإباحية تمثل جزءً من عقيدته النصيرية.
والحياة في نظره هي الحياة الدنيا ،فلم يتحدث عن الآخرة ،وعن البعث والحساب ،والثواب والعقاب والجنة والنَّار ،وإن تحدث عن البعث كان عن بعث فينيق رمز الفينيقية التي يدعو إليها الحزب القومي السوري.
   أمَّا نظرته للإنسان فقد ألَّهه ،فهو يعتقد كالنصيرية بالحلول والاتحاد والتأليه والتناسخ ،لذا كان كل شيء عند أدونيس إلهاً ،كما أنَّه قال كالوجودية بعبثية الخلق ،وأنّ الإنسان خلق ليأكل ويلعب وينام ويشبع غريزته الجنسية.
خلاصة القول :إنَّ نظرة أدونيس للحياة والإنسان والكون تمثل خليطاً من نظرة النصيرية والفرويدية والوجودية والوثنية الإغريقية والماركسية ،وإن كانت العقيدة النُصيرية هي الغالبة على فكره ،وعلى كل ما كتبه فهو نُصيري العقيدة ،ويتضح لنا هذا عند عرض نماذج من شعره. 

وضع الحداثيين لي في دائرة التشكيك
   ولهذا قصة ؛إذ كتبتُ في مقدمة دراستي لشعر الشاعر عبد الرحمن العشماوي قلتُ فيها  : ( ..ولهذا فنحن نلمس في أدب الغالبية من أدبائنا الشبَّان تسرب المذاهب الأدبية الغربية في كتاباتهم ،كما نلمس بوضوح تحمس الكثيرين للحداثة رغم وثنيتها وإلحادها وسرياليتها الحادة الغارقة في اللاوعي ،بل نلمس دفاعهم المستميت عنها وكأنَّها الدين والمذهب الذي يجب الدفاع عنه في الوقت الذي يسكتون عمَّا يوجهه الحداثيون أنفسهم من طعنات للدين الإسلامي ،بل نجد الكثيرين قد تجاهلوا الدين وأبعدوه عن النقد والتقويم ؛إذ سلَّطت معظم الملحقات والصفحات الأدبية في صحفنا ومجلاتنا على شعراء الحداثة ،وخصصت لهم الصفحات والدراسات ،وصار شعراء الحداثة يمثلوننا في المهرجانات الشعرية الأدبية التي تقام في بعض البلاد العربية ،وكأنَّه لا يوجد من الشعراء السعوديين الشبَّان سواهم.
ونحن لو نظرنا إلى حركة الحداثة في المملكة العربية السعودية نجدها للأسف الشديد قد تأثرت بحداثة أدونيس وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل والسيَّاب والبيَّاتي ويوسف الخال وأمثالهم ممن يقطر شعرهم إلحاداً ووثنية وإباحية ،ممَّا يجعلني أقول : إنَّ الحركة الأدبية في بلادنا في حاجة ماسة إلى تصحيح وتقويم ،فإنتاجها في السنوات الأخيرة فيه ما ينذر بخطر كبير يهدد سلامة البناء الفكري للإنسان السعودي ؛إذ ظهرت فيها بوادر الغزو الفكري بشكل لا يمكن تجاهله أو غض البصر عنه .وما أقدمتُ على كتابة هذا البحث إلاَّ لأركز على الجانب الإيجابي في حركتنا الأدبية لإبرازه ،ولدعوة أدبائنا الشبَّان للسير على النهج الذي سار عليه الشاعر السعودي الشاب عبد الرحمن العشماوي ؛إذ جعل التصور الإسلامي قاعدة ومنهجاً فكانت له شخصيته الإسلامية المتميزة ،وجاء شعره يعبق بشذا الإيمان ،ويمتلئ برحبات الإبداع ،وينبض بالطهر والعفاف وسمو الأخلاق.)
 وهذه الدراسة نشرت في العدد الثاني من مجلة بيادر التي يصدرها نادي أبها الأدبي ،وكان هذا في عام 1407 هـ .
 ولأول مرة في تاريخ الحداثيين ينهض أحدهم في الرد على ما كتبته في هذه المقدمة ،وقد وضعني في دائرة التشكيك ،فشكك في ديني وعقيدتي وولائي لوطني ،ونشرت هذه المقالة في جريدة البلاد ،وكتبتُ رداً عليه في دراسة بيَّنتُ فيها أثر المذاهب الفكرية الغربية على الأدب العربي ،وبعثتُ بها إلى رئيس تحرير مجلة إقرأ ـ آنذاك الأستاذ أسامة السباعي ـ ،واخترتُ مجلة إقرأ لأنَّها تصدر عن مؤسسة البلاد ،ولسيطرة الحداثيين آنذاك على جريدة البلاد ـ ولا زالوا ـ  لم أبعث بردي إلى جريدة البلاد باعتبارها الناشرة للمقال الذي هوجمتُ فيه لأنِّي كنتُ واثقة من عدم نشرهم له ،وكنتُ واثقة في نفس الوقت تمام الثقة في أنَّ الأستاذ أسامة سينشره كاملاً ،وبالفعل  بدأ في نشر هذه الدراسة ،ولكن فوجئتُ بتوقف نشرها ،وقلَّبتُ في المجلة فوجدتُ اسماً آخر لرئيس تحرير المجلة ؛فقد استقال الأستاذ أسامة من رئاسة تحرير مجلة إقرأ لكثرة ما واجهه من مضايقات ،واتصلتُ برئيس التحرير الجديد ـ لا داعي لذكر اسمه ـ وسألته عن أسباب توقف نشر الدراسة ،فقال لي : “موجودة في درج مكتبي ،ولكني لن أنشرها ” 
فقلتُ له : ولكن رئيس تحرير المجلة السابق الأستاذ أسامة السباعي  قد اعتمد نشرها ،ونُشرت حلقات منها ؟
فقال لي : أنا أنشر ما يعجبني ،ولا أنشر ما لا يعجبني! 
 ولن أعلق على هذه المقولة ،وأترك لكم التعليق عليها. 
 ولكني لم أسكت وبعثتُ ببرقية لمعالي وزير الإعلام عن المقالة التي نشرتها جريدة البلاد ووضعي في دائرة التشكيك ،وعلمتُ أنَّ كاتب المقالة أوقف عن الكتابة لمدة عام .


سلسلة مقالات :هل يُحارب من يُدافع عن دين الله؟


هذه سلسلة المقالات التي نشرها الأستاذ أسامة السباعي رئيس تحرير   مجلة إقرأ رداً على مقالة “سهيلة في دائرة التشكيك” ،واستقال قبل أن تتم الحلقات ،فأوقف نشرها رئيس التحرير الذي جاء بعده ،وقال لي مقولته تلك : أنا أنشر ما يعجبني، ولا أنشر مالا يعجبني.

                    أثر الحداثة على الأديبات في المملكة 
في الجزء الثاني من مسيرة المرأة السعودية إلى أين؟ الذي نشرته مجلة المنهل على حلقات بيَّنتُ أثر الحداثة على الأديبة السعودية فقلتُ:
رغم قصر  عمر انطلاقة المرأة السعودية إلاَّ أنَّها استطاعت أن تخترق مجال الأدب بكل جرأة وشجاعة ،ولكن للأسف الشديد لم تقم انطلاقتها الأدبية على قاعدة  صلبة قوية ؛فسرعان ما انزلقت أقدام الكثيرات في وحل الحداثة بكل ما فيها وثنية وإلحاد وتجرؤ على الذات الإلهية ،لقد جرفهن تيار الحداثة فغرقن في خضمها المظلم، وفاتهن أنهن بنات مهبط الوحي ،ومهد الرسالة ،وحفيدات الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن، وينبغي أن يكن قدوة لأديبات العالم الإسلامي. إنَّ الإسلام ليس ضد الانفتاح على الحضارات ،والأخذ من الثقافات ،فعلماؤنا الأوائل أخذوا من الحضارات السابقة للإسلام ،ومن الحضارات والثقافات المعاصرة لهم ،ولكن أخذوا منها ما يتفق مع ديننا وعقيدتنا ،وتركوا ما يخالفها، كما أن الإسلام ليس ضد التجديد، فلنأخذ بالجديد الذي لا يتعارض مع ديننا وقيمنا ،والذي يحافظ على عقيدتنا  ،وهويتنا الإسلامية ،أمَّا إذا كان هذا الجديد يخالف ديننا وعقيدتنا ،ويطمس هويتنا ،ويمحو شخصيتنا ،ويجعلنا نذوب في ثقافة الآخر ،ونكون مجرد مقلدين ناقلين ،فهذا الذي يرفضه الدين ، وهذا ليس تجنياً مني ،ولكن قراءة متأنية منا لإنتاج الأديبات السعوديات ستتضح أمامنا هذه الحقيقة.
الشاعرة فوزية بوخالد وقصيدة “لن يسرقوا الله من وجهك”:
 الشاعرة الدكتورة فوزية بو خالد ، أستاذة جامعية قديرة وباحثة اجتماعية أكاديمية متميزة ، حضرتُ العديد من المؤتمرات والملتقيات ،واستمعت إلى أوراق عملها ، فكانت رصينة ومتميزة في طرحها ، وموضوعية في مناقشتها  لما تطرحه من موضوعات ، ولكن اختلف معها في ما كتبته من قصائد يغلب عليها التيار الحداثي ،فاصلة بين عقيدتها وبين فكرها ، ومنها  قصيدة اسمتها “لن يسرقوا الله من وجهك”
   أحببتك الله يبني في عرشه أعشاشاً لزغاليل الحمام ،حتى يهتز العرش شجرة سدرية ،تأوي إليها الطيور الضائعة.
أحببتك الله يقاسم الفتيات ابتسامتهن البيضاء.
 ولا يترك ابنة الجيران ترقص وحدها .
أحببتك الله 
 يلعب مع الأطفال الكرة 
 ويتزلج على الجليد والمياه البحرية 
أحببتك الله
يغضب في عيون الشباب 
يشنق بضفائر الفتيات ويناغي في رحم الحوامل 
وتقول:
أخاف عليك ..مكرك ،أخاف عليك ..زلاتك السماوية ..أخاف…
هذه القصيدة من عنوانها تبين لنا مدى مخالفتها للتصور الإسلامي  للخالق جل شأنه ،والإنسان والكون. فهي قائمة على عقيدة الحلول ،أي أنَّ الله حل في زوج الشاعرة ،وهذا واضح من عنوان القصيدة” لن يسرقوا الله من وجهك “وأخذت تخاطبه على أنه الله “تعالى الله عما يصفون”
 فالله –في هذه القصيدة وفق ما جاء في القصيدة – يبني أعشاشاً لزغاليل الحمام حتى يهتز العرش عند سدرة المنتهى ،والله لا يترك ابنة الجيران ترقص وحدها ،والله يناغي في رحم الحوامل “تعالى الله عما يصفون”
وعقيدة الحلول من عقائد الفرق الباطنية ،وهي مأخوذة من العقائد البوذية والمجوسية، وهي تتنافى تماماً مع التصور الإسلامي للخالق جل شأنه ،فهو (ليس كمثله شيء وهو السَّميع البصير)
ويوجد في القصيدة عبارات تقطر جنساً.
  والأمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
هذا عن الشعر ،أمَّا بالنسبة للقصة فعند  تتبعنا للقصة السعودية منذ الثمانينات من القرن العشرين ،وبالتحديد منذ وفود التيار الحداثي إلى المملكة العربية السعودية نجد أنَّ الجيل الذي ظهر في هذه الفترة معظمه قد تأثر إلى حد كبير في موضوعاته وأساليبه ،ومناهجه بالتيار الحداثي ،بكل ما حمله هذا التيار من أساليب تعبيرية غامضة وركيكة ،ومذاهب غربية كالرمزية والوجودية والسريالية ،والكلاسيكية الغارقة في الوثنية الإغريقية ،والرومانسية القائمة على المسيحية ،وكذلك إحياء معتقدات الفرق الباطنية ،كالقرامطة ،والنصيرية ،والصوفية الملحدة ،وكلها مستمدة عقائدها من البوذية والهندوسية والمجوسية ،والمسيحية واليهودية. فقد تأثر بالأسطورة القاص السعودي “عبده خال ” ويظهر هذا الأثر في قصته “انفجار بحَّار مسكون بالخوف ،وذلك ضمن مجموعته القصصية “حوار على بداية الأرض” “.
أمَّا رجاء عالم فقد نسجت عالمها القصصي وفق العقائد البوذية والمجوسية  والهندوسية القائمة على الحلولية وتناسخ الأرواح مثل قصة “الأصلة” ظناً منها أنَّ في ذلك إبداعاً وتجديداً فاصلة بين عقيدتها الإسلامية التي تؤمن بها وبين ما تكتبه آخذة بمذهب” الفن للفن” الذي يفصل العقيدة عن الفكر.
مواجهاتي للدكتور عبد الله الغذَّامي حول إدعائه عن أصالة الحداثة
لقد كانت لي عدة مواجهات مع الدكتور عبد الله الغذَّامي أولها كانت في القسم الذي خصصته عن الحداثة في الجزء الثاني من فكر توفيق الحكيم تحت مجهر التصور الإسلامي ،ولقد رددتُ فيها على ما جاء في محاضرة الدكتور عبد الله الغذامي التي ألقاها في نادي المدينة الأدبي من آراء حول أصالة الحداثة ،وقد نشرتها صفحة “أدب وثقافة” الجزيرة في عددها الصادر يوم الإثنين 15 ربيع الأول عام 1407هـ ، فقد حاول جاهداً ومجتهداً إثبات صلة الحداثة بتراثنا ،وأنَّها نابعة منه ،وليست نتيجة تأثرها بالغرب ،فالقول بأنَّ الحداثة وافدة إلينا من الغرب ،هي تهمة نسبها إليها المستشرقون.
فقلتُ رداً على هذه الأقاويل : إنَّ دراستنا المقتضبة عن الحداثة قد أثبتت خلاف ما يريد إثباته الدكتور الغذامي ،ويلاحظ أنَّ الدكتور الغذَّامي في إثباتاته قد نظر إلى شكل القصيدة الحداثية أي خروجها على التشطيرة الخليلية ،وبهذا يكون قد أغفل المذاهب والفلسفات التي تبنتها الحداثة ،وهي واضحة للعيان إنَّها وافدة إلينا بدليل تنافيها مع التصور الإسلامي ،عندما عرضناها عليه ،ووضعناها تحت مجهره ،وقد فاته أنَّ مفهومنا للحداثة لا ينصب على شكل القصيدة بقدر ما ينصب على مضامينها، فنحن لم نعترض على الشكل بقدر ما نعترض على المضمون ،ولسنا ضد التجديد ،وهاهو “علي أحمد باكثير ” لم يلتزم في بعض شعره بالتشطيرة الخليلية ،ولكنه مع هذا يعد من الشعراء الإسلاميين ،لأنَّه التزم في شعره بالتصور الإسلامي ،وحافظ على لغة القرآن وبلاغتها.  
 أمَّا الحداثيون فكما بيَّنت لنا هذه الدراسة قد ابتعدوا كثيراً عن هذا التصور ،بل عادوا إلى الوثنية ،وصنعوا لهم آلهة ،,مجَّدوا الشيطان لأنَّه عصى الله ،وجعلوه مركبتهم إلى النجوم إلى آخر هذيانهم ، بل نجدهم مجَّدوا أدعياء الألوهية والربوبية أمثال الحلاَّج. 
إنَّ حماس الدكتور الغذَّامي للحداثة كان يجب ألاَّ ينسيه مسؤوليته الدينية كباحث أكاديمي مسلم ،فبدلاً من أن يجهد نفسه في إثبات صلة الحداثة بتراثنا وأصالتنا ليبعد عنها كل ماله صلة بالتغريب لينفي عداءها للإسلام كان عليه أن يصحح من فكر الحداثيين ويخلصه من شوائب الشرك والإلحاد والوثنية والعداء للإسلام والتراث الإسلامي.
إنَّ من أهم ما ينبغي أن يدركه الدكتور الغذَّامي وتلامذته الحداثيون أنَّ الشكل العام للقصيدة الحداثية ليس هو جوهر اعتراضنا على الحداثة ؛إذ ينصب اعتراضنا عليها اعتناقها لمذاهب المادية الملحدة ومحاولاتها للعودة بالفكر العربي إلى الجاهلية والوثنية ،وإشاعة الشعوبية والدعوات الصوفية المنحرفة لتخلخل العقيدة الإسلامية تمهيداً لتقويضها لتنفذ ما يخطط له الماسونيون والصهاينة وفق ما جاء في بروتوكولاتهم كما أسلفت.
ولم تكن هذه المواجهة الوحيدة للدكتور عبد الله الغذَّامي ،مع أنَّه لم يرد عليَّ في هذه المواجهة.                                                                    
مواجهتي مع الدكتور الغذامي ومرحلة ما بعد الحداثة والواقعية السحرية
   بعدما تمكن عدد من الأقلام الإسلامية الواعية التصدي للحداثة والحداثيين ،والنقد البنيوي ،وكنتُ ضمن هذه الأقلام ،وقد خرج عن الحداثيين بعضهم ،وكشفوا عن أساليبهم التي يتبعونها ،وبعد فضيحة الحداثيين الكبرى ،عندما قام الدكتور الغذامي ،بتحليل كلمة “انتهت ” التي وضعها عامل الطباعة الذي طبع قصيدة حداثية ،وظنها الدكتور الغذامي أنَّها ضمن النص الحداثي، رأى الحداثيون أن يأتوا ببديل للحداثة ،فاجتمع الدكتور عبد الله الغذامي، والأستاذ عابد خزندار  ، مع بعض من  تصدوا للحداثة وهم الأستاذ محمد عبد الله مليباري ـ رحمه الله ،كما كان معهم الأستاذ يوسف دمنهوري رئيس تحرير جريدة الندوة آنذاك ،وهي الجريدة التي تكاد تكون الوحيدة التي تصدت للحداثة في تلك الفترة، والأستاذ أسامة السباعي، كما شهد هذا الاجتماع الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين رئيس نادي جدة الأدبي ،ونشرت مجلة الأربعاء تفاصيل ما دار في هذا الاجتماع في العدد 253 الصادر في 26 شعبان سنة 1408هـ ،كما نشرته مجلة إقرأ في عددها رقم 670 الصادر في 26 /9 /1408هـ ،وكتبتُ تعقيباً عن هذا الاجتماع فقلتُ : 
الإسلام هو المنبع الصافي الذي ينبغي لنا أن نستقي منه لترقى كل العلوم والفنون بما في ذلك الأدب والنقد ،وإنَّني لأتساءل :
لماذا كل هذا التخبط والبحث عمَّا عند الغرب من مذاهب ومناهج أدبية لنأخذ بها ،ويوجد لدينا هذا النبع الصافي ،والمنهج الشامل المتكامل ؟
لماذا نترك المنهج الإسلامي الذي وضعه الخالق ونبحث عن فلسفات ومذاهب وضعها خلق لا يؤمنون بوجود الخالق لنسير عليها بحجة تحقيق الانبهار للجلوس على مقاعد الريادة؟  
لماذا نتحايل بالألفاظ ونتناقض في الآراء ،ونتلاعب بالعبارات لنخلع على تلك المذاهب الغربية الوجودية الملحدة لباس الإسلام ،ونقول حداثة إسلامية وبنيوية إسلامية ،وهي في الحقيقة تقوم على رفض الإسلام ،ونبذه والثورة عليه ؟
 هذه التساؤلات وتساؤلات غيرها قفزت إلى ذهني وأنا أقرأ “حوار الحداثة” الذي نشر في الأربعاء في العدد 253 الصادر في 26 شعبان سنة 1408هـ ،وما نشرته مجلة إقرأ في عددها رقم 670 الصادر في 26 /9 /  1408هـ حول “الواقعية التخييلية ” .
هذا ولمَّا كان حوار الحداثة جد خطير ،ونتائجه أشد خطورة رأيتُ من الضرورة بمكان أن أناقش ما جاء فيه مناقشة علمية وموضوعية قوامها العقيدة الإسلامية باعتبار أنَّ الإسلام ديننا وعقيدتنا ،ومنه ينبثق فكرنا وتتكون ثقافتنا وتتبلور قيمنا ؛إذ لا ينبغي فصله عن حياتنا الأدبية والفكرية ،كما لا ينبغي فصله عن سائر شؤون حياتنا الدنيوية والأخروية. 
وتكمن خطورة هذا الحوار في الآتي : 
أولاً : إحلال الواقعية السحرية ،أو “التخييلية” محل الحداثة بعدما تم كشف خطورة أهداف الحداثة ،ومدى إلحادها وبعدها عن الإسلام ،ومحاربة القرآن الكريم بإضعاف لغته حتى يصعب فهمه ،فأراد مناصرو الحداثة ،وبعض روادها في بلادنا ،وهم الدكتور عبد الله الغذَّامي ،والأستاذ عابد خزندار ،والأستاذ محمد صادق دياب أن يلبسوها لباساً آخر يدعى “الواقعية التخييلية” ،محاولين طبع هذا اللباس بطابع تراثنا العربي ،فاستبدلوا كلمة التخيل للقرطاجني بدل “السحر ” ،فصارت الواقعية التخييلية بدل الواقعية السحرية التي تمثل مرحلة ما بعد الحداثة لدى الغرب.
ثانياً : إعلان التبعية للغرب بالإدعاء أنَّنا أمة لا تستطيع التنظير ،وبأنَّنا لا نستطيع أن نظهر بمظهر أدبي جديد لأنَّنا أمة نامية.
ثالثاً : التصريح بأنَّ الهدف من تبني بعض الأدباء والنقاد  السعوديين للمذاهب الأدبية الغربية كالحداثة والبنيوية ،ثمَّ الواقعية السحرية والتخيلية هو لتحقيق انبهار الشباب العربي لتكون لنا الريادة الثقافية.
رابعاً : تحويل دفة الحوار حول الحداثة ” كمصطلح لغوي” ،وليس كمذهب فكري يمس العقيدة ،وبذلك بعد المتحاورون عن جوهر الخلاف “مضمون الحداثة وأهدافها” ،وانشغلوا بالمصطلح ،والبحث عن مصطلح آخر كبديل للمصطلح “حداثة” فطرح الأستاذ عابد خزندار ” الواقعية السحرية ” الذي كان يمهد لها ،وأيده الدكتور الغذَّامي مستبدلاً كلمة “السحرية” بِ ” التخييلية” ،وكأنَّ هناك اتفاقاً مسبقاً بينهما بجعل الواقعية السحرية البديل للحداثة.
 لذا وجدتُ أنَّ واجبي الديني يلزمني مناقشة ما جاء في هذا الحوار لتوضيح مخاطره ومغالطاته ومتناقضاته.
ولمَّا كان الدكتور عبد الله الغذَّامي هو المستحوذ على معظم الحوار فتقرر في نهايته ما يريد ،وتُرِك له تقرير تصورات هذه الواقعية ،ولخطورة ما قاله في هذا الحوار ،فسأبدأ بمناقشته ،وليأذن لي بهذا النقاش ؛ إذ استوقفتني هذه العبارات للدكتور الغذَّامي .
    والعبارات التي استوقفتني هي :
                                 
1- قصر مفهوم الحداثة على التجديد فيقول : “… فالحداثة في أصلها مصطلح غربي ..حركة غربية … فعل غربي إن كنا من حيث الممارسة … نمارسه منذ إمرئ القيس إلى حسَّان بن ثابت إلى شعراء المحدثين في العصر العبَّاسي والشعر العربي كله إلى يومنا هذا بما فيه أحمد شوقي ،وحافظ إبراهيم ،وكل شاعر يحاول أن يكون حديثاً عن الشاعر الذي سبقه ،فكانت الممارسة على المستوى التطبيقي قائمة ،ولكنها لم تكن قائمة على المستوى التنظيري..”
2- الإصرار على إبقاء مصطلح الحداثة والاعتراف بأنَّه ترجم البنيوية التشريحية بهدف تحقيق الانبهار للشباب العربي ليرتقي مراتب الريادة ،فيقول الدكتور الغذّامي : ” أنا أصر على بقاء الحداثة لسبب ليس من أجل الجانب الأكاديمي ،إنَّما الذي أراه مسؤوليتنا نحن ليس أمام المجتمع السعودي ،بل أعتقد أنَّ مسؤوليتنا أمام المجتمع العربي والإسلامي كله ،وأمام التاريخ ” ،ثُمَّ يستطرد قائلاً : “في الظروف الاقتصادية التي مرَّت بها بلادنا استطاعت بلادنا أن يكون لنا قيادة  سياسية في العالم العربي … قيادة اقتصادية .. قيادة كلمة … أيضاً لصحافتنا اليوم دور ريادي ليس موجوداً في كل الصحف العربية لن تجدوا حواراً عن الحداثة أو البنيوية ،وما بعد الحداثة ،أو ما بعد البنيوية لا يوجد … ،ومصطلح” ما بعد الحداثة” لم يطرح قط في أية صحيفة عربية إلاَّ في صحافتنا ،ورائده الأستاذ عابد خزندار ” ويستطرد قائلاً : “حوار حول الحداثة بهذا العنف لم يطرح في أي مكان ،وإن طرح فقد كان طرح على جانب شكلي في الأربعينات والخمسينات ثُمَّ اختفى”. ثُمَّ يتحدث الدكتور الغذَّامي عن البنيوية التي ترجمها إلى العربية ،وكيف أنَّ الإخوة العرب انبهروا بها ،فيقول : ” … البنيوية التشريحية أنا ترجمتها ليست موجودة في صحافة عربية ،والأخوة العرب الذين جاءوا إلينا بهروا تماماً أن يوجد في صحافتنا هذا التناول … صحيح أنَّ هناك سلبيات كثيرة ،ولكن هذه حتمية لا تستطيع أن تسيطر على طباع البشر ،ولكن الناتج الإيجابي كان حواراً من مختلف تحت ريادته عندنا ،أي أنَّه لم يطرح في مصر أولاً ،ولبنان مثلاً ،بل العكس نحن الذين أقمنا هذا الحوار ،وصحافتنا في هذه المسألة رائدة ،وسيكتب التاريخ الصحفي بعد فترة ،نحن هذه الريادة ، ونحن لا نتبينها الآن لأن نا الآن في المعممة ،ولكن الزمن سوف يتبنها ويدركها”.
3- القول بالمزاوجة بين النقيضين الإسلام والحداثة ،فيقول : ” إنَّ المجتمع العربي والثقافة العربية عامة متعاطفة مع الحس الإيماني المخبؤ فيها ،هل نستطيع أن نجمع بين هاتيْن العاطفتين ،هذا السؤال الذي أقوله ،وهو منصب فقط على إنقاذ الحداثة من البلبلة التي هي فيها … “
4- رفض الدكتور الغذَّامي لحداثة أدونيس ،ويوسف الخال ،فيقول : ” وإن أي داخل على الحداثة من خلال الثابت مرفوض مثل ما رفضنا أدونيس ويوسف الخال الذين هم لهم انتماء للحزب القومي السوري ،ويريدون تطبيق عقلية هذا الحزب على الغايات التي ينشدونها ،وهي غايات لا تختلف عن غاياتنا كل الاختلاف عروبياً وإسلامياً “.
5- القول بأنَّنا أمة لا تستطيع التنظير ،إذ يقول في هذا الصدد : ” … هناك قضية أريد أن أضعها مقدمة لما سأقوله إنَّه في مجال الأدب والعلوم بعامة الذي يحدث أنَّنا لا نستطيع التنظير ،هذه عملية مستحيلة الذي نفعله أن نستقرأ النظرية الذي يقرر عادة الإبداع…
6- يستمر الدكتور الغذَّامي في إعلانه التبعية للغرب ، فيقول : ” والأستاذ عابد “يقصد عابد خزندار ” طرح مفهوم “الواقعية السحرية” أي ما بعد الحداثة ،وكما ذكرتُ في البداية نحن في حرج عندما نتحدث عن الحداثة والغرب مضى وسار ،ونجد أنفسنا بعد عشر سنوات أنَّنا نتكلم في كلام تجاوزه الزمن ،فنختلف مرة أخرى كما نختلف عادة … يذهب الغرب ،ونلحق به ،وبدلاً من أن نلحق بالغرب علينا أن نستبق الأحداث ،وأمسك بالخيط الذي قاله الأستاذ “عابد عن الواقعية السحرية…”
7- ثُمَّ يستطرد قائلاً محاولاً إلباس الواقعية السحرية لباساً تراثياً ،فيقول : ” لقد أعجبني القرطاجني حيث استطاع أن يجمع بين المد الفلسفي ،والمد البلاغي ،ويخرج بمزيج معرفي من هذيْن التياريْن ،وطرح مصطلح التخيل ،وعرفه تعريفاً خاصاً به ،ومتميزاً ،وهو يصدق اليوم على الواقعية السحرية تماماً لأنَّ التخيل واقع سحر أو سحر واقع ،ثُمَّ يقول:” لو أخذنا هذا المصطلح “التخيل” ،وقلنا “التخييلية” ،وبنينا على هذا المصطلح مستندين على أسس ومبادئ توثق العملية الإبداعية ،واستند هذا على النصوص القائمة ،وعند نصوص قائمة فعلاً ..” 
هذا أهم ما جاء في حديث الدكتور الغذامي في هذا الحوار ،وقبل أن أناقش ما قاله أود أن أوضح حقيقة هامة ،وهي أنّ قاعدة هذا النقاش العقيدة الإسلامية ؛إذ ستوضع أقواله تحت مجهر العقيدة الإسلامية ،مع وضع في الاعتبار الآتي : 
1- الحداثة في المملكة العربية السعودية ،وموقف الدكتور الغذَّامي منها.
2- تناقض ما قاله في هذا الحوار عمَّا قاله من قبل ،ونادى به.
3- موقف الدكتور الغذامي من أدونيس الذي أعلن رفضه له في هذا الحوار ،ومن مجلة كلمات التي لا تختلف عن مجلة شعر التي أعلن رفضه لها في هذا الحوار.
4- الواقعية السحرية ،تعريفها ،وبيان خطورتها على مستقبل الإنسان العربي المسلم إن اعتمدت كمنهج أدبي ،وصار عليها الأدباء ،فهي والحداثة سواء.
5- تعميق مفهوم الريادة وتصحيحه ،أمَّا الريادة لا تكون بالاتباع والتقليد ،وإنَّما تكون بالتحرر من التبعية فتكون المُقلَّد لا المُقَلِّد .
 هذا وقد بيَّنتُ في هذا النقاش مدى تناقض الدكتور الغذامي في تصريحاته ،فتارة يقول الحداثة لا تعني التجديد ،وتارة يقول هي التجديد ! ومتى يقول إنَّها التجديد؟ 
عندما يتناقش مع معارضي الحداثة كما حدث في الحوار الأخير ،ويقول إنَّها لا تعني التجديد عندما يكتب للحداثيين كمجلة “كلمات” ،وهذا التناقض ،والتلاعب في الألفاظ لتحقيق مآربه ،يذكرني بالأستاذ توفيق الحكيم ـ رحمه الله ـ الذي يناقض نفسه من أجل أن يخدم الفكرة التي يطرحها. ولقد ناقض الدكتور الغذَّامي نفسه للمرة الثالثة في هذا الحوار عندما قال عن رؤيا البعض للحداثة ربطها بالفرد ،مع أنَّ المفروض ان تكون مفهوماً جماعياً زمانياً، ومادامت الحداثة في نظره هي مفهوم جماعي ،وهذه هي الحقيقة لأنَّ حداثة أدونيس ويوسف الخال هي بذاتها حداثة صلاح عبد الصبور ،وأمل دنقل ،وبدر شاكر السيَّاب ،وعبد العزيز المقالح ،وهي حداثة سعيد السريحي ، والصيخان والحربي ،وعلي الدميني ،والدكتور عبد الله الغذَّامي ،وأحمد عائل فقيه ،وخديجة العمري ،وفوزية بو خالد ،والفريق الحداثي كله ينسبها إلى الفرد ،فيقول : ” حداثة أدونيس ويوسف الخال ،وحداثة السريحي ،وحداثة نازك الملائكة”.
خلاصة القول : أنَّ مفهوم الحداثة ليس التجديد ـ كما ادعى الدكتور الغذَّامي ـ في الحوار الأخير ،وإنَّما هي عقيدة ومذهب فكري يقومان على الثورة على كل ما هو إسلامي ،والجرأة على الذات الإلهية ،وادعاء الألوهية والشرك بالله ،وتبني الأساطير القديمة الوثنية ،وإثارة الغموض ،والإباحية وإلغاء روحانية الإنسان ،والنظر إليه نظرة مادية بحتة ،ومحاربة القرآن الكريم بإضعاف لغته ،وتقويض دعائمها ،وذلك بزلزلة كيان الشعر العربي باعتباره ديوان العرب .
أمَّا عن قول الدكتور الغذامي إنّه يرفض حداثة أدونيس ،ويتبرأ منه ،فقال هذا القول ليخدع معارضي الحداثة المجتمعين معه ،فقد سبق وأن  صرَّح لجريدة الشرق الأوسط في الحوار الذي أجرته معه ،ونشر في العدد الصادر يوم الثلاثاء الموافق 14/7/ 1987م أنَّ أدونيس مدرسة رائعة ومتميزة ،ولم ينكر على أدونيس إلحاده ،وقوله بقتل الله ليتحرر منه ـ تعالى عمَّا يصفون ـ كما أنَّه لم ينكر عليه انتماءاته الحزبية القومية ،والتي أعلن رفضه له أمام مناهضي الحداثة،وكان السؤال الذي وجهته له جريدة الشرق الأوسط هو:
كيف ترى مستقبل الحداثة الفنية التي يتبناها التيار التجريبي بريادة أدونيس ؟ وهل يمكنها أن تفرض نفسها كاتجاه أساسي في حركة الشعر العربي الحديث ،ولماذا؟ 
فأجاب الدكتور الغذَامي : 
“يبدو لي أنَّ مسألة  أدونيس والأدونيسية مسألة في غاية الحساسية ،وقد يكون أدونيس شاعراً متمكناً ومثقفاً ،واسع الاطلاع ، واطلاعه هنا منبثق من معرفته الوثيقة بالثقافة العربية التقليدية ،مثل ما هو وثيق المعرفة بالثقافة الغربية الفرنسية والإنجليزية .. فمن هنا تأتي تجربة أدونيس ،وكأنَّها مكونة من عجينة غريبة الأطوار ،ولكنها واثقة من نفسها ،وأقف عند تجربة أدونيس بذاته كشخص ،ولكن عندما تنتقل إلى الآخرين الذين تأثروا بأدونيس نجد أنهم لا يملكون القدرات والرؤى والنوايا التي عند أدونيس ،لذا يقعون بشكليات التجربة الأدونيسية دون أن يدخلوا في أعماقها ،أو في بواطنها ،وهذا الذي يحدث خللاً كبيراً في الاتجاه الأدونيسي ،وفي القصيدة الأدونيسية عند غير أدونيس ممَّا يجعلها تخفق ،ولا تبلغ الغايات التي يبلغها أدونيس نفسه” ثمَّ يقول عن أدونيس : ” …فهو سيظل مدرسة متفردة ،صحيح أنَّها مدرسة متميزة ،ورائعة ،لكن خروجها على السياق العربي خروج كبير جداً لا يمكن السياقات التالية لها من الصمود والبقاء داخل جسد القصيدة العربية “.
هذا هو رأي الدكتور عبد الله الغذّامي في أدونيس ؛إذ لم ينكر عليه شيئاً ،واعتبره مدرسة رائعة ،ومتميزة ،كما أنَّه لم ينكر على صلاح عبد الصبور ،وأمل دنقل والسياب والبياتي إلحادهم.
إذاً ما قاله الدكتور الغذامي في “حوار الحداثة” للتضليل والتموية ليزيل الهوة بينه وبين المناهضين للحداثة ممن شاركوا في الحوار….
  هذا بعض ما كتبته في تعقيبي على ما جاء في حوار الحداثة ،وقد كانت لي وقفة طويلة عند الواقعية السحرية إذ بيَّنتُ جذورها ،وأصولها ،ثمَّ وضعتها تحت مجهر التصور الإسلامي . 
المهم أنَّ الواقعية السحرية صُرف النظر عنها بعد وضعها تحت مجهر التصور الإسلامي ،وتوضيح مدى مخالفتها لهذا التصور.
                                                                 


مواجهاتي للدكتور عبد الله الغذَّامي حول ادعائه عن أصالة الحداثة
   لقد كانت لي عدة مواجهات مع الدكتور عبد الله الغذَّامي أولها كانت في القسم الذي خصصته عن الحداثة في الجزء الثاني من فكر توفيق الحكيم تحت مجهر التصور الإسلامي ،ولقد رددتُ فيها على ما جاء في محاضرة الدكتور عبد الله الغذامي التي ألقاها في نادي المدينة الأدبي   من آراء حول أصالة الحداثة ،وقد نشرتها صفحة “أدب وثقافة” الجزيرة في عددها الصادر يوم الاثنين 15 ربيع الأول عام 1407هـ ، فقد حاول جاهداً ومجتهداً إثبات صلة الحداثة بتراثنا ،وأنَّها نابعة منه ،وليست نتيجة تأثرها بالغرب ،فالقول بأنَّ الحداثة وافدة إلينا من الغرب ،هي تهمة نسبها إليها المستشرقون.
فقلتُ رداً على هذه الأقاويل : إنَّ دراستنا المقتضبة عن الحداثة قد أثبتت خلاف ما يريد إثباته الدكتور الغذامي ،ويلاحظ أنَّ الدكتور الغذَّامي في إثباتاته قد نظر إلى شكل القصيدة الحداثية اي خروجها على التشطيرة الخليلية ،وبهذا يكون قد أغفل المذاهب والفلسفات التي تبنتها الحداثة ،وهي واضحة للعيان إنَّها وافدة إلينا بدليل تنافيها مع التصور الإسلامي ،عندما عرضناها عليه ،ووضعناها تحت مجهره ،وقد فاته أنَّ مفهومنا للحداثة لا ينصب على شكل القصيدة بقدر ما ينصب على مضامينها، فنحن لم نعترض على الشكل بقدر ما نعترض على المضمون ،ولسنا ضد التجديد ،وها هو “علي أحمد باكثير ” لم يلتزم في بعض شعره بالتشطيرة الخليلية ،ولكنه مع هذا يعد من الشعراء الإسلاميين ،لأنَّه التزم في شعره بالتصور الإسلامي ،وحافظ على لغة القرآن وبلاغتها.  
 أمَّا الحداثيون فكما بيَّنت لنا هذه الدراسة قد ابتعدوا كثيراً عن هذا التصور ،بل عادوا إلى الوثنية ،وصنعوا لهم آلهة ،,مجَّدوا الشيطان لأنَّه عصى الله ،وجعلوه مركبتهم إلى النجوم إلى آخر هذيانهم ، بل نجدهم مجَّدوا أدعياء الألوهية والربوبية أمثال الحلاَّج. 
إنَّ حماس الدكتور الغذَّامي للحداثة كان يجب ألا ينسيه مسؤوليته الدينية كباحث أكاديمي مسلم ،فبدلاً من أن يجهد نفسه في إثبات صلة الحداثة بتراثنا وأصالتنا ليبعد عنها كل ماله صلة بالتغريب لينفي عداءها للإسلام كان عليه أن يصحح من فكر الحداثيين ويخلصه من شوائب الشرك والإلحاد والوثنية والعداء للإسلام والتراث الإسلامي.
إنَّ من أهم ما ينبغي أن يدركه الدكتور الغذَّامي وتلامذته الحداثيون أنَّ الشكل العام للقصيدة الحداثية ليس هو جوهر اعتراضنا على الحداثة ؛إذ ينصب اعتراضنا عليها اعتناقها لمذاهب المادية الملحدة ومحاولاتها للعودة بالفكر العربي إلى الجاهلية والوثنية ،وإشاعة الشعوبية والدعوات الصوفية المنحرفة لتخلخل العقيدة الإسلامية تمهيداً لتقويضه لتنفذ ما يخطط له الماسونيون والصهاينة وفق ما جاء في بروتوكولاتهم كما أسلفنا.
ولم تكن هذه المواجهة الوحيدة للدكتور عبد الله الغذَّامي ،مع أنَّه لم يرد عليَّ في هذه المواجهة. 
                                                                   
مواجهتي مع الدكتور الغذامي ومرحلة ما بعد الحداثة والواقعية السحرية
بعدما تمكن عدد من الأقلام الإسلامية الواعية التصدي للحداثة والحداثيين ،والنقد البنيوي ،وكنتُ ضمن هذه الأقلام ،وقد خرج عن الحداثيين بعضهم ،وكشفوا عن أساليب الحداثيين التي يتبعونها ،وبعد فضيحة الحداثيين الكبرى ،عندما قام الدكتور الغذامي ،بتحليل كلمة “انتهت ” التي وضعها الذي طبع قصيدة حداثية ،وظنها الدكتور الغذامي أنَّها ضمن النص الحداثي، رأى الحداثيون أن يأتوا ببديل للحداثة ،فاجتمع الدكتور عبد الله الغذامي، والأستاذ عابد خزندار  ، مع بعض من  تصدوا للحداثة وهم الأستاذ محمد عبد الله مليباري ـ رحمه الله ،كما كان معهم الأستاذ يوسف دمنهوري رئيس تحرير جريدة الندوة ،وهي الجريدة التي تكاد تكون الوحيدة التي تصدت للحداثة في تلك الفترة، والأستاذ أسامة السباعي،كما شهد هذا الاجتماع الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين رئيس نادي جدة الأدبي ،ونشرت مجلة الأربعاء تفاصيل ما دار في هذا الاجتماع في العدد 253 الصادر في 26 شعبان سنة 1408هـ ،كما نشرته مجلة إقرأ في عددها رقم 670 الصادر في 26 /9 /1408هـ ،وكتبتُ تعقيباً عن هذا الاجتماع فقلتُ : 
الإسلام هو المنبع الصافي الذي ينبغي لنا أن نستقي منه لترقى كل العلوم والفنون بما في ذلك الأدب والنقد ،وإنَّني لأتساءل :
لماذا كل هذا التخبط والبحث عمَّا عند الغرب من مذاهب ومناهج أدبية لنأخذ بها ،ويوجد لدينا هذا النبع الصافي ،والمنهج الشامل المتكامل ؟
لماذا نترك المنهج الإسلامي الذي وضعه الخالق ونبحث عن فلسفات ومذاهب وضعها خلق لا يؤمون بوجود الخالق لنسير عليها بحجة تحقيق الانبهار للجلوس على مقاعد الريادة؟  
لماذا نتحايل بالألفاظ ونتناقض في الآراء ،ونتلاعب بالعبارات لنخلع على تلك المذاهب الغربية الوجودية الملحدة لباس الإسلام ،ونقول حداثة إسلامية وبنيوية إسلامية ،وهي في الحقيقة تقوم على رفض الإسلام ،ونبذه والثورة عليه ؟
 هذه التساؤلات وتساؤلات غيرها قفزت إلى ذهني وأنا أقرأ “حوار الحداثة” الذي نشر في الأربعاء في العدد 253 الصادر في 26 شعبان سنة 1408هـ ،وما نشرته مجلة إقرأ في عددها رقم 670 الصادر في 26 /9 /  1408هـ حول “الواقعية التخيلية ” .
هذا ولمَّا كان حوار الحداثة جد خطير ،ونتائجه أشد خطورة رأيتُ من الضرو رة بمكان أن أناقش ما جاء فيه مناقشة علمية وموضوعية قوامها العقيدة الإسلامية باعتبار أنَّ الإسلام ديننا وعقيدتنا ،ومنه ينبثق فكرنا وتتكون ثقافتنا وتتبلور قيمنا ؛إذ لا ينبغي فصله عن حياتنا الأدبية والفكرية ،كما لا ينبغي فصله عن سائر شؤن حياتنا الدنيوية والأخروية. 
وتكمن خطورة هذا الحوار في الآتي : 
أولاً : إحلال الواقعية السحرية ،أو “التخيلية” محل الحداثة بعدما تم كشف خطورة أهداف الحداثة ،ومدى إلحادها وبعدها عن الإسلام ،ومحاربة القرآن الكريم بإضعاف لغته حتى يصعب فهمه ،فأراد مناصرو الحداثة ،وبعض روادها في بلادنا ،وهم الدكتور عبد الله الغذَّامي ،والأستاذ عابد خزندار ،والأستاذ محمد صادق دياب أن يلبسوها لباساً آخر يدعى “الواقعية التخيلية” ،محاولين طبع هذا اللباس بطابع تراثنا العربي ،فاستبدلوا كلمة التخيل للقرطاجني بدل “السحر ” ،فصارت الواقعية التخيلية بدل الواقعية السحرية التي تمثل مرحلة ما بعد الحداثة لدى الغرب.
ثانياً : إعلان التبعية للغرب بالادعاء أنَّنا أمة لا تستطيع التنظير ،وبأنَّنا لا نستطيع أن نظهر بمظهر أدبي جديد لأنَّنا أمة نامية.
ثالثاً : التصريح بأنَّ الهدف من تبني بعض الأدباء والنقاد  السعوديين للمذاهب الأدبية الغربية كالحداثة والبنيوية ،ثمَّ الواقعية السحرية والتخيلية هو لتحقيق انبهار الشباب العربي لتكون لنا الريادة الثقافية.
رابعاً : تحويل دفة الحوار حول الحداثة ” كمصطلح لغوي” ،وليس كمذهب فكري يمس العقيدة ،وبذلك بعد المتحاورون عن جوهر الخلاف “مضمون الحداثة وأهدافها” ،وانشغلوا بالمصطلح ،والبحث عن مصطلح آخر كبديل للمصطلح “حداثة” فطرح الأستاذ عابد خزندار ” الواقعية السحرية ” الذي كان يمهد لها ،وأيده الدكتور الغذَّامي مستبدلاً كلمة “السحرية” بِ ” التخيلية” ،وكأنَّ هناك اتفاقاً مسبقاً بينهما بجعل الواقعية السحرية البديل للحداثة.
 لذا وجدتُ أنَّ واجبي الديني يلزمني مناقشة ما جاء في هذا الحوار لتوضيح مخاطره ومغالطاته ومتناقضاته.
ولمَّا كان الدكتور عبد الله الغذَّامي هو المستحوذ على معظم الحوار فتقرر في نهايته ما يريد ،وتُرك له تقرير تصورات هذه الواقعية ،ولخطورة ما قاله في هذا الحوار ،فسأبدأ بمناقشته ،وليأذن لي بهذا النقاش ؛ إذ استوقفتني هذه العبارات :
1. قصر مفهوم الحداثة على التجديد فيقول : “… فالحداثة في أصلها مصطلح غربي ..حركة غربية … فعل غربي إن كنا من حيث الممارسة … نمارسه منذ إمرئ القيس إلى حسَّان بن ثابت إلى شعراء المحدثين في العصر العبَّاسي والشعر العربي كله إلى يومنا هذا بما فيه أحمد شوقي ،وحافظ إبراهيم ،وكل شاعر يحاول أن يكون حديثاً عن الشاعر الذي سبقه ،فكانت الممارسة على المستوى التطبيقي قائمة ،ولكنها لم تكن قائمة على المستوى التنظيري..”
2. الإصرار على إبقاء مصطلح الحداثة والاعتراف بأنّه ترجم البنيوية التشريحية بهدف تحقيق الانبهار للشباب العربي ليرتقي مراتب الريادة ،فيقول الدكتور الغذّامي : ” أنا أصر على بقاء حاثة لسبب ليس من أجل الجانب الأكاديمي ،إنَّما الذي أراه مسؤوليتنا نحن ليس أمام المجتمع السعودي ،بل أعتقد أنَّ مسؤوليتنا أمام المجتمع العربي والإسلامي كله ،وأمام التاريخ ” ،ثُمَّ يستطرد قائلاً : “في الظروف الاقتصادية التي مرَّت بها بلادنا استطاعت بلادنا أن يكون لنا قيادة  سياسية في العالم العربي … قيادة اقتصادية .. قيادة كلمة … أيضاً لصحافتنا اليوم دور ريادي ليس موجوداً في كل الصحف العربية لن تجدوا حواراً عن الحداثة أو البنيوية ،وما بعد الحداثة ،أو ما بعد البنيوية لا يوجد … ،ومصطلح ما بعد الحداثة لم يطرح قط في أية صحيفة عربية إلاَّ في صحافتنا ،ورائده الأستاذ عابد خزندار ” ويستطرد قائلاً : “حوار حول الحداثة بهذا العنف لم يطرح في أي مكان ،وإن طرح فقد كان طرح على جانب شكلي في الأربعينات والخمسينات ثُمَّ اختفى”. ثُمَّ يتحدث الدكتور الغذَّامي عن البنيوية التي ترجمها إلى العربية ،وكيف أنَّ الإخوة العرب انبهروا بها ،فيقول : ” … البنيوية التشريحية أنا ترجمتها ليست موجودة في صحافة عربية ،والأخوة العرب الذين جاءوا إلينا بهروا تماماً ان يوجد في صحافتنا هذا التناول … صحيح أنَّ هناك سلبيات كثيرة ،ولكن هذه حتمية لا تستطيع أن تسيطر على طباع البشر ،ولكن الناتج الإيجابي كان حواراً من مختلف تحت ريادته عندنا ،أي أنَّه لم يطرح في مصر أولاً ،ولبنان مثلاً ،بل العكس نحن الذين أقمنا هذا الحوار ،وصحافتنا في هذه المسألة رائدة ،وسيكتب التاريخ الصحفي بعد فترة ،نحن هذه الريادة ، ونحن لا نتبينها الآن لأنَ نا الآن في المعممة ،ولكن الزمن سوف يتبنها ويدركها”.
3. القول بالمزاوجة بين النقيضين الإسلام والحداثة ،فيقول : ” إنَّ المجتمع العربي والثقافة العربية عامة متعاطفة مع الحس الإيماني المخبؤ فيها ،هل نستطيع أن نجمع بين هاتيْن العاطفتين ،هذا السؤال الذي أقوله ،وهو منصب فقط على إنقاذ الحداثة من البلبلة التي هي فيها … “
4. رفض الدكتور الغذَّامي لحداثة أدونيس ،ويوسف الخال ،فيقول : ” وإن أي داخل على الحداثة من خلال الثابت مرفوض مثل ما رفضنا أدونيس ويوسف الخال الذين هم لهم انتماء للحزب القومي السوري ،ويريدون تطبيق عقلية هذا الحزب على الغايات التي ينشدونها ،وهي غايات لا تختلف عن غاياتنا كل الاختلاف عروبياً وإسلامياً “.
5. القول بأنَّنا أمة لا تستطيع التنظير ،إذ يقول في هذا الصدد : ” … هناك قضية أريد أن أضعها مقدمة لما سأقوله إنَّه في مجال الأدب والعلوم بعامة الذي يحدث أنَّنا لا نستطيع التنظير ،هذه عملية مستحيلة الذي نفعله أن نستقرأ النظرية الذي يقرر عادة الإبداع…
6. يستمر الدكتور الغذَّامي في إعلانه التبعية للغرب ، فيقول : ” والأستاذ عابد “يقصد عابد خزندار ” طرح مفهوم “الواقعية السحرية” أي ما بعد الحداثة ،وكما ذكرتُ في البداية نحن في حرج عندما نتحدث عن الحداثة والغرب مضى وسار ،ونجد أنفسنا بعد عشر سنوات أنَّنا نتكلم في كلام تجاوزه الزمن ،فنختلف مرة أخرى كما نختلف عادة … يذهب الغرب ،ونلحق به ،وبدلاً من أن نلحق بالغرب علينا أن نستبق الأحداث ،وأمسك بالخيط الذي قاله الأستاذ “عابد عن الواقعية السحرية…”
7. ثُمّ يستطرد قائلاً محاولاً إلباس الواقعية السحرية لباساً تراثياً ،فيقول : ” لقد أعجبني القرطاجني حيث استطاع أن يجمع بين المد الفلسفي ،والمد البلاغي ،ويخرج بمزيج معرفي من هذيْن التياريْن ،وطرح مصطلح التخيل ،وعرفه تعريفاً خاصاً به ،ومتميزاً ،وهو يصدق اليوم على الواقعية السحرية تماماً لأنَّ التخيل واقع سحر أو سحر واقع ،ثُمَّ يقول: ” لو أخذنا هذا المصطلح “التخيل” ،وقلنا “التخيلية” ،وبنينا على هذا المصطلح مستندين على أسس ومبادئ توثق العملية الإبداعية ،واستند هذا على النصوص القائمة ،وعند نصوص قائمة فعلاً ..” 
هذا أهم ما جاء في حديث الدكتور الغذامي في هذا الحوار ،وقبل أن أناقش ما قاله أود أن أوضح حقيقة هامة ،وهي أنّ َ قاعدة هذا النقاش العقيدة الإسلامية ؛إذ ستوضع أقواله تحت مجهر العقيدة الإسلامية ،مع وضع في الاعتبار الآتي : 
1. الحداثة في المملكة العربية السعودية ،وموقف الدكتور الغذَّامي منها.
2. تناقض ما قاله في هذا الحوار عمَّا قاله من قبل ،ونادى به.
3. موقف الدكتور الغذامي من أدونيس الذي أعلن رفضه له في هذا الحوار ،ومن مجلة كلمات التي لا تختلف عن مجلة شعر التي أعلن رفضه لها في هذا الحوار.
4. الواقعية السحرية ،تعريفها ،وبيان خطورتها على مستقبل الإنسان العربي المسلم إن اعتمدت كمنهج أدبي ،وصار عليها الدباء ،فهي والحداثة سواء.
5. تعميق مفهوم الريادة وتصحيحه ،أمَّا الريادة لا تكون بالاتباع والتقليد ،وإنَّما تكون بالتحرر من التبعية فتكون المُقلَّد لا المُقَلِّد .
 هذا وقد بيَّنتُ في هذا النقاش مدى تناقض الدكتور الغذامي في تصريحاته ،فتارة يقول الحداثة لا تعني التجديد ،وتارة يقول هي التجديد ! ومتى يقول إنَّها التجديد؟ 
       
     عندما يتناقش مع معارضي الحداثة كما حدث في الحوار الأخير ،ويقول إنَّها لا تعني التجديد عندما يكتب للحداثيين كمجلة “كلمات” ،وهذا التناقض ،والتلاعب في الألفاظ لتحقيق مآربه ،يذكرني بالأستاذ توفيق الحكيم ـ رحمه الله ـ الذي يناقض نفسه من أجل أن يخدم الفكرة التي يطرحها. ولقد ناقض الدكتور الغذَّامي نفسه للمرة الثالثة في هذا الحوار عندما قال عن رؤيا البعض للحداثة ربطها بالفرد ،مع أنَّ المفروض ان تكون مفهوماً جماعياً زمانياً، ومادامت الحداثة في نظره هي مفهوم جماعي ،وهذه هي الحقيقة لأنَّ حداثة أدونيس ويوسف الخال هي بذاتها حداثة صلاح عبد الصبور ،وأمل دنقل ،وبدر شاكر السيَّاب ،وعبد العزيز المقالح ، وهي حداثة سعيد السريحي ، والصيخان والحربي ،وعلي الدميني ،والدكتور عبد الله الغذَّامي ،وأحمد عائل فقيه ،وخديجة العمري ،وفوزية بو خالد ،والفريق الحداثي كله ينسبها إلى الفرد ،فيقول : ” حداثة أدونيس ويوسف الخال ،وحداثة السريحي ،وحداثة نازك الملائكة”.
خلاصة القول : أنَّ مفهوم الحداثة ليس التجديد ـ كما ادعى الدكتور الغذَّامي ـ في الحوار الأخير ،وإنَّما هي عقيدة ومذهب فكري يقومان على الثورة على كل ما هو إسلامي ،والجرأة على الذات الإلهية ،وإدعاء الألوهية والشرك بالله ،وتبني الأساطير القديمة الوثنية ،وإثارة الغموض ،والإباحية وإلغاء روحانية الإنسان ،والنظر إليه نظرة مادية بحتة ،ومحاربة القرآن الكريم بإضعاف لغته ،وتقويض دعائمها ،وذلك بزلزلة كيان الشعر العربي باعتباره ديوان العرب .
أمَّا عن قول الدكتور الغذامي أنّه يرفض حداثة أدونيس ،ويتبرأ منه ،فقال هذا القول ليخدع معارضي الحداثة المجتمعين معه ،فقد سبق وأن  صرَّح لجريدة الشرق الأوسط في الحوار الذي أجرته معه ،ونشر في العدد الصادر يوم الثلاثاء الموافق 14/7/ 1987م أنَّ أدونيس مدرسة رائعة ومتميزة ،ولم ينكر على أدونيس إلحاده ،وقوله بقتل الله ليتحرر منه ـ تعالى عمَّا يصفون ـ كما أنَّه لم ينكر عليه انتماءاته الحزبية القومية ،والتي أعلن رفضه له أمام مناهضي الحداثة، وكان السؤال الذي وجهته له جريدة الشرق الأوسط هو:
كيف ترى مستقبل الحداثة الفنية التي يتبناها التيار التجريبي بريادة أدونيس ؟ وهل يمكنها أن تفرض نفسها كاتجاه أساسي في حركة الشعر العربي الحديث ،ولماذا؟ 
فأجاب الدكتور الغذَامي : 
“يبدو لي أنَّ مسألة  أدونيس والأدونيسية مسألة في غاية الحساسية ،وقد يكون أدونيس شاعراً متمكناً ومثقفاً ،واسع الاطلاع ، واطلاعه هنا منبثق من معرفته الوثيقة بالثقافة العربية التقليدية ،مثل ما هو وثيق المعرفة بالثقافة الغربية الفرنسية والإنجليزية .. فمن هنا تأتي تجربة أدونيس ،وكأنَّها مكونة من عجينة غريبة الأطوار ،ولكنها واثقة من نفسها ،وأقف عند تجربة أدونيس بذاته كشخص ،ولكن عندما تنتقل إلى الاخرين الذين تأثروا بأدونيس نجد أنهم لا يملكون القدرات والرؤى والنوايا التي عند أدونيس ،لذا يقعون بشكليات التجربة الأدونيسية دون أن يدخلوا في أعماقها ،أو في بواطنها ،وهذا الذي يحدث خللاً كبيراً في الاتجاه الأدونيسي ،وفي القصيدة الأدونيسية عند غير أدونيس ممَّا يجعلها تخفق ،ولا تبلغ الغايات التي يبلغها أدونيس نفسه” ثمَّ يقول عن أدونيس : ” …فهو سيظل مدرسة متفردة ،صحيح أنَّها مدرسة متميزة ،ورائعة ،لكن خروجها على السياق العربي خروج كبير جداً لا يمكن السياقات التالية لها من الصمود والبقاء داخل جسد القصيدة العربية “.
هذا هو رأي الدكتور عبد الله الغذّامي في أدونيس ؛إذ لم ينكر عليه شيئاً ،واعتبره مدرسة رائعة ،ومتميزة ،كما أنَّه لم ينكر على صلاح عبد الصبور ،وأمل دنقل والسياب والبياتي إلحادهم.
إذاً ما قاله الدكتور الغذامي في “حوار الحداثة” للتضليل والتموية ليزيل الهوة بينه وبين المناهضين للحداثة ممن شلركوا في الحوار….
  هذا بعض ما كتبته في تعقيبي على ما جاء في حوار الحداثة ،وقد كانت لي وقفة طويلة عند الواقعية السحرية إذ بيَّنتُ جذورها ،وأصولها ،ثمَّ وضعتها تحت مجهر التصور الإسلامي . 
المهم أنَّ الواقعية السحرية صُرف النظر عنها بعد وضعها تحت مجهر التصور الإسلامي ،وتوضيح مدى مخالفتها لهذا التصور.

الدكتور الغذّامي والبنيوية
كما مرَّ بنا فقد صرح الدكتور الغذامي أنَّه أتي بالبنيوية من الغرب ليبهر بها شبابنا. ولقد  جاء بها من زاوية مذهب الفن للفن ؛إذ لو قومها من المنظور الإسلامي لوجدها تلغي وجود الخالق ،وتعتبر النفس الإنسانية شيء من الأشياء يسري عليها ما يسري على الأشياء من قوانين الحتمية كما يقول ليفي ستراوس، ولقد بيَّنتُ هذا في دراسة لي للبنيوية ،وكتاب الخطيئة والتكفير ،التي بيَّنتُ فيها مدى مخالفة البنيوية للتصور الإسلامي ،كما بيَّنتُ في هذه الدراسة إنّ الدكتور الغذَّامي قد نظر إلى المرأة نظرة توافق ما جاء في النصوص الإسرائيلية الأولى ؛إذ ألحق بها تهمة الخطيئة التي أزالها عنها الإسلام ،فقد ورد في مستهل الإصحاح الثالث من السفر الأول “سفر التكوين ” إنَّ المرأة وحدها هي التي أغوت الرجل وأغرته بالخطيئة ،فجاء هذا النص : ( فقال آدم للرب : المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت …الخ النص ) ،بينما الإسلام أزال عن المرأة هذه التهمة ،يقول تعالى في سورة طه  : (  فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ،فأكل منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة . وعصى آدم ربَّه فغوى .ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) فالنص القرآني واضح ،وبه براءة حواء من تهمة الخطيئة الأزلية ،وهنا أسأل ألم يقرأ الدكتور الغذامي هذه الآيات حتى يلحق تهمة الخطيئة الأزلية بحواء ،متأثراً بما يردده اليهود والمسيحيون؟
وبالرغم من مخالفة البنيوية للتصور الإسلامي ،بل إنكارها لوجود الخالق نجد الدكتور عبد الله الغذَّامي ،قد طبّق هذا المنهج على بعض النصوص القرآنية ،وهذه جرأة ما بعدها جرأة على كتاب الله ،وكلام الله ،ويدلل بكلام “بياجيه “فيقول  في صفحة 32: 
” والجملة لا تحتاج إلى مقارنتها مع أي وجود عيني خارج عنها لكي يقرر مصداقيتها ،وإنَّما هي تعتمد على أنظمتها اللغوية الخاصة بسياقها اللغوي ،ففي قوله تعالى : ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين) نحن لسنا بحاجة إلى الوجود العيني للشياطين كي ننفعل بهذه الآية ،فالجملة هنا تقوم بتأسيس انفعالها في نفس المتلقي عن طريق طاقتها التخييلية الذي هو التحكم الذاتي في لغة “بياجيه” بأن تعتمد البنية على نفسها لا على شيء خارج عنها ،وهذه النظرة التكاملية في تصور الوحدة “تخدم في تقديم العمل الأدبي لا على أنَّه ناقلة للمعنى ،ولكن على أنَّه قيمة جوهرية ذاتية التولد ،وذاتية التحول ،وبشكل مطلق على أنَّه كل ذاتي الاعتبار ،ولا حاجة إلى ما هو خارج حدوده ليقرر طبيعته ،وهذه هي البنية في مصطلحات بياجيه ” 
 والدكتور الغذَّامي بقوله هذا قد وقع في محظور عقدي خطير ،فهو لم يكتف بإخضاع القرآن الكريم للنقد البنيوي ،بل نجده صرَّح أنَّ القرآن، أو نص الآية ذاتي لا يخضع لمرجعية خارج حدوده أي أنكر مرجعيته إلى الخالق جل شأنه ،,هو بالطبع لا يقصد ذلك ،ولكن تطبيقه لمنهج ينكر وجود الخالق ،ولا يتفق مع ديننا أوقعه في هذا المنزلق العقدي دون أن يقصد ،وهذا أكبر دليل على مدى خطورة تطبيق مناهج الغرب على ديننا ومعتقداتنا وقرآننا وفكرنا وأدبنا على علاتها قبل أن نعرضها على الإسلام ،ونعرف مدى توافقها ،ومدى مخالفتها له قبل الأخذ بها وتطبيقها ،والسير على نهجها.
هذا ما صرحتُ به لإحدى المجلات العربية عندما سئلتُ عن البنيوية وفكر الدكتور الغذَّامي.

الدكتور الغذامي والخطاب اللغوي الأنثوي
   عندما قرأتُ كتاب المرأة واللغة للدكتور عبد الله الغذَّامي في شهر رجب عام 1418هـ الموافق نوفمبر عام 1997م ،لم أنم حتى كتبتُ ردي عليه ،كنتُ أواصل الليل بالنهار ،أنام بضع ساعات  والقلم بين أناملي  والورق أمامي  ،ثمَّ استيقظ وأكمل ما كتبته ،حتى أتممتُ ردي عليه واستغرق هذا مني سبعة أيام بلياليهنّ ،وبعدما انتهيتُ من كتابته صرتُ مريضة من شدة الإرهاق والإعياء ،فقد هالني ما كتبه ،فهو ينادي بإيجاد خطاب لغوي خاص بالمرأة ،واللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ،وهي لغة توقيفية ،وأي مساس بهال فيه إفساد للدين ، فمعظم الأحكام والتشريعات جاءت بصيغة العموم تشمل الذكور والإناث ،وإيجاد خطاب لغوي خاص بالمرأة ،سوف يسقط بمرور الزمن  كل هذه الأحكام عن المرأة لأنّ الخطاب فيها لم يوجه إليها، ورأيتُ أن أن أنشر هذا الرد في جريدة المسلمون ،ولكن وجدتُ هناك مجاملة للدكتور الغذَّامي ،إذ قالوا لي أكتبي في مقالة واحدة ردك ، وندعوا الدكتور الغذَّامي أن يرد عليك ،فتردين عليه ،وهكذا ،فقلت لهم : وإذا لم يرد ،يقفل باب الحوار ؟ ولمَ أكون تحت رغبته ؟ ،أنا أقول رأيي فيما كتب، وأنبّه إلى خطورة دعوته ،والدكتور عبدا لله الغذّامي عندما تناول قضية المرأة واللغة تناولها من المنظوريْن البنيوي والفرويدي فابتعد بذلك عن المنظور الإسلامي ،بل أقصى الدين تماماً ،مع أنَّ قضية اللغة العربية وثيقة الصلة بالدين الإسلامي لأنَّها لغة القرآن الكريم ،وأي مساس بها مساس  بكتاب الله وما فيه من تشريعات ،ومن هذا المنطلق جاءت قراءاتي لكتاب المرأة واللغة ،والذي أود أود أن أؤكده إنَّني أكنُّ كل تقدير للدكتور عبد الله الغَّذامي، وإن كنتُ اختلف معه في الرأي والمنهج ،فأنا لستُ ضد النقد الثقافي لأنّ كتاباتي الاجتماعية تدخل في نطاق هذا النقد ؛إذ طرحتُ مختلف القضايا الاجتماعية ،وبيَّنتُ أسبابها وناقشتها من المنظور الإسلامي مبينة السلبيات وكيفية القضاء عليها ،ولكن أرفض التعرض إلى لغة القرآن الكريم . 
 وإن شاء رد ،وإن شاء لم يرد ،وبعثتُ بردي للأستاذ أسامة السباعي ،وكان وقتها رئيس تحرير جريدة المدينة ،فنشره على سبع  حلقات في ملحق الأربعاء  ابتداءً من 26 رجب عام 1418هـ الموافق 26 نوفمبر عام 1997م،وبَّنتُ في هذه الدراسة خطورة دعوة الدكتور الغذَّامي ،فقد أقصى الدين واستند على نظرية فرويد ” أنّ المرأة رجل ناقص ،وأنَّ المرأة تعاني من نقص عضو الذكورة “ومحاولته إثبات صحتها أوقعه في محاذير عقدية ،ومغالطات دينية وتاريخية ولغوية ،وسأبين هذا في الآتي : 
أولاً : القول بأنَّ المرأة تعاني من عضو الذكورة يتناقض مع قوله تعالى : ( وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ،فالله جل شأنه لم يقرر أنَّ المرأة خلقت ناقصة عضو من الأعضاء فهي كاملة الخلقة مثل الرجل ،واختلاف النوع لا يعني نقصان الخلقة لأنَّ لكل نوع مهمة في الحياة خلق من أجلها ،وخلقه الله على الهيئة والكيفية التي تؤهلها للقيام بها ،فالزوجية من سنن الكون ،والله خلق من كل شيء زوجيْن يقول تعالى : ( ومن كل شيء خلقنا زوجيْن لعلكم تذكَّرون) ،فالله جلَّ شأنه جعل الزوجية أساساً لنظام هذا الكون وعمارته ،ونظام الزوجية يشمل كل ما في الكون من إنسان وحيوان ونبات وجماد ، فوجود عنصريْن أو جنسيْن يدل على أنَّ كلاً منهما يكمل الآخر فلا تستقيم الحياة وتكتمل وتتواصل إلاَّ بوجودهما معاً يؤدي كل منهما وظائفه ،والله خلق الإنسان من ذكر وأنثى ،وكل منهما محمَّل بأمانة الاستخلاف ،ولكن لكل منهما مهمة ،ومهمة الأنثى تختلف عم مهمة الذكر ،ولو تماثلا في المهام لما استقامت الحياة ،وعمر الكون، واختلاف الوظائف ترتب عليه اختلافات في التكوين النفسي والعاطفي والجسدي ،فالمرأة ليست كالرجل من حيث الأعضاء ،ومن حيثُ العاطفة ،ومن حيثُ القدرة على تحمل المشاق ،فالمرأة مكلفة بالإنتاج البشري والعناية به وتربيته ،وقد خلقها الله على القدرة والهيئة والكيفية التي تؤهلها لذلك ،وزوَّدها بطاقات وقدرات وانفعالات تساعدها على القيام بمهمتها ،والرجل مكلف بالإنتاج المادي لتوفير ما يحتاجه الإنتاج البشري ،وأهلَّه الله جلَّت قدرته للقيام بدوره نفسياً وعاطفياً وجسدياً ،ولذا كان الذكر ليس كالأنثى كما أخبرنا بذلك جلَّ شأنه في قوله تعالى : ( وليس الذكر كالأنثى)
وإن كان الدكتور الغذَّامي استدل بالشواذ من النساء اللواتي تسميْن بأسماء رجال ،مثل “جورج صاند ” ،وانتحال شخصيات رجال كإليوت ،فهناك من الرجال من تشبَّه بالنساء مثل “مايكل جاكسون” ،فهل لديه عقدة نقص عضو الأنوثة؟ ما الهذيان الذي يقوله الدكتور الغذَّامي على لسان فرويد ؟ وكيف يبني نظريته على مثل هذا الهذيان؟
ثانياً : استناده على نظرية فرويد هذه بقصص رجاء عالم القائمة على تناسخ الأرواح أوقعه في مزالق عقدية ،لأنَّ المعروف أنَّ عقيدة تناسخ الأرواح تنافي العقيدة الإسلامية ،وهي تمثل عقيدة بعض الفرق الباطنية كالنصيرية ،وهي مأخوذة من العقائد البوذية والمجوسية ،وقد اعتبر قصص “رجاء عالم ” كقصة الأصلة التي تقول فيها : إنَّ روح ابن طفيل عندما غادرت جسد ابن طفيل ،رحلت من الأندلس ،وحلَّت في مكة المكرمة ،وحلَّت في جسد أنثى بتوُلد هي فاطمة المكية، واعتبر الغذَّامي هذه القصة ومثيلاتها غاية الإبداع .
ثالثاً : أوقعه هذا في مغالطات دينية ،ولم يورد اهتمام القرآن بالأنثى ،وتتبعه لحياتها منذ لحظة ميلادها حتى يواريها التراب ،وأنَّه خصَّها بالخطاب ،كما خصَّ الرجل في مساواتها له في الثواب والعقاب ،وفي التكاليف كقوله تعالى : (  يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) ،وقسمه بالأنثى كما أقسم بالرجل : ( وما خلق الذكر والأنثى) ،وقوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ،وقوله جلَّ شأنه : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مائة جلدة …)،والأمثلة كثيرة لا حصر لها إضافة إلى تبرئة الله للسيدة عائشة من الإفك وأورد براءتها في القرآن، وتزويج الله للرسول من زينب بنت جحش رضي الله عنها ،وردت في القرآن قصص كثير من النساء ،وردت في القرآن ،ووجود سورة مريم وسورة النساء ،كل هذا يدحض مقولة مي زيادة ” إنَّنا نكتب بلغة لسنا فيها ” ،والتي استند عليها الدكتور الغذَّامي في إثبات نظرية فرويد.
رابعاً :  أوقعه استناده على هذيان فرويد في مغالطات تاريخية ،إذ تجاهل ما أحرزته المرأة المسلمة من إنجازات عبر عصور الإسلام ليثبت أنَّ المرأة مسلوبة الإرادة مكممة الفاه لا تتحدث إلاَّ إذا أذن لها الرجل ،وأنَّ الرجل هو الذي يهبها آلة الكلام “اللسان” ،وهذا يتنافى مع ما جاء في القرآن لأنَّ الله هو الذي خلق الإنسان ،وخلق له لساناً وشفتيْن ،وهو الذي علَّمه البيان ،ونجد الدكتور الغذَّامي عندما يستشهد بموقف إيجابي للمرأة عبر التاريخ يذكر الجارية ” تودد ” التي حصلت على ما تريده ليس بعلمها وفكرها وثقافتها ،وإنَّما باستخدامها سلاح جمالها ،وافتتان الرجل بهذا الجمال .
خامساً : المغالطات اللغوية وأوقعه هذا في بعض المحاذير لأنَّه اعترض على الخطاب اللغوي للزوج بزوج ،وهو هنا يلمح إلى الخطاب القرآني لأنَّه لم يرد لفظ زوجة في القرآن ،وإنًَّما يُشار إلى الزوجة “بزوج” ،وذلك تأكيداً للماثلة والتكافؤ ( ولهنَّ مثل الذي عليهنَّ).
 كما نجده أخضع اللغة للمنطق ،وهذا لا يقره اللغويون لأنَّ من المسلمات عدم خضوع اللغة للمنطق ،فمثلاً جاء في قوله تعالى : ( وجاءت الرسل) ،هنا ألحقت تاء التأنيث بجمع تكسير للمذكر ،وهناك أسماء ذكور تنتهي بتاء التأنيث مثل : شوكت ،طلعت، بهجت، ،أو تنتهي بتاء مربوطة دالة على مؤنث ،مثل : حمزة ،عرفة ، عطية ، صدقة ، والأمثلة كثيرة .
سادساً : وقع الدكتور الغذَّامي في خطأ كبير عندما احتج على نسبة الأولاد لآبائهم مع أنَّ الله جلّ شأنه أمر بذلك حفظاً للأنساب ،يقول تعالى : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) 
كما نجده جلَّ شأنه نسب الأولاد إلى آبائهم فقال : (بني إسرائيل) ،(مريم ابنة عمران) ، ( يا بني آدم ) ، ( إل يا سين ) إلخ…
 وهكذا نجد أنَّ أخذ مناهج الغربيين المخالفة لديننا يوقع في كل هذه المحاذير والمغالطات ،وكم أتمنى أن يراجع الدكتور الغّذامي نفسه ،وأن يصحح منهجه ،والذي يتبين لي أنَّه إلى الآن مصرٌ على ما يدعو إليه رغم أنَّني نبَّهتُ إلى هذه لأخطاء في دراسة لكتبه ” المرأة واللغة ” نُشرت على سبع حلقات في مجلة الأربعاء التي تصدرها جريدة المدينة ،ومع هذا قدَّم في مؤتمر الأدباء السعوديين بحثاً يحوي مضمون كتابه “المرأة واللغة ” ،وقد نبَّهتُ في مداخلتين في هذا المؤتمر خطورة ما جاء في كتابه ،وقد ذكر الدكتور محمود زيني في هذا المؤتمر إنَّه بعد الجلسة التي ألقى فيها بحثه ،وبعد مداخلتي له ،قالوا له إن النقد الثقافي الذي أتى به أخطر من البنيوية،ولكن الدكتور الغذامي الذي كان حاضراً لم يعقب ،ولم يرد على ما ذكر، كما وجدته في برنامج تلفازي يكرر ما قاله في كتابه ،كما فوجئتُ به في مؤ تمر مائة عام على تحرير المرأة الذي عقد في القاهرة في 23-28 أكتوبر عام 1999م يردد ذات القول ،وكانت لي مواجهة معه سأحدثكم عن تفاصيلها عند حديثي عن مواجهاتي مع العلمانيين والحداثيين في الندوات والمؤتمرات .
المهم أنَّ الدكتور الغذَّامي لم يرد عليَّ  كعادته ،وعادة جميع الحداثيين  ،كما أنه لم يرد عليَّ عندما واجهته في مداخلة  في مؤتمر الأدباء السعوديين الثاني الذي عقد في مكة المكرمة حول دعوته إلى خطاب لغوي أنثوي ،ومن خلال مواجهتي له في مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة الذي عقد في القاهرة  ،فمن خلال مواجهاتي مع الحداثيين والعلمانيين تبيْن لي أنَّ  جميعهم لا يردون على من يواجههم ،فحججهم ضعيفة واهية ،إنَّهم يقفون على أرض هشة ضعيفة لا يقوون على المواجهة والصمود، وإن واجهتهم في الملتقيات والمؤتمرات ،فإمَّا يتجاهلون أسئلتك أو مواجهاتك ،وإمّا ينكرون ما قالوه .
هذا وقد نبَّهتُ إلى خطورة دعوة الخطاب اللغوي الأنثوي في دراسة موجزة قدمتها في مؤتمر لسان العرب الذي عقد في القاهرة عام1999م.
                                                                          
              تعقيبي على مكاشفات الأستاذ عابد خزندار
لقد أجرى الدكتور عبد العزيز قاسم عندما كان مشرفاً على ملحق الرسالة الذي تصدره جريدة المدينة كل جمعة مكاشفات مع الأستاذ عابد خزندار ،وكان لي تعقيب على هذه المكاشفات نُشر على ثلاث حلقات في ملحق الرسالة قلتُ فيه :
 لقد تتبعتُ باهتمام بالغ مكاشفات الأستاذ عابد خزندار ،وفي البداية أود أن أحييه على وضوحه وصراحته وجرأته في التصريح بآرائه رغم أنَّه يدرك أنَّ يتحدث إلى صحيفة إسلامية ،كتابها ومعظم قرائها إسلاميون ،وآراؤهم يختلف في معظمها معهم ، في حين نجد الكثير ممن يحمل آراءً مناهضة للفكر الإسلامي ومنهجه يصرحون للمصادر الإسلامية خلاف ما يصرِّحون به لمصادر حداثية وعلمانية ،فأولئك منافقون يظهرون خلاف ما يبطنون ،ولكن الأستاذ عابد خزندار لم يكن منافقاً في هذه المكاشفات، ولم يظهر خلاف ما يبطن ،فأنا أحييه على هذا الموقف ،وكان لا بد من هذه الوقفة عند هذه الصفة ، التي يتجرَّد منها من يسير على نهجه. 
هذا وإن كنتُ اختلف مع الأستاذ عابد خزندار في الفكر والمنهج ،وأخالفه الرأي في عدة قضايا ذكرها في مكاشفاته ،والتي سوف التوقف عندها:
1- ما ذكره عن سلامة موسى، وابن رشد ،ورجاء عالم.
2- إطلاقه على باريس عاصمة النور، والعاصمة الثقافية الأولى في العالم.
3- ما ذكره عن أدونيس أنَّه من أعظم شعراء العرب، وأنَّه قمة.
4- موقفه من سلبيات الحداثة.
5- ما ذكره عن الواقعية السحرية، وألف ليلة وليلة.
ولكن اتفق معه في قوله :”لا يوجد رجل دين في الإسلام بالمعنى الديني الكهنوتي.” وفي قوله:
 -أنَّ “هناك فرقا بين الجدة والحداثة ، الجدة وجدت وستوجد دائما أما الحداثة فكانت موضة وانتهت ودعني أتساءل هنا لماذا نحن نستشرف الحداثة ؟ إنَّ الظروف التي نشأت فيها الحداثة في أوروبا كانت نتيجة لسيطرة دولة المؤسسات بحيث أصبحت دولة المؤسسات هي قوة خانقة للحريات تحول معها الفرد إلى مجرد رقم.. لقد سلبته من فرادته، ومن هنا جاءت الحداثة ثورة ضد المؤسسات وهذا لم يكن عندنا نحن على الإطلاق”
 كما اتفق معه في قوله : ” الحداثة هي مصطلح غربي ولا يبدو منطقيا ربطها بجذور في تراثنا العربي والإسلامي”،  فالقول إنَّ أبي تمام من الحداثيين قول مرفوض ،لأنَّ أبا تمام ـ كمال قال الأستاذ خزندار ـ كان مجدداً ،ولم يكن حداثياً ،فالحداثة قادمة من أوربا فكيف  نصف أبا تمام بأنَّه كان حداثياً .
كما أحييه وأوافقه على ما قاله في مقدمة الجزء الثالث من مكاشفاته عن المواطنة، وتنديده بالحملة الصحفية التي تشنها جريدة البلاد في هذه الأيام،  بالخلط بين الإقليمية الضيقة والوطنية والتي تؤدي كما قال إلى” تفرقة لأبناء الوطن وخاصة في هذا الوقت الذي ترتفع فيه أصوات اللوبي اليهودي وبعض الكونجرس بالمطالبة بتقسيم المملكة. فأنا أتفق تماماً مع الأستاذ عابد في هذه القضية ،وهي قضية جد هامة وخطيرة ،فنحن أبناء وطن واحد ،وأبناء أمة واحدة ،وأساس التفاضل بين الناس في الإسلام ليس الانتماءات القبلية ،وإنَّما التقوى ،يقول تعالى : ( يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم) ،والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي وأعجمي ،ولا أبيض ولا أحمر إلا بالتقوى ) وعندما قدم إلى المدينة ،أول أساس وضعه للدولة الإسلامية أنَّه قضى على النعرة القبلية بمؤاخاته بين الأوس والخزرج ،وأطلق عليهم الأنصار ليقضي على أية نزعة قبلية ،فلم ينسبهم إلى قبائلهم ،وإنَّما نسبهم إلى مؤازرتهم له ومناصرته للإسلام ،أي جعل انتسابهم إلى موقفهم الذي ينمي عن تقواهم ،وليس إلى قبائلهم ،ولكن للأسف الشديد يوجد بين أبناء البلد الواحد من تتملكه هذه النعرة القبلية الجاهلية ،والمؤلم أنَّه ينظر إلى الحجازيين نظرة دونية ،وأنَّه أجنبي ،رغم أنَّ هذا الحجازي قرشي أو أنصاري ،وقد آلمني كثيراً عندما قالت إحدى الأخوات المحاضرات في المؤتمر التاسع لندوة الشباب العالمي ،وهي تحمل شهادة دكتوراة من إحدى الجامعات الأمريكية قولها :علينا أن نفتح الحوار مع الآخر ،فلا مانع من أن نحاور الحجازيين …إلخ ” أنا عندما سمعتُ هذه الكلمات صُعقت ،فنحن الحجازيين بات شأننا شأن الغرب حتى يُقال عنا في بلدنا بِ”الآخر”؟ وقد طلبتُ المداخلة ،ولكن للأسف الشديد مديرة الجلسة تعمَّدت عدم إعطائي فرصة المداخلة، وذلك لأنِّي عندما عاتبتها على عدم إعطائي فرصة المداخلة مع أنَّي قدَّمتُ لها الطلب بنفسي في وقت مبكر من المحاضرة ،كانت حجتها أنِّي أطيل في مداخلاتي فالمحاضِرة إنسانة مثقفة ،وذات توجه إسلامي، وأجُلها واحترمها كثيراً ،ولكن للأسف لم تستطع التخلص من هذه النعرة القبلية الجاهلية  المتسلطة عليها .
وهذه النعرة القبلية الجاهلية متحكمة في البعض ممن يزعمون أنَّهم ذووا التوجه الإسلامي ،فعندما كتبتُ عن الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام طبقاً لنصوص قرآنية قطعية الدلالة تلقيتُ رسالة في بريدي الكتيروني كتب صاحبها عنواناً غريباً لم أسمع به من ذي قبل ,هو “طروش البحر” ،وعندما فتحتُ الرسالة وجدت فيها هذه العبارات “يا طروش البحر …يا بقايا حجاج .. معترضاً على قولي إنّ للمرأة حقوقاً سياسية في الإسلام؟ 
فسألت ما معنى طروش البحر؟ 
ثُمَّ أدركتُ معناها، ولم أرد عليه رغم الكثير نصحني بالرد عليه ،فأنا من هذه البقعة الطاهرة وجدي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،ولكن لم أفعل ،إذ وجدتُ شخصاً بهذه العقلية لا يستحق الرد عليه ،فهو يزعم أنَّه غيور على دينه ،وهو يناقض تعاليم هذا الدين الذي حرَّم التنابز بالألقاب والتفاخر بالأنساب ،وقضى على النعرة القبلية الجاهلية ،فهذا رجل فيه جاهلية.
فالذي أريد أن أؤكد عليه أنَّ جميعنا أبناء أمة واحدة ،وقد قالها جل شأنه ( إنَّما المؤمنون إخوة) وينبغي ألاَّ يفوت على الجميع أنَّ الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين أبَّان الفتوح الإسلامية استقر بعضهم في البلاد المفتوحة ،وتمَّت المصاهرة بينهم وبين أبناء تلك البلاد، فيوجد من أخواننا الأفارقة والآسيويين من العرب وغير العرب من تعود أنسابهم إلى الجزيرة العربية وإلى النبي صلى الله عليه وسلم و كبار الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين.
وكلمة أخيرة أود قولها بهذا الصدد أنَّ الوحدة الوطنية واجب ديني ووطني ،وعلينا جميعاً التخلص من هذه النعرة القبلية ،ويا حبذا لو قامت  وزارة الداخلية بإلغاء الانتسابات القبلية في البطاقات الشخصية وحفائظ النفوس!
إنَّ أعداءنا متربصون بنا ،ويريدون تمزيق أسرنا وتشتيت شملنا وتقسيم دولتنا إلى ثلاث دويلات ،والنعرة القبلية الجاهلية الموجودة لدى البعض منا سوف يستغلها أعداؤنا في تنفيذ هذا المخطط فلنكن حذرين ويقظين.
وبعد ذكر النقاط التي اتفق فيها مع الأستاذ خزندار ،فليأذن لي أن أناقشه في النقاط التي اختلف معه فيها ،ولنبدأ بسلامة موسى ،ودفاعه عنه ،ونفيه عنه أنَّه من المناهضين للإسلام ،وسوف أعطي هنا لمحة سريعة عن فكر سلامة موسى العلماني ،وموقفه من الإسلام.


      أولاً:  سلامة موسى
    من المعروف أنَّ سلامة موسى ( 1888-1958م)كان من أبرز أعلام فريق مدرسة “المقطم” القائمة على تبني العلمانية ورفض الإسلام كحضارة ونظام حكم ،وهي أعلنت العداء لصبغ الدولة والمجتمع بحضارة الإسلام ،وأخذت تعمل على سيادة نهج الحضارة الغربية وقيمها مع علومها وتطبيقات هذه العلوم أي تغريب الدولة والمجتمع تحاشياً لأسلمتهما، فأصحاب هذه المدرسة الذين من أبرز أعلامها سلامة موسى ،ويمثل فكره ودعوته كتابه “اليوم والغد” ،والدكتور طه حسين ،ويمثل دعوته كتابه “مستقبل الثقافة في مصر ” وقد جمعتهم رابطة الولاء للغرب الولاء بالمعنى السياسي عند الذين اتخذوا من الاستعمار الغربي إنجليزياً كان أو فرنسياً موقف الولاء والتبعية ،بل والعمالة في بعض الحالات أو الولاء بالمعنى الفكري والحضاري ،عند الذين أصبحت رسالتهم الدعوة  إلى تبني فكرية الغرب وأيدلوجية حضارته سعياً لحلولها محل حضارة الإسلام ،وبعدما ثبت لبعض  أصحاب هذه المدرسة فشل مشروع الحضارة الغربية للنهوض بمجتمعاتهم تراجعوا عن دعوة التغريب إلاَّ أنَّ سلامة موسى ظل ثابتاً على موقفه ،وقال في كتابه “اليوم والغد” ـوهو يحتوي على مقالات نُشرت في خلال سنتي 1925، 1926م ،ثمَّ أضيف إليها مقالان عند نشر الكتاب سنة 1927م ـ : (إذا كانت الرابطة الشرقية سخافة …لأنَّها تقوم على أصل كاذب ،فإنَّ الرابطة الدينية وقاحة ،فإننا أبناء القرن العشرين أكبر من أن نعتمد على الدين جامعة تربطنا ،،ونحن في حاجة إلى ثقافة حرة أبعد ما تكون عن الأديان …وحكومة ديمقراطية برلمانية ،كما هي في أوربا ،وأن يعاقب كل من يحاول أن يجعلها مثل حكومة هارون الرشيد أو المأمون ،أوتوقراطية دينية ،وكلما ازدادت خبرة وتجربة وثقافة توضحت أمامي أغراضي …يجب علينا أن نخرج من آسيا ،وأن نلتحق بأروبا ،فإني كلما ازدادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له ،وشعوري بأنه غريب عني، وكلما زادت معرفتي بأروبا زاد حبي لها وتعلقي بها ،وزاد شعوري بأنَّها مني وأنا منها ،وهذا هو مذهبي الذي أعمل له طوال حياتي سراً وجهراً ،فأنا كافر بالشرق ،مؤمن بالغرب.)
موقف سلامة موسى من الدين 
   لقد هاجم الدين في مقدمة كتابه ،وفي أكثر من موضع من الكتاب حتى ليخيل إليك ـ كما يقول الدكتور محمد محمد حسين ـ أنَّه لا يبغض في هذه الشرقية التي يهاجمها إلاَّ الدين ،فهو في كل مثل من الأمثال التي يضربها يهدم ركناً من أركان الأديان عامة والإسلام خاصة ،فهو( يريد من التعليم  أن يكون التعليم تعليماً أوربياً لا سلطان للدين عليه ،ولا دخول له فيه) ،وهو(يريد من الحكومة أن تكون ديمقراطية برلمانية كما هي في أوربا ،وأن يعاقب كل من يحاول أن يجعلها مثل حكومة “هارون الرشيد” أو “المأمون” ،أوتوقراطية دينية)،وهو ( يريد أن يبطل شريعة الإسلام في تعدد الزوجات والطلاق (بحيث يعاقب بالسجن كل من يتزوج أكثر من امرأة ،ويمنع الطلاق إلاَّ بحكم محكمة) ،وهو يريد أن يقتلع من أدبنا كل طابع شرقي مما يسميه ( آثار العبودية والذل والتوكل على الآلهة) وهو يريد أن يهدم الإسلام والتدين جملة بقوله : ( ونحن في حاجة إلى ثقافة أبعد ما تكون عن الأديان، ولا بأس من أن نعتمد على الترجمة إلى حد بعيد حتى يتمصر العلم ، وتتمصر ألفاظه ،وعندئذ نسير فيه بالتأليف)
فهو يريد نبذ مناهج التعليم القائمة على الدين ،واستبدالها بمناهج غربية مترجمة ريثما يتم تمصير التعليم ،أي يريد سلخ مصر من دينها وعروبتها ،وكان أكثر سخطاً وعداءً للجامعة الإسلامية ورجالها ،وفي مقدمتهم الزعيم “مصطفى كامل” ساخراً من مصطفى كامل  لحديثه مع المصريين  عن الإسلام في الصين.
 لماذا وجَّه سلامة موسى الأستاذ عابد خزندار إلى ابن رشد؟
هذا السؤال كان ينبغي أن يوجهه إلى نفسه الأستاذ عابد خزندار خاصة بعدما قرأ فكر وفلسفة ابن رشد .
مما لا يختلف عليه اثنان أن ابن رشد عالم ومفكر وفيلسوف كبير ،ولكن تأثره إلى حد كبير بالفلسفة اليونانية ،ولا سيما فلسفة أرسطو ،وأخذه بها أوقعه في محاذير عقدية ،وقد فنَّد الإمام ابن تيمية تلك النظريات وأوضح تعارضها مع الدين ،من ذلك :
نظرية الطبقات عند ابن رشد وتأثره بأرسطو في تقسيم الناس إلى عامة ،وإلى خاصة ،وغلوه في تمجيد فلسفة أرسطو ،ومنطق اليونان حتى يبين ابن رشد من ذلك تمجيده للفلاسفة الذين يتلقون عن الله ،كما يزعم ،أمَّا العامة من الناس فهم يتلقون عن الأنبياء ،وقد بيَّن ابن تيمية الخطأ في هذه النظرية ،فمن خطورتها رفع شأن الفلاسفة إلى مقام النبوة ،كما يدعي بعضهم ،ويكفي سلامة موسى لو آمن الأستاذ عابد خزندار بهذه النظرية التي ستجعله يكفر بالأنبياء ،ويدعي النبوة إذا ما كان فيلسوفاً مفكراً .
البعث عند ابن رشد ،فهو ينكر بعث الأجساد بعينها، فهذا اجتهاد خاطئ يتنافى مع النصوص القرآنية ،فابن رشد هنا تأثر بالفلاسفة الذين قبله مثل الفارابي وابن سينا على أنَّ هذا تمثيل وتخييل للجمهور للزجر والتخويف ، ،وفي هذا يقول ابن رشد : ( وبهذا النحو من التصور أمكن الجمهور أن يفهموا المعاني الموجودة في المعاد).وقد بيَّن ابن تيمية خطأ هذا القول أو الاجتهاد ،فقال : ( وإعادة البدن نفسه يعيده الله بعد أن يبلى كله إلاَّ عجب الذنب ،كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : ( كان ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ،ومنه يركب )
ويخبرنا الله سبحانه وتعالى عن المعاد وعن المبدأ كقوله تعالى : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثُمَّ يعيده) 
ويخبرنا أنَّ الثاني مثل الأول ،كقوله تعالى : ( أولم يروا أنَّ الله خالق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم) 
وقوله تعالى : ( على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون) ( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكَّرون) ،والمراد بقدرته سبحانه وتعالى على خلق مثلهم هو قدرته على إعادتهم كما أخبر بذلك في قوله : ( أولم يروا أنَّ الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى)
فإنكار بعث الأجساد بعينها يسقط الحساب والجزاء ،وهو يقول بتناسخ الأرواح ،وهي عقيدة بوذية مجوسية تقول بها بعض الفرق الباطنية كالنصيرية ،ولعل تأثر الأستاذ عابد خزندار بفلسفة ابن رشد جعلته لا يستنكر على رجاء عالِم عالَمها القصصي القائم على تناسخ الأرواح مثل: قصة ” الأصلة “،بل يعتبر “رجاء نموذجاً أدبياً يفضل على غيره من الأديبات.
 ثانياً: وصفه باريس بأنَّها مدينة النور والعاصمة الثقافية الأولى في العالم
 وهنا أخالف الأستاذ عابد فيما ذكره عن باريس ،واتفق مع الأستاذ عبد العزيز قاسم فيما ذكره عنها ،وأضيف إلى ما ذكره أنَّ المدرسة الاستشراقية الفرنسية أكثر المدارس الاستشراقية هجوماً على الإسلام وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الآن أكثر الدول الأوربية هجوماً على الحجاب ،والقانون الفرنسي الذي يطبق في كثير من البلاد العربية هو الذي وضع قانون بيت الطاعة ،ونسب إلى الإسلام، وقد سلب المرأة الزوجة انتسابها إلى أسرتها ،كما نظر إليها كأنها قاصر ،إذ لم يعطها حق التصرف في مالها إلاّ بإذن الزوج  ،وقائد الثورة الفرنسية نابليون الذي غزا مصر ،أعلن في أول اجتماع للبرلمان “أنَّ النساء خلقن عبيداً للرجال “،فكيف نقول بعد هذا على باريس عاصمة النور والعاصمة الثقافية الأولى في العالم ؟
إنَّ عاصمة النور ، والعاصمة العلمية والثقافية الأولى في العالم بحق هي المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى التي انطلقت منها أنوار العلم والمعرفة التي جاء بها الإسلام مبددة ظلمات الجهل التي كانت تعيشها البشرية مقدمة حضارة هي أرقى الحضارات الإنسانية مخلصة البشرية من عبودية واستبداد الخلق .وكما يبدو أنّ الأستاذ خزندار متأثر بما سموا أنفسهم برواد النهضة والتنوير أمثال الدكتور طه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهما.




 ثالثاً: موقف الأستاذ خزندار من أدونيس وحداثته 
يقول الأستاذ خزندار عن أدونيس : ” أعتقد بأنَّ الحداثة الثقافية العربية تأثرت كثيراً بأدونيس، هو رائدها الحقيقي ،وأدونيس يعتبر قمة ،ولكن الذين قلَّدوه هم من أساء للحداثة ،يمكنني أن أقول بأنَّ أدونيس نفسه أساء للشعر بإلغائه للتفعيلة ممَّا جعل شعره أقرب إلى النثر ،أكثر من أي شيء آخر ،ثمَّ جاء مقلدوه فكانوا كالمسخ ،وأساءوا بدورهم إلى الحداثة بأكملها” وقال في موضع آخر من مكاشفاته أنَّه معجب بأدونيس ويعتبره من أعظم شعراء العرب” وهنا نجده قد ناقض نفسه ؛إذ كيف يكون أعظم شعراء العرب ،وقمة ،وقد أساء إلى الشعر بإلغائه التفعيلة ،وأضحى شعره أقرب إلى النثر ،أكثر من أي شيء آخر ؟
هذا من حيثُ الشكل ،أمَّا من حيث المضمون الذي لم يتطرق إليه الأستاذ خزندار ؛إذ كيف يعد قمة وأعظم شعراء العرب ،وقد نال من الذات الإلهية ،وتجرأ عليها ،فجعل الله ميتاً ،ومقتولاً وأعمى وشحاذاً ،وله زوجة ،ويولد وشبَّهه بالإنسان ،وجعل للحب إلهاً ـ تعالى الله عمَّا يصفون ـ . 
،ومجَّد معتقدات الفرق الباطنية القائمة على الإباحية والإلحاد النُصيرية التي يعتقدها والقُرمطية والصوفية الملحدة القائمة على الحلولية والتناسخ، ومن شعره النثري أو بالأحرى من هذيانه النثري  قوله في قصيدة أسماها “الإله الميت”:
اليوم حرقت سراب السبت سراب الجمعة 
اليوم طرقت قناع البيت 
وبدَّلت إله الحجر الأعمى وإله الأيام السبعة بإله ميِّت.[المجلد الأول : ص 346]
ويقول في قصيدة “موت ” :
نموت إن لم نخلق الآلهة 
نموت إن لم نقتل الآلهة
يا ملكوت الصخرة التائهة  [ المصدر السابق :ص 389]
وقد صرّح بقتل الله ـ تعالى الله عما يصفون ـ  في كتابه مقدمة للشعر العربي ،صفحة 131 “الله في التصور الإسلامي التقليدي نقطة ثابتة متعالية منفصلة عن الإنسان ،التصوف ذوَّب ثبات الألوهية ،جعله حركة في النفس في أغوارها أزال الحاجز بينه وبين الإنسان ،وبهذا المعنى قتله “أي الله” ،وأعطى للإنسان طاقته “
وجعل لله زوجة ؛إذ يقول في قصيدة “دعوة للموت” :
يا أرضنا يا زوجة الإله والطغاة 
واستسلمي للنار” “
وجعل الله يولد في قصيدة “كاهنة الأجيال” فيقول:
كاهنة الأجيال قولي لنا شيئاً من الله الذي يولد” “
ويقول في قصيدة “مراكش-فاس” :
زواحف من كل نوع تقتحم الأرض ،والإنسان يصطاد السماء ،إنَّه الله يتقدم في جنس حيواني يتخلف” “
وفي قصيدة “مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف” نجده ذكر اسم الله بين الحشرة والشاعر دون فاصل بينهما فقال:
كل شيء يدخل إلى الأرض من سم الكلمة والحشرة الله الشاعر” “
 وهو بقوله هذا قد ساوى بين الله والحشرة ،وأنّ كلمة الله تخرج إلى الأرض من سم الكلمة ،بل نجده جعله كالحشرة بقوله” والحشرة الله الشاعر “تعالى الله عما يصفون”، ويستمر أدونيس في كفره بالله  والتجرؤ عليه فيقول في القصيدة نفسها :
هاتوا فؤوسكم نحمل الله كشيخ ميت” “
 هذا قليل من كثير مما ورد في شعر أدونيس الذي يعتبر من أهم رواد الحداثة ،والذي تأثر به كثير من الشعراء الشباب من الجنسين الذين حذوا حذوه ،وفي مقدمتهم شعراء الحداثة، والذي يعده الأستاذ خزندار من أعظم شعراء العرب ،وأنّه قمة !


 أمَّا نظرة أدونيس للإنسان والكون والحياة : تتلخص نظرة أدونيس للحياة في أربع كلمات هي : حب وجنس وموت ورفض ،فشعره وفكره لم يخرجا عن هذا الرباعي ،فجاءت لغته الشعرية لغة جسد وجنس وموت ،والعبارات التي استخدمها في شعره تدور في فلك جسد المرأة ؛إذ جعل من أعضاء جسدها ـ كنزار قبَّاني ـ مفردات لغوية لشعره ؛ فلقد نظر إلى المرأة أنَّها جسد خلق للذة والمتعة ،فكان شعره يقطر جنساً وإباحية ،وقد مجَّد في شعره الإباحيين والملحدين من دعاة الحلولية والتناسخ ممن ادعى بعضهم التصوف أمثال : ” الشلمغاني ” ، و”الحلاَّج ” ، و”ابن عربي” ،و “النفري” و”بشَّار بن برد ” ،و”أبي نوَّاس”، و “بولدير” ،و” لينين” . فالإباحية تمثل جزءاً من عقيدته النصيرية.
والحياة في نظره هي الحياة الدنيا ،فلم يتحدث عن الآخرة ،وعن البعث والحساب ،والثواب والعقاب والجنة والنَّار ،وإن تحدث عن البعث كان عن بعث فينيق رمز الفينيقية التي يدعو إليها الحزب القومي السوري.
أمَّا نظرته للإنسان فقد ألَّهه ،فهو يعتقد كالنصيرية بالحلول والاتحاد والتأليه والتناسخ ،لذا كان كل شيء عند أدونيس إلهاً ،كما أنَّه قال كالوجودية بعبثية الخلق ،وأنّ الإنسان خلق ليأكل ويلعب وينام ويشبع غريزته الجنسية، إضافة إلى إعلان أدونيس  القطيعة مع التراث العربي الإسلامي المشرق، وإعلانه الثورة على كل ما هو إسلامي، وهنا نجد الأستاذ خزندار قد تغاضى عن  موقف أدونيس من التراث رغم أنّه اعتبر قطيعة الحداثة للتراث من مستنقعات الحداثة ،وجانبها السلبي. 
خلاصة القول :إنَّ نظرة أدونيس للخالق جل شأنه  وللحياة والإنسان والكون تمثل خليطاً من نظرة النصيرية والفرويدية والوجودية والوثنية الإغريقية والماركسية ،وإن كانت العقيدة النُصيرية هي الغالبة على فكره ،وعلى كل ما كتبه فهو نُصيري العقيدة ،ويتضح لنا هذا عند عرض نماذج من شعره. 
فكيف مثل هذا يعد  من أعظم شعراء العرب؟
رابعاً :موقفه من الجانب السلبي للحداثة 
لقد قصر الأستاذ خزندار سلبيات الحداثة في قطيعتها مع تراثنا الثقافي، مع أنَّها لم تقاطع كل هذا التراث ،إذ نجدها سلَّطت الأضواء على جوانب معتمة من تاريخنا الإسلامي، وذلك بتمجيد دعاة الحلولية والتناسخ والإباحية مثل القرامطة ،والحلاج والشلمغاني ،والنفري ،والسهروردي  ،وابن عربي ،وأبي نوّاس وغيرهم. والأكثر من هذا نيلهم من الذات الإلهية ،وتمجيدهم للشيطان كقول صلاح عبد الصبور “الشيطان خالقنا ليجرح قدرة الله العظيم ،وقوله في قصيدة ” الإله الصغير”:
      كان لي يوماً إله، وملاذي كان بيتُه
     قال لي “إنَّ طريقَ الوردِ وَعْرٌ فارتقيتُه
    وتلفَّتُ ورائي، وورائي  ما وجدتُه
    ثُمَّ أصغيتُ لصوتِ  الرِّيحِ تبكي، فبكَيتُهْ 
  ذاتَ يوم، كنتُ ارتادُ الصحاري ،كنتُ وحدي
حين أبصرتُ إلهي، أسمرَ الجبهة، وردي
ورقصنا وإلهي للضحى، خداً …لخد
ثُمَّ نِمنا  ،وإلهي بيْنَ أمواج ٍوورد” “
أمَّا أمل دنقل فلقد مجَّد الشيطان لأنَّه قال” لا” لرب العباد ،وذلك في قصيدته “كلمات سبارتكوس الأخيرة”ا لتي يقول فيها:
المجد للشيطان …معبود الرياحْ 
من قال “لا” في وجه من قالوا “نعمْ”
من عَلَّم الإنسانَ تمزيقَ  العدمْ
من قال “لا”… فلم يَمُتْ؛
وظلَّ رُوحاً أبدية الألمْ” “
ويقول في قصيدة ” الخيانة”
وأنا ذلك الإله -الإله الذي سيُبارك أرضَ الجريمة .
إنَّني خائنٌ أبيع حياتي
للطريق الرجيمة، 
إنَّني سيد الخيانة” “.
وقد أعلن كرهه لله في ” مجنون بين الموتى”؛ إذ قال على لسان أحد الأصوات:
أكره النَّاس كلهم أكره الله والحياة” “
ويقول في” لغة الخطيئة” :
أعبر فوق الله والشيطان” “. وهذا قليل من كثير ، إضافة إلى ما في شعرة من إباحية ومجون.


خامساً وأخيراً : موقفه من الواقعية السحرية وألف ليلة وليلة:
ما ذكره الأستاذ عابد خزندار عن الواقعية السحرية وألف ليلة وليلة هو ذاته الذي قاله في حوار الحداثة التي عقدتها مجلة الأربعاء ـالتي تصدر عن جريدة المدينة ـ في شعبان عام 1408هـ ،وجمعت فيها الأطراف المتباعدة ،وكان الأستاذ خزندار  أحد ممثلي تيَّار الحداثة ،وقد قال وقتها  مقولة استوقفتني ،وهي : ( الواقع إنَّ بديل الحداثة طرح عالمياً ،وأنا نوَّهتُ به محلياً ،وأنا لي الشرف أن أقول إنَّ البديل وجد طبعاً “التيَّار ما بعد الحداثة” احتوى على عدة تيَّارات لكن في رأيي أهم تيار منها” الواقعية السحرية “،أو أدب أمريكا 
اللاتينية هذا الأدب هو بضاعتنا رُدّت إلينا لأنَّه الواقعية السحرية ما هو إلاَّ الواقعية ،أو التراث العربي ..)
ولتتضح الصورة أمام القراء الكرام أرى من الضرورة بمكان أن أعرفهم بالواقعية السحرية، وأن أضعها تحت مجهر التصور الإسلامي لنحدد معاً موقفنا منها ،ولنرى هل هي من تراث ألف ليلة كما يقول الأستاذ خزندار أم أنَّه أخطأ في تصنيفه لها؟


الواقعية السحرية
يُعرِّف الدكتور صلاح فضل الواقعية السحرية في كتابه “الواقعية في الإبداع الأدبي فيقول: ” الواقعية السحرية هي الاندفاع في مجال إغراق الخيال حتى تخرج عن نطاق خصائص الواقع الملموس لتجسيم مواجهة الإنسان للظروف المحيطة به ؛إذ لا تكتفي في جوهرها بالتحليقات الخيالية التي تنتهي إلى تحويل الواقع وتحليله إلى علاقات غير عادية ،ولا مألوفة ،ولكنها تعثر في نفس هذا الواقع على أشكال تبدو  وكما لو كانت حُلماً لا يمت بأية صلة للعنصر العادي المألوف ،وبهذا تعمل على أن يعيش الخيال المغرق في الواقع نفسه ،فتكمل لها الدورة الخيالية ،وتكون عالماً جديداً توقد في داخله المظاهر الموضوعية للواقع جنباً إلى جنب مع لب الأسطورة الخرافية ، فالأعمال الأوربية وفق الواقعية السحرية تعبر عن رؤية كونية سحرية للعالم ،رؤية لا تاريخية تمحى فيها الحدود بين الأحياء والجماد ،أو بين الثقافة والطبيعة حيث تكتسب الأشياء والظواهر خواص وقدرات مميزة.”
ولنتعرَّف أكثر على الواقعية السحرية فسوف أورد مضامين بعض القصص التي تمثل الواقعية السحرية
قصة “رحلة إلى بذرة ” لكاربنتر:
يسير الزمن في هذه القصة إلى الخلف وذلك بواسطة،
  بلورة سحرية ،فالخادم العجوز يرى هدم بيت سيدن (دون مارسيال) الذي مات منذ فترة وجيزة ، وكاد العمَّال يفرغون من رفع بعض الأنقاض حتى يأخذ الخادم في التشنج ،ويأتي بحركات غريبة، يتقلب على الأرض فوق ما تبقى من حصى وأحجار ،وفي كل مرة ينقلب فيها كأنَّه عصاً سحرية، ينقلب الزمن معه منساباً إلى الوراء فيعود السيد إلى الحياة ،ويعيش متراجعاً في الزمن حتى يصل إلى حالته الأولى ،وهي الطين ،يعود البيت إلى خلاء ،وعندما يحضر العُمَّال في اليوم التالي لإنجاز مهمتهم يجدون أنّها قد تمَّت ،ويعتمد المؤلف في إيهامنا بأنَّ الزمن يعود إلى الوراء على الصور المعكوسة ،فالشموع المشتعلة تتزايد بدلاً من أن تتناقض والأزواج يذهبون إلى الكنائس لاسترداد حريتهم ،ويردون خواتم الزواج التي تعود بدورها إلى حالتها الأولى سبائك في مصانع الصاغة ،ويعود الأشخاص إلى طفولتهم ،والطيور إلى أعشاشها حتى تصبح بيضاً مرة أخرى ،ويتحول الأثاث إلى شجر والنسيج إلى نبات)
هذا ويعلق الدكتور صلاح فضل على هذه القصة قائلاً : ( ومن هذا ينجح المؤلف في خلق عالم لا تسيره قوانين الطبيعة التجريبية ،وإنَّما يخضع لقوى عليا تنتهي لدنيا السحر في محاولته لفض أسرار الكون.
ولا شك أنَّ هذه الطريقة تتصل بأسلوب (الفلاش باك) المعهود في السينما خاصة ولكنَّها تختلف عنه بما توهمه من قلب أوضاع التطور وعكس مسار الزمن تاركاً نقطة الانطلاق بلا عودة ومعتمداً لا على الذاكرة ،وإنَّما على معايشة التاريخ في رحلة مستمرة إلى الوراء ،إلى البذور.
ولتتضح الصورة أكثر أمام القارئ فلنتوقف عند قصة:
مائة عام من الوحدة
 للقصَّاص الكولمبي ( جارثيا ماركيز)،وتدور حول قرية تسمى “ماكوندو” اعتبرها النقاد كوناً مصغراً لأمريكا اللاتينية ،وتقوم هذه القصة على عنصر ينتمي إلى عالم التنبؤات والأسرار ،فيرى الكولونيل “بويريا” مؤسس هذه القرية يرى فيما يرى النائم أنَّه قامت في مكانها مدينة ينبعث منها الضجيج ،وتتكون حوائطها من المرايا ،فسأل عنها فأجابوه باسم لم يكن قد سمع عنه من قبل ،وليس له أي معنى ،ولكن كان له رنين غير عادي في الحلم ،وهو “ماكوندو كذلك يتدخل في دمارها عنصر آخر ينتمي إلى عالم الأسرار ؛إذ تهب عليها ريح عاتية لا تترك لها أثراً ،وترمز هذه المرايا إلى السحر والأحلام.
ويعلق الدكتور صلاح فضل على هذه المرايا قائلاً : ( إنَّ لها وظيفة مميزة هي رسم الحدود أو الخط الفاصل بين عالميْن : الداخلي الذي يتمثل في الأحلام والخيال ،والخارجي وهو الواقع ،فالمرآة والحلم لا ينفصلان ،والحلم يفتح أبواب العجائب والسحر ،وفي هذه الحالة بالذات يفتح ( ماكوندو) التي تظهر أمام عيوننا ،ثُمَّ لا تلبث أن تختفي كحلم غريب، ثّمَّ يتحدث الدكتور صلاح فضل عن الزمن في هذه القصة فيقول : ( وعندما ندرس مشكلة خاصة في هذه القصة مثل مشكلة الزمن نرى أنَّه لا يوجد خارج ذات المؤلف ؛إذ أنَّه مجرد لعبة في يديه يصنع به ما يشاء.
 ويتحدث عن الغرائب والحوادث الخارقة للعادة في هذه القصة ،فيقول : إنَّ بعضها يظل بدون تفسير لأنَّه ينتمي إلى عالم السحر الذي يستعصى على الشرح ،وذلك مثل أوراق “ملكياوس” الصفراء التي يحاول بعض الأطفال الاستيلاء عليها بعد التسرب خلسة إلى حجرته ،فتتملكهم قوى غريبة ،وترفعهم عن الأرض يظلون معلقين في الهواء إلى أن يعود الساحر ،وينتزعها من أيديهم ،فيهبطون إلى الأرض عندئذ ،ويمارسون حركتهم العادية ،وكثير من هذه التفاصيل الخارقة للعادة لها وظيفة واضحة هي التعبير عن سيطرة الإنسان على المادة والطبيعة.
   ويستطرد الدكتور صلاح فضل ،فيقول : ( أمَّا بعض العناصر الغربية مثل ظهور أشباح الأموات ومعايشتها للأحياء بطريقة طبيعية لا تثير الذعر بينهم ،ولا تغير من عاداتهم اليومية الرتيبة فإنّ هذا يعود إلى المعتقدات الشعبية التي ترى أنَّ من حق الأشباح والأرواح أن تأتي لتذكر الأحياء بوجودها ،وبهذا تتفادى الموت النهائي الذي لا يحيق بها إلاَّ عندما تطويها صحائف النسيان ،ولا ترد على خاطر كائن حي.
    ومن هنا نرى في هذه القصة ،وفي غيرها كثيراً من شخصيات الأموات ،وهي تهيم في المنزل بين الأفراد الذين يحسون بوجودها ويعايشونها في وئام شديد حتى يستقر لدينا انطباع غريب بأنَّ الحد الفاصل بين الحياة والموت يتلاشى بالتدريج حيثُ تختلط الأشباح وتتحرك وتمارس “حياة” غامضة بين سائر الأحياء. 
  أعتقد أنَّه من خلال هذا العرض السريع والموجز للواقعية السحرية قد اتضحت لنا أهم معالمها وملامحها ؛إذ نستطيع الآن أن نقارن بينها وبين ألف ليلة وليلة ،كما نستطيع تحديد نظرتها إلى الله الخالق جلَّ شأنه ،وإلى الإنسان والكون والحياة، وموقفها  من الموت.
فكما رأينا فالواقعية السحرية  تجعل من الإنسان إلها يغير ما في الكون وفق ما يريد فكيف تعتبر  من تراثنا العربي ،إن كانت قصص ألف ليلة وليلة ،تتحدث عن الخيال والسحر وعالم الجن ،فهي تتحدث عن الخير والشر، وتجعل الخير هو الذي ينتصر دائماً ،فهي تعتبر السحر والشعوذة شراً يحاربه أبطال القصص حتى ينتصروا عليه ،ولكن الواقعية السحرية في أدب أمريكا اللاتينية تعتبر السحر هو الحقيقة الواقعة التي لا يصارعها أحد ،وتسقط الموت ،وتجعل الأموات يعيشون مع الأحياء ،وكأنَّهم ليسوا بأموات ،فربط الأستاذ خزندار  بين الإثنين غير موفق ،وأرى قوله هذا فقط من أجل إقناع القارئ العربي المسلم بقبول هذا المذهب ،تماماً كما حاول الدكتور عبد الله الغذّامي أن يوهم القارئ العربي المسلم أنَّ الحداثة من تراثنا.
الواقعية السحرية تحت مجهر التصور الإسلامي
ولنبدأ بنظرتها إلى :الخالق جل َّ شأنه
لقد ألغت وجود الله ،وجعلت من الإنسان إلهاً ،فالإنسان ـ كما رأينا ـ في الواقعية السحرية هو المسيطر على الكون ،وما فيه ،فيغيِّر فيه ما يشاء ومتى شاء ولعلَّ هذه ردة فعل للمذاهب المادية كالبنيوية التي ألغت دور الإنسان واعتبرته شيئاً من الأشياء أو آلة تدور.
  وهنا ابتعدت ْعن جوهر العقيدة الإسلامية القائمة على الإيمان بوجود الخالق الواحد الأحد بيده ملكوت كل شيء وهو السميع البصير ،مدبِّر هذا الكون ،والمسيطر عليه ،وما الإنسان إلاَّ مخلوق مكلف سخَّر الله له ما في الكون إلاَّ أنَّه ليس المسيطر على الكون ،وليس من إمكانه تغيير سننه ونواميسه ـ كما رأينا في قصة رحلة إلى بذرة ـ فلا تغيير لسنن الله.
نظرة الواقعية السحرية إلى الإنسان
1- غالت في تقدير الإنسان وأوصلته إلى مرتبة الألوهية، وهذه النظرة تخالف نظرة الإسلام إلى الإنسان.
2- نظرت إلى الإنسان أنَّه روح فقط ،وألغت ماديته ،فجعلت أرواح الموتى أشباحاً تعيش مع الأحياء ،وتمارس نوعاً من الحياة الناقصة. وهذه نظرة تخالف نظرة الإسلام إلى الإنسان ،فالإنسان روح ومادة وازن الإسلام بينهما، وهنا تتجلى عظمة الإسلام ومعجزته ،يقول تعالى : ( وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدُّنيا) .
نظرة الواقعية السحرية إلى الكون
عدم احترامها لسنن الكون ؛إذ أنَّها جعلت الزمن يتراجع وتعود المخلوقات إلى سيرتها الأولى ـ كما رأينا ـ في رحلة إلى بذرة، وهذا يتنافى مع الإسلام ،فأولى العقائد التي حرص الإسلام على غرسها في نفوس أبنائه أنَّ هذا الكون الذي يعيش فيه الإنسان لا يسير جزافاً ،أو يمشي على غير هدى ،كما أنَّه لا يسير وفق هوى أحد الخلق فإنَّ أهواءهم مع عمَّاها وضلالها متضاربة متنافرة ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض فيهن) [ المؤمنون الآية 71]
والكون مرتبط بقوانين مطردة وسنن ثابتة لا تتبدل ولا تتحول ( فلن تجد لسنة الله تبديلا) [ فاطر الآية 43]
فالعقيدة الإسلامية تقوم على احترام السنن الكونية ،وطلب المسببات من أسبابها التي ربطها الله بها ،والإعراض عمَّا يُقال عن الأسباب الخفية المزعومة ،والتي تقوم عليها الواقعية السحرية التي تلجأ إليها عادة سكنة المعابد ومحترفو الدجل بالأديان.
نظرتها إلى الحياة
خالفت العقيدة الإسلامية في النظر إلى الحياة ؛إذ جعلت الإنسان يعيش حياتين في هذه الدنيا حياة كروح وجسد ،وحياة ثابتة كروح وشبح بعدما يموت .فهي هنا أسقطت الموت ،وبالتالي ألغت الجزاء والثواب ،والحياة الآخرة 
 بينما الحياة في الحياة الدنيا في الإسلام هي واحدة ،وبعد الموت ينتقل الإنسان إلى الحياة الآخرة،  ليلقى حسابه على ما فعل في دنياه ،وهي دار الخلود.
هذا وتعتمد الواقعية السحرية على التنبؤات والخرافات والسحر والأساطير ،وجعلت من السحرة والكهَّان والعرَّافين أبطالاً لقصصها ،وهذا يتنافى مع العقيدة الإسلامية التي حاربت الكهَّان والعرَّافين الذين يدَّعون معرفة الغيوب الماضية أو المستقبلة عن طريق اتصالهم بالجن ،أو غير ذلك، فأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم الحرب على هذا الدجل الذي لا يقوم على علم ولا على هدى ،ولا على كتاب منير، وتلا عليهم قوله تعالى : ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلاَّ الله ) [ سورة النَّمل آية 65].
فلا الملائكة ولا الجن ،ولا البشر يعلمون الغيب ،وأخبر الله عن جن سليمان : ( أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين).
فمن ادَّعى معرفة الغيب الحقيقي ،فهو كاذب على الله ،وعلى الحقيقة ،وعلى النَّاس ،وقد جاء بعض الوفود إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء فصدَّقه بما قال لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ) رواه مسلم.  
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( من أتى كاهناً فصدَّقه بما قال فقد كفر ،بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.)
أمَّا السحر فهو البطل الحقيقي للواقعية السحرية وعمادها ،وهو في الإسلام من كبائر الذنوب ،يقول تعالى : ( ولا يفلح الساحر حيث أتى) ،وقال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات ،قالوا يا رسول الله وما هي ؟ قال : “الشرك بالله، والسحر ،وقتل النفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحق، وأكل الرِّبا ،وأكل مال اليتيم ،والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) متفق عليه.
وقد اعتبر فقهاء الإسلام السحر كفراً ،وذهب بعضهم إلى وجوب قتل الساحر ،وقالوا يقتل ،ولا يُستتاب تطهيراً للمجتمع من شره ،وعلمنا الله عزَّ وجل الاستعاذة من شر أرباب السحر : ( ومن شرِّ النَّفاثات في العقد) 
والنفث في العقد من طرائق السحرة وخواصهم، وفي الحديث الشريف : ( من نفث في عقدة فقد سحر ومن سحر فقد أشرك )  
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من تطيّر له ،أو تكهّن له ،أو سحر أو سحر له)  .
ويقول عليه الصلاة والسلام : ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ،مؤمن بسحر ، ولا قاطع رحم)  رواه ابن حبَّان في صحيحه.
فالحرمة هنا ليست على الساحر وحده ،وإنَّما تشمل كل متبع السحر مشجع له ،مصدِّق لما يقول.
هذه هي الواقعية السحرية ،والتي ألبسها الدكتور عبد الله الغذَّامي ثوب التخيليية لتقبلها العقلية العربية المسلمة ،والتي نادى بها الأستاذ عابد خزندار في خمس مقالات كتبها في ثقافة جريدة الرياض واحد منها في عام 1407هـ ،والأربع الباقية في عام 1408هـ ،داعياً فيها إلى اعتماد الواقعية السحرية كمنهج أدبي نسير عليه في بلادنا ، وظننتُ أنَّ الأستاذ خزندار قد تراجع عن دعوته هذه ،ولكني فوجئت ـ في المكاشفات ـ بإصراره على دعوته هذه. وكما رأينا فالواقعية السحرية التي يطالب بها الأستاذ خزندار بجعلها بديلاً للحداثة ،وهي ليست بأفضل منها ؛إذ سيتحول بها مجتمعنا العربي إلى عالم السحر والشعوذة ،ويتحكم فيه السحرة والكهَّان والعرَّافين، فسيكونون هم الأبطال المسيطرون على النَّاس. وبالواقعية السحرية سيتحول مجتمعنا إلى عالم يسوده الرعب ،كما هو ظاهر في موجة الأفلام السينمائية الأجنبية ،والتي نرى فيها مصَّاصي الدِّماء والسحرة ،وهذه موجة من الأفلام بدأت الظهور في الأفلام العربية ،كفيلم “البيت الملعون” ،وفي هذا الفيلم  تتجسد أمام بطلة الفيلم أحداثاً قد مضت فتُرى لها هذه المشاهد نتيجة قيام طبيب نفسي بحركات غريبة تجعله يمتلك قوى خفية. وما رأينا فالواقعية السحرية تجعل من الساحر يعيد الحياة إلى الأموات ،كما رأينا في قصة “رحلة إلى بذرة” ،فالله وحده هو الذي يُحيي ويميت .
فالواقعية السحرية تجعل مجتمعنا العربي يغرق في اللاوعي ،وينشغل بالسحر والشعوذة عن قضاياه المصيرية، وبذلك يتحقق ما تريده الصهيونية ؛إذ جاء في البروتوكول الرابع عشر : ( وقد نشرنا في كل الدول الكبرى ذوات الزعامة أدباً مريضاً قذراً يغثي النفوس ،وسنستمر فترة قصيرة بعد الاعتراف بحكمنا على تشجيع  سيطرة مثل هذا الأدب.)
 وأخيراً أقول : إن رضيِت أمريكا اللاتينية بالواقعية السحرية لإحياء تراثها القائم على السحر والأساطير ،ووجدت لقومياتها فيها توحيداً ،فنحن أمة إسلامية نستطيع بعقيدتنا أن نخرج من جميع مستنقعات الهزائم إنْ تمسَّكنا بهذه العقيدة.
فالواقعية السحرية ليست هي المخرج ،وإنَّما التمسك بالعقيدة الإسلامية والالتزام بأدب إسلامي ،هذه الحقيقة التي أريد أن يدركها جميع أدباء ونقَّاد الحداثة والبنيوية ،ودعاة الواقعية السحرية ،وفي مقدمتهم الأستاذ عابد خزندار والدكتور عبد الله الغذَّامي ،ولو كانت أمريكا اللاتينية تدين بالإسلام لأخذت بالعقيدة الإسلامية وتمسَّكت بها ،ولما لجأت إلى السحر والأساطير.


مواجهاتي للحداثيين في المؤتمرات والندوات
مواجهاتي للحداثيين في ندوة تكريم الدكتورة لطيفة الزيَّات
  كانت لي عدة مواجهات مع الحداثيين في الندوات ،والمؤتمرات ،لعل من أولها كانت مواجهتي لهم في ندوة تكريم الدكتورة لطيفة الزيَّات ،وكان من ضمن المشاركين في الندوة الدكتور الناقد ،أحد رموز الحداثة “محمد برادة ،وقدِّمت عدة دراسات لأدب الدكتورة لطيفة الزيَّات ،ولا أخفي عليكم لم أفهم منها شيئاً ،سوى ما قاله الدكتور برادة : ” نحن لنا سبعة عشر عاماً ونحن نردد ما يقوله الآخرون ،فنحن أمَّة غير قادرة على التنظير” ،وكان المتحدثون رغم أنَّهم مسلمون إلاَّ أنَّهم لم يذكروا اسم الله نهائياً ،حتى في بداية حديثهم لم يبدأوا بالبسملة ،ولم يحيوا بتحية الإسلام ،فتشعر في مجلسهم بانقباضة في الصدر شديدة ،لأنَّ مجلسهم لم تحف به الملائكة لعدم ذكر الله فيها ،وبعد انتهاء المتحدثين من تقديم بحوثهم ،وفتح باب النقاش ،طلبتُ أن أشارك بمداخلة ،فبدأت كلامي ـ كعادتي ـ بالبسملة ،وقلتُ : “بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين ،,الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ـ وما أن قلت هذا إلاَّ وكان الحضور على المنصة ينظرون إلى بعضهم البعض ،,هم يتغامزون ،,يضحكون ـ ثُمَّ قلت : “يقول الدكتور برادة ،إنَّ لكم سبعة عشر عاماً وأنتم ترددون ما يقوله الآخرون ،وأنَّنا أمة غير قادرة على التنظير ، فإن كان هذا ينطبق عليكم ،ولكن لا ينطبق على كل المسلمين ،فنحن أمة قادرة على التنظير ،فابن خلدون سبق “ميل ” بنظريته في القيمة والأثمان ،وتفوَّق على ” آدم سميث ” في نظرية تبادل المنفعة، وابن القيم الجوزية صاغ نظرية المنفعة قبل أوربا بخمسة قرون ،فهو صاحب نظرية إحياء الأعمال الفضولي المحسن ،وقد دخلت هذه النظرية في التشريع الغربي الحديث ، ،والعرب هم الذين وضعوا النظريات الأساسية لحل مثلثات الأضلاع ،ووضعوا علم الجبر الذي عرف باسمه العربي في اللغات الأوربية ،والحسن بن الهيثم أنشأ علم البصريات ،وعلم الضوء الحديث ،والمسلمون  الذين قالوا بكروية الأرض ،وفي مجال اللغة ،من وضع قواعد اللغة العربية ؟ وفي الشعر  من وضع علم العروض ؟
وفي مجال الأدب ،فنحن الآن في رابطة الأدب الإسلامي ننظِّر للأدب الإسلامي ،ووضعنا نظرية لتقويم الأدب من منظور إسلامي ،وقد أسهمتُ في وضع  نظرية التصور الإسلامي في النقد الأدبي ،وطبَّقتها في عدة دراسات.
وكان تعليق الدكتور برَّادة يتخلص في اعتراضه على أسلمة الأدب .
ولم أواصل حضور هذه الندوة ،فأجواؤها كانت غير مريحة بالنسبة لي.
وشاء الله لي أن ألتقي بالدكتور برداة في إحدى جلسات مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة الذي عقد في القاهرة في الفترة من 23ـ 28 أكتوبر عام 1999م ،والذي نظَّمه المجلس الأعلى للثقافة ،وكان رئيس الجلسة التي كان موضوعها ” المرأة والأدب “،ولي وقفة عندها عند حديثي عن مواجهاتي في هذا المؤتمر .
مواجهتي للحداثيين في مؤتمر الترجمة وأثرها في تفاعل الحضارات
    من البحوث التي استوقفتني في هذا المؤتمر بحث قدمته الدكتور “كاميليا صبحي “مدرس اللغة الفرنسية في كلية الألسن بجامعة عين شمس  ،بعنوان “ترجمة شعر الحداثة “قصيدة النثر”، وكان رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور سعد ظلام ـ رحمه الله ـ عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ،وتحدثت عن صعوبة ترجمة قصيدة النثر من خلال تجربتها في ترجمة قصيدة النثر ،ومن الصعوبات التي واجهتها : أنَّ الشاعر الحداثي يلجأ إلى استخدام الكلمات المجردة ،ولا يستخدم الأفعال ،والأفعال فيها حركة ،والأسماء راكدة ،ومن صعوبة ترجمة الشعر الحداثي :أنَّه لا يوجد رابط بين البيت والآخر ،وكذلك الإغراق في استخدام الرمز ،والرمز قد تختفي معالمها في الترجمة ،وصعوبة ترجمة تغييب الكلمة على الصفحة ،بأن يستعين الشاعر بجعل جزء من الصفحة أبيض أو أسود ،فهذه يصعب بل يستحيل ترجمتها. 
 هذا ملخص ما جاء في بحث الباحثة ،وقد علَّق الأستاذ الدكتور سعد ظلام على هذا البحث بقوله : ” أشكر الدكتورة كاميليا لأنَّها عرفت تفهم قصيدة النثر ،وأنا ما أفهمها ،وأنا أستاذ أدب ،ولا أريد أن أفهمها. والصعوبات التي واجهتها في ترجمة الشعر الحداثي لا تنطبق على الشعر العامودي ،والشعر الحداثي لفيه وزن ولا قافية ،نقطة الأفعال والمصادر ،فالفعل أصل الحركة ،والمصادر فيها الثَّبات ،وباعتمادهم على المصادر دون الأفعال قد خالفوا اللغة العربية ،وهذا أدخلهم في دائرة التفكيكية والبنيوية ،والرمز جعلهم يدخلون هذه المضايق ،وتلك الخنادق .
وكانت لي مداخلة بهذا الصدد قلتُ فيها : ( تتبعتُ بحث الدكتورة كاميليا ،ولي بحوث كثيرة عن الحداثة ومناهجها التي تتبعها ،وشعر الحداثة على وجه الخصوص ،وشعر الحداثة بلا شك صورة ممسوخة من المناهج الأدبية الغربية ،وللأسف أنَّ أدباء وشعراء الحداثة تعرَّضوا إلى قضايا تمس الذَّات الإلهية ،فنجد أدونيس يذكر أنَّه يكره الله ،وقصائده تقول “الإله الميِّت” ،وهم أيضاً تحدَّثوا عن الحلولية والتناسخ ،في شعر صلاح عبد الصبور في مأساة الحلاَّج أشار إلى الحلولية ،أيضاً نجدهم مجَّدوا الشيطان ،أمل دنقل في قصيدة ” سبارتكوس ” يقول : المجد للشيطان لأنَّه قال “لا “،فتتداخل أحد الحضور وقال مصححاً “المجد للشيطان معبود الإله ،من قال لا في وجه من قالوا نعم ، فقلتُ :يقول “المجد للشيطان” كيف يمجد الشيطان ؟فقال المتداخل :”الشيطان هو الإنسان” ،وهنا نجده قال : “معبود الإله” ،والصواب “معبود الرياح ” ،وغيَّر هذا المعنى ليجعل المقصود بالشيطان هو الإنسان لأنَّه معبود الإله ،ولكن رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور سعد ظلام لم يسمح بمواصلة الحوار بيني وبين المتداخل .فواصلتُ مداخلتي ،وقلتُ : ( إنَّ صفة الحداثة هي التمرد على كل شيء ،على الدين ،وعلى اللغة ،التمرد على القيم الإسلامية ،ولو فحصنا شعر الحداثة نجد أنَّه عبارة عن هذيان ، لأنَّهم اتخذوا المذهب البرناسي ،وهو مذهب اللامعقول ،مثل قول أدونيس : الإسكندر يرضع من ثدي النملة . كلام لا معنى له ،نماذج كثيرة من شعرهم لا معنى لها ،كما نجدهم مجَّدوا القرامطة ،لو درسنا أدونيس نجد صعوبة في فهم النص الحداثي لأنَّه يتعرَّض إلى المذاهب الباطنية.
نحن عندما نقرأ شعر أدونيس لا نستطيع أن نفهمه ،إلاَّ عندما نقرأ النُصيرية والقرمطية ،لأنَّه عبارة عن التعبير عن هذه المعتقدات ،فيه إباحية وإلحاد والوجودية ،والعبثية ،وجميع المذاهب الغربية ، نحن لسنا ضد المذاهب الغربية على وجه العموم ،وإنَّما نأخذ منها ما يوافق ديننا ،ونترك منها ما يخالفه ،ولكن للأسف الحداثيين أخذوا من هذه المناهج حسنها وسيئها ،وركَّزوا على السيئ.) 


مواجهتي للدكتور عبد الله الغذَّامي في مؤتمر الأدباء السعوديين الثاني بمكة المكرمة
  لقد كانت لي مواجهة مع الدكتور عبد الله الغذامي على بحثه الذي قدمه ،وكان بعنوان “رحلة المعني من بطن الشاعر إلى بطن القارئ”، وكان يتحدث فيه عن نية المؤلف أو الشاعر ،وتطرق في حديثه إلى النقد الثقافي ،وكانت مداخلتي عن النقد الثقافي ،ودعوته إلى إيجاد خطاب لغوي أنثوي ،وخطورة هذه الدعوة على الدين لأنَّ اللغة العربية لغة توقيفية ،وهي لغة القرآن الكريم ،وأي مساس بها فيه إفساد للدين ،وقد ركزَّتُ في حديثي على كوننا مسلمين ،وينبغي أن يكون أدبنا يمثل ديننا. وقد عقَّبت الدكتورة نورة خالد السعد على مداخلتي ،وقال بما معناه  : لماذا الإكثار من مقولة “أننا مسلمون ” ،فنحن مسلمون ،ولا حاجة لنا إلى ترديد هذا في كل مقام ومقال ،وقالت كلاماً سعد به الدكتور الغذَّامي ،وعندما طُلب منه التعقيب ،قال : اكتفي بمداخلة الدكتورة نورة ،ولم يكن بإمكاني أثناء هذه الجلسة التعقيب على مداخلة الدكتورة نورة ،لأنَّ الفرصة لا تتاح لشخص واحد بأكثر من مداخلة في الجلسة الواحدة، وبعد الجلسة ،اتصل بي هاتفياً  أحد أساتذة الجامعة لا يحضرني اسمه الآن ،وقال لي : لقد وضعتِ الدكتور عبد الله الغذَّامي في عنق الزجاجة ،وأخرجته منه الدكتورة نورة”.
وجاء اليوم التالي ،وكان في إحدى جلسات المؤتمر الصباحية بحثاً للأستاذ الدكتور  محمود حسن زيني بعنوان ” نظريات النقد الحداثي في الميزان”
وقد أنصبَّ حديثه على البنيوية ،والألسنية والسيمولوجية ،وبين مدى اتصال البنيوية بالشيوعية والماركسية ،وقد بيَّن موقف البنيوية من العقيدة الإسلامية ،وقد استشهد بما كتبه المفكر الأستاذ أحمد الشيباني ـ رحمه الله ـ الذي فضح أمر البنيوية والبنيويين ،وقال بالحرف الواحد : وتلحد البنيوية بالله عزَّ وجل ،وتنادي بموت الإنسان ،وتقول : بأنَّه ليس ثمة تاريخ ولا ذات … وأنَّ كل ما هنالك هو بنية تنظم نفسها بنفسها تنظيماً يحفظ لها وحدتها ويكفل لها المحافظة على بقائها”.
 وكانت لي مداخلة  قلتُ فيها  ،وكان رداً على ما جاء في مداخلة الدكتورة نورة:نحن نركز على الإسلام ونشدد عليه لأنَّ الإسلام بات غريباً بين بني الإسلام ،وعدتُ أُبين خطورة النهج النقدي الذي سلكه الدكتور الغذَّامي ،وهو النقد البنيوي الذي يلغي وجود الله ويعتبر الإنسان كآلة تفكك وتركب، وأنَّ النفس الإنسانية شيء من الأشياء تخضع لقانون الحتمية، وكتابه ” الخطيئة والتكفير ” من عنوانه يبين أنَّه أخذ مصطلح ” الخطيئة” من المسيحية، لأنَّ الله عفا عن آدم عليه وسلم ،وأسقط تهمة الخطيئة الأزلية عن المرأة في قوله تعالى : ( وعصى آ دمُ ربَّه فغوى . ثُمَّ اجتباه ربُّه فتابَ عليه وَهَدَى)،ولكن الدكتور الغذامي لم يأخذ بهذه الآية ،وبنى كتابه على الفكر المسيحي الذي يحمل “أمنا حواء ” الخطيئة ،وجعلها ملازمة لبني آدم إلى أن تقوم الساعة  ،وأمَّا النقد الثقافي فقد ابتعد فيه عن التصور الإسلامي ،ودعا إلى خطاب لغوي أنثوي ،وبينت خطورة هذه الدعوة وكان تعقيب الدكتور محمود حسن زيني، فقال  : بعد الجلسة الليلة الماضية تحدثنا إلى الدكتور الغذَّامي ،وقلنا له : إن دعوتك للنقد الثقافي أخطر من البنيوية ” ،وكان الدكتور حاضر هذه الجلسة الصباحية ،لكنه التزم الصمت ،ولم يعقِّب على مداخلتي أو مداخلة الدكتور الزيني.
ولي ملاحظة على بحث الدكتور محمود الزيني بعد اطلاعي عليه ضمن بحوث المؤتمر الوارد في الصفحات 331-360 من الجزء الثاني ،لم يتطرق إلى بنيوية الدكتور الغذَّامي عند حديثه عن البنيوية العربية ،ولستُ أدري هل تحاشى الحديث عن هذه البنيوية على سبيل المجاملة ،لأنَّه إن قومها من المنظور الإسلامي فسيجد أنَّها مخالفة له ؟ أم هناك أسباب أخرى ؟


مواجهتي في مؤتمر مائة عام  حول المرأة والأدب 
     في اليوم الأخير للمؤتمر يوم الخميس الموافق 28أكتوبر عام 1999م كانت لي مواجهة   حول المرأة والأدب، فلقد أثيرت في هذه الندوة التي كانت حول مائدة مستديرة عدة تساؤلات منها:
  كيف تطور إسهام المرأة في الإبداع الأدبي العربي منذ عائشة التيمورية ووردة اليازجي وحتى أحدث الأجيال الأدبية على الساحة العربية اليوم ؟وهل لهذا الإنجاز خصوصيته التي تميزه عن إنجاز الرجل ؟ أم أنَّه رافد من روافد الأدب العربي في مراحل التأسيس والتطور ؟
كيف استطاع الخطاب النقدي أن يضع إسهام المرأة على خريطة الجدل الثقافي ،أو ينحيه عنها؟
 وهل ثمة خطاب نقدي عربي استطاع أن يبلور خصوصية هذا الإبداع ،وأن ينظر له ؟
وإن كانت الإجابة على هذا السؤال بالنفي ،فما هو سر غياب هذا الخطاب ،وكيف نعمل على توليده ووضعه في مركز الجدل الثقافي العام وإخراجه من حلقات التجمعات النسوية المغلقة ؟ وهل يمكن الاعتماد على التنظيرات الغربية في هذا المجال من شوالترز  وكريستيفا وإرجاري وغيرهن في إضاءة التناول النقدي لإبداعات المرأة العربية ؟
 وما هي محاذير الاعتماد على هذه التنظيرات التي تكرس التبعية ،بينما ينحو هذا الخطاب صوب التحرر من التبعية للرجل وللغرب على حد سواء؟
  ويلاحظ هنا أنَّ محاور الحوار في هذه الندوة تجاهلها للإسلام ،وموقفه من إبداع المرأة الأدبي. 
 والحقيقة استوقفتني التساؤلات حول الخطاب النقدي لإبداع المرأة الأدبي ،وهل ثمة خطاب نقدي عربي استطاع أن يبلور خصوصية هذا الإبداع ؟ إلى آخر هذه التساؤلات.
  وقلتُ في مداخلتي : رغم أنَّ هذه الندوة تتحدث عن المرأة والأدب إلاَّ أنَّني لاحظتُ أنَّ اللهجة العامية هي لغة أغلبية المتحاورين، ثمَّ قلتُ أود في هذه المداخلة أن أجيب على التساؤلين الأخيرين الذين طرحا في هذه الندوة ،وهما : هل ثمة خطاب نقدي عربي استطاع أن يبلور خصوصية هذا الإبداع ؟
والسؤال الثاني هو :هل يمكن الاعتماد من التنظيرات الغربية في هذا المجال؟ 
 وأقول جواباً عن السؤال الأول : نعم يوجد خطاب نقدي عربي إسلامي استطاع أن يبلور خصوصية هذا الإبداع ،وذلك من خلال لجنة الأديبات الإسلاميات التي انبثقت من رابطة الأدب الإسلامي ،والتي لي شرف رئاستها ،وقد أقامت هذه اللجنة في القاهرة  في أغسطس الماضي من هذا العام ـ عام 1999م الملتقى الدولي الأول للأديبات الإسلاميات تحت رعاية معالي فضيلة الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر ،وكان هدف  المؤتمر تقويم الحركة الأدبية للمرأة العربية المسلمة منذ بدايتها حتى وقتنا الراهن ،وقدم في المؤتمر ثلاث وثلاثين بحثاً يقوِّم عطاء المرأة العربية الأديبة من المحيط إلى الخليج ،وشارك في هذا التقويم باحثون وباحثات من مختلف أنحاء الوطن العربي، وذلك من منظور إسلامي.
  أمَّا عن التساؤل حول مدى الاعتماد على التنظيرات الغربية ،أقول لمَ التنظيرات الغربية ،وتوجد لدينا نظرية إسلامية نقدية هي نظرية التصور الإسلامي في النقد الأدبي ،فهذه النظرية قد أسهمتُ في التنظير لها وقمتُ بتطبيقها في عدة دراسات ،وهي مستقاة من القرآن الكريم وتحافظ على هويتنا العربية الإسلامية ، وتخلصنا من التبعية للغرب؟ فلماذا لا نأخذ بها في دراستنا الأدبية النقدية؟ 
        وبعد هذه أهم المواجهات التي كانت بيني وبين بعض الذين شاركوا في مؤتمر ” مائة عام على تحرير المرأة العربية ” الذي عقد في القاهرة في الفترة من 23_28 أكتوبر عام 1999م ،وذلك بمناسبة مرور مائة عام على صدور كتاب قاسم أمين ” تحرير المرأة” والأسئلة التي تطرح نفسها هي: 
   لمصلحة مَنْ هذا الهجوم على الإسلام والإسلاميين ،والمطالبة بإلغاء الإسلام من دستور الدولة ،وجعل الدول الإسلامية دولاً علمانية ؟ 
 ولمصلحة مَنْ المطالبة بإحلال المدني “أي القوانين والتشريعات الوضعية “محل الفقهي “أي التشريع الإسلامي”؟
 لمصلحة مَنْ المطالبة بإلغاء ثوابت الإسلام من قوامة وإرث وتعدد وحجاب ….الخ، وإقرار اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز بين الرجل والمرأة؟؟
 لمصلحة مّنْ المطالبة بإيجاد خطاب لغوي أنثوي خاص بالمرأة تمرداً على الخطاب القرآني ،وعلى لغة القرآن؟
  ولمصلحة منْ تصوير الإسلاميين بالإرهابيين الذين يشهرون السلاح في مناقشاتهم العلمية مع من يخالف وجهة النظر الإسلامية ،فيتربص المتربصون بالعلمانيين ،فيغتالوهم عند خروجهم من قاعات النقاش؟؟
  أقول جواباً عن هذه الأسئلة من واقعنا الحاضر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م ،فلقد كشف القناع عن مخطط هدم الإسلام والقضاء عليه ،والذي أعلن عنه بابا الفاتيكان في المجمع المسكوني عام 1965م بأنهم سوف يستقبلون الألفية الثالثة بلا إسلام .,الذي خُطط له من القرن التاسع عشر ؛إذ صرَّح مستر جلادستون رئيس وزراء  انجلترا في مجلس العموم البريطاني ،وقد أمسك بيمينه كتاب الله عزَّ وجل ،وصاح في أعضاء البرلمان وقال “إنَّ العقبة الكؤود أمام استقرارنا بمستعمراتنا في بلاد المسلمين شيئان ،ولابد من القضاء عليهما مهما كلَّفنا الأمر أولهما هذا الكتاب ،وسكت قليلاً بينما أشار بيده اليسرى نحو الشرق وقال : هذه الكعبة!!”
   ولم يكن هذا  الموقف الوحيد من قبل أكثر من ثمانين عاماً أي قبل أواخر القرن التاسع عشر  ،فقد نشر الكاتب الفرنسي الشهير مسيو “ايتين لامي ” مقالاً خطيراً في مجلة “العالمين الفرنسية” دعا فيه إلى ما سمَّاه الخطة المثلى لهدم الإسلام فقال ما ترجمته : 
  ” إنَّ مقاومة الإسلام بالقوة لا تزيده إلاَّ انتشاراً ،فالواسطة العَّالة لهدمه وتقويض بنيانه هي تربية بنيه في المدارس المسيحية ،وإلقاء بذور الشك في نفوسهم منذ عهد النشأة ،فتفسد عقائدهم الإسلامية من حيث لا يشعرون ،وإن لم يتنصَّر  أحد منهم فإنَّهم يصيرون لا مسلمين ولا مسيحيين ،وأمثال هؤلاء يكونون بلا ارتياب أضَّر على الإسلام ممَّا إذا اعتنقوا المسيحية وتظاهروا بها” .
ثُمَّ قال : ” إنَّ طريقة تربية أبناء المسلمين ،وإن كان لها من التأثير ما بيَّناه ،فإنَّ تربية البنات في مدارس الراهبات أدعى لحصولنا على حقيقة القصد ،ووصولنا إلى نفس الغاية التي وراءها نسعى ،بل أقول إنَّ تربية البنات بهذه الكيفية هي الطريقة الوحيدة للقضاء على الإسلام بيد أهله ”  
  ثُمَّ قال : ” إنَّ التربية المسيحية أو تربية الراهبات بنات المسلمين توجد للإسلام داخل حصنه المنيع عدوة لدَّاء لا يمكن للرجل قهرها ،لأنَّ المسلمة التي تربيها يد مسيحية تعرف كيف تتغلب على الرجل ،ومتى تغلبت هكذا سهل عليها أن تؤثر على إحساس زوجها وعقيدته وتبعده عن الإسلام ،وتربي أولادها على غير دين أبيهم ،وفي هذه الحالة نكون قد وصلنا إلى غايتنا من أن تكون المرأة المسلمة نفسها هادة الإسلام ” 
  وهذا ما حدث بالفعل فلقد جعلوا من المرأة المسلمة هادمة لدينها ،ولعل مطالب المؤتمِرات في هذا المؤتمر تؤكد نجاح الاستعمار في خطته. 
   والمخطط الغربي للقضاء على الإسلام لا يقتصر على بريطانيا وفرنسا ،وإنَّما امتد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ،ففي شهر مايو سنة 1992م ،صرَّح نائب الرئيس الأمريكي في حفل الأكاديمية البحرية الأمريكية بولاية ماريلاند “أنهم قد أخيفوا في هذا القرن بثلاث تيارات هي : الشيوعية ،والنازية ،والأصولية الإسلامية ،وقد سقطت الشيوعية والنازية ،ولم يبق أمامهم سوى الأصولية الإسلامية .
   وما يحدث الآن من حرب على الإسلام والمسلمين ،وعلى كل ما هو إسلامي ثبت بيقين لا يقطعه شك أنَّ الحرب المعلنة ضد الإرهاب ما هي إلاَّ حرب صليبية موجهة ضد الإسلام ،وللأسف يوجد عدد كبير من أبناء الإسلام ونسائه من علماء وأدباء ومفكرين ومثقفين وإعلاميين يسهمون في هذه الحملة الصليبية لتقويض الإسلام والقضاء عليه.
  وفي المؤتمر الذي أقامه حزب العمل للرد على ما طرح في مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة العربية ،قلتُ  ما معناه في الكلمة التي ارتجلتها ؛إذ فوجئت بإذاعة اسمي لإلقاء كلمة : ” إنَّ هؤلاء الذين اجتمعوا في مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة العربية “مسلمون ومسلمات ،وهم أبناؤنا وبناتنا ،وعلينا أن نسأل أنفسنا لماذا أصبح هؤلاء أشد عداوة وكرهاً للإسلام ؟ ولماذا يناهضون كل ما هو إسلامي ؟” واستطردتُ قائلة:
    ” ممَّا لاشك فيه أنَّ هناك قصوراً في تربيتنا لهم ،سواءً كانت هذه التربية أسرية ،أم تعليمية ،أم اجتماعية ،وعلينا أن نعمل على إعادة هؤلاء إلينا ،فهم منا ،وواجبنا الديني يحتم علينا أن لا نتخلى عنهم ،ونتركهم هكذا  يتخبطون بلا هوية ينتمون إليها ولا دين يلتزمون بتعاليمه ،بل يهاجمون دينهم ،ويسعوْن مع الأعداء لتقويض دعائمه ،منفذين مخططات العدو التي تستهدف القضاء على الإسلام ،علينا أنْ نغيِّر من لغة خطابنا معهم ،وعلينا أن نفتح باب الحوار معهم ،وأن تتسع صدورنا لهم ،وأن نقنعهم بالحجة والحكمة والموعظة الحسنة كما أمرنا بذلك خالقنا (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) وقوله جل شأنه لرسوله الكريم ( لو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك) ثمَّ قلتُ:
      “كما علينا أن نعيد النظر في تربيتنا الأسرية ،إذ نجد أنفسنا قد أهملنا في التربية الروحية ،وتقوية الوازع الديني لدى أبنائنا وبناتنا ،وأمرناهم بممارسة العبادات دون أن نوضح لهم لماذا نعبد الله ؟ ولماذا نصلي له ؟ ولماذا نصوم ؟ ولماذا نؤدي الزكاة ؟ ،ولماذا نحج بيت الله الحرام ؟ ،ولماذا على الفتاة إذا بلغت سن المحيض أن تتحجب ؟ وما هو الحجاب في الإسلام ؟ما هي صفات اللباس الشرعي للمرأة ؟ الخ هذه التساؤلات ،وغيرها ،ليؤدي هذه العبادات والفرائض ،وهو يعلم لماذا يؤديها فيحرص على أدائها وعدم تضييعها ،وليثبت أمام كل المغريات التي تحاول أن تبعده عنها ،وتكرهه في دينه وتشككه فيه”. وقلتُ أيضاً:
  ” وعلينا أن نعيد النظر في مناهج التعليم ،وأن نجعل المواد الدينية مواداً أساسية ،وأن نركز على حفظ القرآن الكريم ،والأحاديث النبوية المتعلقة بالفرائض والعبادات والمعاملات ،وأن ندرس الدين بطرق تحبب أولادنا فيه ، وتجعله يتفاعل مع المواد التي يدرسها بربطها بواقعه الذي يعيشه ،ووضع حلول لما يواجهه من مشاكل، بحيث ينشأ ،وهو يدرك ومتيقن أنَّ الدين الإسلامي هو الذي يحل مشاكله ،فيلجأ إليه عندما تواجهه أية مشكلة “.واستطردتُ قائلة:
   وعلى المؤسسات الاجتماعية العمل على  أن تقضي على جميع المتناقضات الموجودة في مجتمعاتنا بحيث لا تتناقض التربية الأسرية والتعليمية مع التربية الاجتماعية من خلال ما تبثه المؤسسات الاجتماعية ،وفي مقدمتها المؤسسات الإعلامية ،ووسائل الاتصال الأخرى من أدب وسينما ومسرح وكتاب ،ومؤتمرات وندوات ومحاضرات. 






  
















Leave a Reply