وهذه رؤية متفائلة  أيضاً للاستشراق الأوربي الجديد ،وصاحب هذه الرؤية الأستاذ الدكتور محمد حرب ،وقد أوضحها في مقالين نُشرا له في جريدة الأهرام في 26/7/1999م،وفي 4/9/1999م،فذكر في المقال الأول أنَّه نادى في محاضرة له في الأكاديمية الإسلامية النمساوية في فينا وقال :
( آن الأوان لكي تقوم زمرة من المستشرقين من أبناء المهاجرين المسلمين خاصة بداية من الجيل الثالث منهم من الذين يعيشون مواطنين مسلمين أوربيين بدراسة الإسلام والمسلمين والعربية والعرب ثقافة وحضارة ،وفنوناً واجتماعاً ،وعقيدة وتاريخاً ،وأنَّ دراستهم ستكون إيجابية حيثُ أنهم مسلمون أصلاً أو أوربيون موطناً ومواطنة يجيدون لغات أوربا ،وبالتالي ففي حالة تحررهم من الاستشراق القديم ،فإنَّ إنصاف الإسلام وارد عندهم ،وإنصاف العرب وارد عندهم ،كما أنَّهم في قلب أوربا سيفيدون من المنهج الأوربي غير الاستشراقي ،مع الإفادة ممَّا كتب في الغرب عن الإسلام ،وعن المسلمين،وعن الشعوب الإسلامية ،وبالتالي سيظهر جيل جديد من المستشرقين المسلمين الأوربيين يعيدون للعرب ،ويعيدون لغير العرب من الشعوب المسلمة ،ويعيدون للإسلام ذاته الإنصاف الواجب لدى الرأي الأوربي العام والخاص من ناحية ولدى المثقف المسلم في بلدانه الأصلية .) 
  هذا وكما ذكر الأستاذ الدكتور محمد حرب أنَّ الصحافة الأوربية ،وأجهزة الإعلام تلقفت هذه الفكرة وأثارتها ،وفي مبادرة من جامعة روتردام الهولندية ،وفي مجلس إدارة الجامعة أواخر يونيه عام 1999م وافق بالإجماع على اقتراح الدكتور محمد حرب بتأسيس كلية اللغات الشرقية يتبنى الاتجاه الاستشراقي الجديد .وأسند عمادتها للأستاذ الدكتور محمد حرب ، وأن نكون مناهجها من أقسام اللغات الشرقية بجامعة الأزهر والجامعات المصرية الأخرى ،وهذه مسؤولية كبيرة وجد خطيرة أسأل الله أن يعين الأستاذ الدكتور محمد حرب على آدائها.
 ويقوم المشروع على الآتي :
1-إنشاء جيل جديد من مستشرقين أوربيين من أبناء الجيل الثالث من المهاجرين المسلمين إلى أوربا.
2-اعتماد المناهج الغربية غير الاستشراقية في دراسة الإسلام والمسلمين والعربية والعرب ثقافة وحضارة وفنوناً واجتماعاً وعقيدة وتاريخاً.
3- الإفادة ممَّا كتب في الغرب عن الإسلام ،وعن المسلمين ،وعن الشعوب الإسلامية .
4- أن تكون مناهج كلية اللغات الشرقية الهولندية هي مناهج أقسام اللغات الشرقية بجامعة الأزهر ،والجامعات العربية الأخرى. 
 وسأبدأ النقاش بالنقطة الأولى وهي : 
 إنشاء جيل جديد من مستشرقين أوربيين من أبناء الجيل الثالث من المسلمين المهاجرين إلى أوربا.
وهنا أسأل:
 ماذا يعرف أبناء الجيل الثالث من مسلمي أوربا عن الإسلام؟ وعن مواطنهم الأصلية؟ 
 إنَّ أغلبهم مسلمون بالهوية فقط. ولا توجد أية رابطة تربطهم بمواطنهم الأصلية ،فقد نشأوا وتربوا على أنَّ وطنهم هو البلد الذي باتوا ينتمون إليه لئلاَّ يشعروا بالغربة فصلتهم بمواطنهم الأصلية ولغاتها منعدمة ، أمَّا حصيلتهم الدينية فهي ضئيلة جداً ،قد لا تتعدى عن الصلاة والصوم والزكاة .
فأبناء الجيل الثالث هم حصيلة الجيل الأول الذي قدم إلى أوربا أعقاب الحرب العالمية الثانية بحثاً عن الرزق ،وأغلبهم من فئات العمال ،ومعظمهم أميون لا يقرأون ولا يكتبون ،ولا يعرفون عن دينهم سوى آداء فروض الصلاة والصيام والزكاة.أبناء وبنات الجيل الثالث هم أبناء وبنات الجيل الثاني الذي لا يعرف شيئاً من أمور دينه سوى الذي تلقاه من أبويْن جاهليْن .
 إنَّ أبناء هذا الجيل يعانون من صراع نفسي شديد لأنَّهم يعيشون حياة مزدوجة ،فهم يعيشون داخل بيوتهم حياة تتناقض تماماً عن الحياة التي يعيشونها خارجها ،فهم في داخل بيوتهم مطالبون أن يعيشوا كمسلمين ،وخارجها يعيشون كأوربيين بكل ما تفرضه الحياة الأوربية من حرية مطلقة وإباحية.
فهل نتوقع من أبناء هذا الجيل المسلمون بالهوية في الغالب الفاقدين الانتماء إلى مواطنهم الأصلية تقديم دراسات عن العقيدة الإسلامية ،والحضارة الإسلامية ،والتاريخ الإسلامي ،والحياة الاجتماعية في البلاد الإسلامية لتعيد هذه الدراسات للإسلام ذاته “على حد تعبير الدكتور محمد حرب” ،ولأمة الإسلام من العرب وغير العرب ذاتها؟
 أن أؤمن بضرورة تبني أبناء هذا لجيل وتعليمهم أمور دينهم ،وإعادة لهم الهوية العربية والإسلامية ،دون أن نثقل كواهلهم بمهام يعجزون عن آدائها ،وإن أدَّوها فسيكونون مقصرون ،وقد يسيئون للعرب والإسلام نتيجة قصور فهمهم ، لأنَّه ليس كل من تكلم العربية ،وقرأ وكتب بالعربية يستطيع أن يكتب عن الإسلام وعقيدته،إنَّه يحتاج إلى إعداد منذ الطفولة ،ويحتاج إلى تخصص ،وأضرب مثالاً على ذلك الدكتور مصطفى محمود نهو طبيب اعتمد في دراساته للإسلام وتفسيره للقرآن على العلم ،فوقع في محاذير عقدية كثيرة ،وهو عاش وتربى وتعلم في مجتمع عربي مسلم .
لماذا لا نعد أبناء الجيل الثالث من مسلمي أوربا ليكونوا علماء في علم الاستغراب بدلاً من علم الاستشراق؟ 
 إنَّ التحدي الذي يوجهه لنا المستشرقون اليوم هو عجزنا ـ نحن المسلمين ـ عن دراسة الغرب كما درس الغرب  الشرق .وهاهم أبناء المسلمين الأوربيين قد عاشوا في هذه المجتمعات ،وذابوا فيها ،وأصبحوا جزءً منها ،وهم خير من يكتب عنها..
 ثُمَّ أننَّي لا أتفق البتة مع الأستاذ الدكتور محمد حرب فيما قاله عن حاجة الإسلام والمسلمين للاستشراق الأوربي الجديد ليعيدوا للإسلام ذاته ،وللعرب والمسلمين ثقتهم بذواتهم وبدينهم ،فالإسلام لم يفقد ذاته ، وإن كنا ـ نحن المسلمين ـ قد فرَّطنا فيه وتخلينا عن معظم تعاليمه ، فلا يعني أنَّ الإسلام فقد ذاته ،فهو باق إلى أن تقوم الساعة ،ويرث الله الأرض ومن عليها. 
  كما أنَّ الإسلام ليس في حاجة إلى استشراق أوربي جديد ليعرِّف الأوربيين به ،إذ توجد لدينا ألوف المؤلفات لعلماء ومفكرين مسلمين درسوا الإسلام على أصوله ،ومن ينابيعه الأصيلة
وكتبوا عنه ،فلماذا لا تُترجم هذه المؤلفات للغات أوربية ويقرأها الأوربيون فيتعرفون على الإسلام من خلالها.
ثُمَّ أنَّه لن تعاد للمسلمين والعرب ثقتهم بأنفسهم وبدينهم بالاستشراق الأوربي الجديد ،هناك وسائل كثيرة لإعادة المسلمين إلى دينهم أهمها إعادة بناء الإنسان المسلم ،وذلك باتباع المنهج الإسلامي في التربية الأسرية ،والتربية التعليمية ،والتربية الاجتماعية لإعادة  الهوية الإسلامية إليه،وليرتكز على قاعدة صلبة متينة لا تزعزعها التيارات والأعاصير العاتية الوافدة إلينا من كل حدب وصوب.
 ننتقل الآن إلى النقطة الثانية وهي :
 اعتماد المناهج الغربية غير الاستشراقية في دراسة الإسلام وعقيدته وتاريخه وحضارته ،وهنا أقول :
 إنَّ المستشرقين طبَّقوا جميع المناهج الغربية في دراساتهم للقرآن الكريم والحديث والتفسير والفقه والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي عبر عصوره المختلفة والحضارة الإسلامية.
 فلقد طبَّقوا منهج التفسير المادي للتاريخ ،وأنكروا البعد الغيبي في السيرة النبوية ،كما طبَّقوا منهج التفسير القومي اليهودي ،والنظرية العرقية ،ونظرية دارون في أصل خلق الإنسان ،كما اتبعوا منهج إسقاط الرؤية الوضعية العلمانية ،والتأثيرات البيئية المعاصرة على الوقائع التاريخية ، واتبعوا منهج الافتراض ،وبالغوا في افتراضاتهم ، واتبعوا منهج النفي الكيفي ،و طبَّقوا منهج الشك الديكارتي ،وبالغوا فيه فشكَّكوا في الثوابت الإسلامية ،كما طبَّقوا المنهج الفيولوجي “فقه اللغة”لإبعاد كل ما هو أصيل عن الإسلام عن الإسلام في حين أنَّهم لم يطبِّقوا هذا المنهج في دراساتهم للتاريخ الأوربي ،بل نجدهم طبَّقوا نظريات فرويد في التحليل النفسي على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ،كما طبَّقوا منهج نقد الرواية التاريخية ،علماً بأنَّ هذا المنهج كان المسلمون أسبق في هذا المنهج الذي استقوه من القرآن الكريم ؛إذ سار عليه علماء الحديث ،ولكن المستشرقين لم ينهجوا نهج رجال الحديث في التثبت من صحة الروايات ،فالمستشرقون طبَّقوا منهج نقد الرواية التاريخية ليشككوا في الروايات الصحيحة ،وليثبتوا صحة الروايات الضعيفة والموضوعة .
 إنَّ المناهج التي اتبعها المستشرقون في كتاباتهم عن الدراسات الإسلامية مناقضة تماماً لمنهج التفسير الإسلامي للتاريخ ،والذي ينبغي لنا التوقف عنده قليلاً ،لأنَّ هذا سيوضح لنا مواطن الخلل في كتاباتهم عن الإسلام والسيرة النبوية ،والتاريخ الإسلامي.
التفسير الإسلامي للتاريخ:
 التفسير الإسلامي للتاريخ يقوم على التصور الإسلامي للخالق جلَّ شأنه ،والإنسان والكون والحياة والزمان والأحداث . ونظرته للزمان هو ماض وحاضر ومستقبل ،والزمان الماضي في نظر الإسلام غير ضائع ،وسوف يحاسب عليه الإنسان يقول تعالى : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً . إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)
 ومن هنا ارتبط مفهوم الماضي عند المسلمين بالإيمان ،وبالمسؤولية التي ألقاها على كاهل الإنسان بعد أن زوده بالإحساس والإدراك بشريعته السماوية على أيدي رسله ،كما أنَّ الزمن الماضي بالنسبة للمسلم مصدر العبرة والعظة والدروس المستفادة من تواريخ الأولين.
 أمَّا الزمن الحاضر فهو مرحلة يتحرك فيه نحو المستقبل على هدي من أحداث الماضي ،وهي مرحلة العمل وتعمير الأرض تحقيقاً لأمانة الاستخلاف المنوطة بالإنسان ،وفي هذه المرحلة تتحدد خطى المستقبل ،ويعظم الثواب والجزاء.
 أمَّا الزمان المستقبل في مفهوم المسلم هو يوم القيامة الذي تتحدد فيه المصائر ،وتكتسب من خلاله أعمال البشر سمة الخلود ،ويكون هذا دافعاً للأفراد والشعوب للعمل على إرضاء الله ومراقبته في أعمالهم للفوز بالجنة ،فيعيش الإنسان في أمان واستقرار وسعادة .
 والأحداث في مفهوم الإسلام هي من صنع الإنسان وفق مشيئة الله جلَّ شأنه ( سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدورا)
 ولقد عبَّر القرآن الكريم عن حركة التاريخ “بالسنن” وهكذا نجد أنَّ المفهوم الإسلامي للزمان والأحداث تتمثل فيه نظرة الإسلام للخالق جلَّ شأنه والإنسان والكون والحياة ،فالله هو الخالق “القاهر فوق عباده”،وهو “فعَّال لما يريد”،وكل مافي الكون يسير وفق مشيئته وإرادته “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”، وأن الإنسان خلق لعبادة الله ،ولعمارة الأرض ،وأنَّه مسؤول عن عمله يحاسب عليه ،وأنَّ عليه أن يعمل لآخرته كما يعمل لدنياه ،وأنَّ الدار الآخرة خير وأبقى ،وأنَّ كل ما في الكون مسخر للإنسان لتحقيق الغاية العليا من خلقه ،وهي عبادة الله ” وما خلقتُ الجن والإنس إلاَّ ليعبدون”.
وهذا خلاف لمزاعم القائلين بأنَّ اكتشاف القوانين العلمية يغني عن الإيمان بالله ،وكذلك ما يزعم “ماركس” ،وغيره من الماديين من أنَّ المادة هي أصل الوجود ،وكل ماعداها انعكاس لها ومن ثَمَّ الإيمان بحتمية التاريخ ،وهي أنَّ كل خطوة تؤدي حتماً إلى الخطوة الموالية بطريقة حتمية ،وبالتالي فإنَّ المجتمع يتبع عجلة التاريخ،ولمن لا يوجهها.
خصائص منهج التفسير الإسلامي للتاريخ:
أهم خصائص منهج التفسير الإسلامي للتاريخ ألخصها في الآتي:
1-أنَّه يفرد للبعد الغيبي ـ ماض وحاضر ومستقبل ـ مساحات واسعة يجعله أحد شروط الإيمان.
2-الربط بين الدين وأحداث التاريخ في الأفراد والمجتمعات ويتضح هذا من قصص فرعون ،وأقوام نوح ولوط ،وعاد وثمود،وبني إسرائيل وغيرهم ،وبيان ما حل بهذه الأقوام من عذاب في الدنيا لعدم إيمانها بالله وتكذيبها لرسله وأنبيائه .
3-لا منافاة بين البحث عن السنن أو القوانين ،وبين الاعتقاد بخالقها .
4-ربط المعاملات بالعقيدة ،وتدخل الدين في الاقتصاد ،وتوضح هذا قصة أصحاب الأيكة.
5-جعل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مصدريْن أساسيْن للكتابة التاريخية ،ولتتبع حركة التاريخ منذ أن خلق الله الكون إلى أن تقوم الساعة.
6-عدم قبول الخبر إلاَّ بعد التثبت من صحته ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)
7-ليست الأحداث التاريخية في القصص القرآني متسلسلة الحلقات في السرد ،وذلك لأنَّ التاريخ فيه لم يقصد لذاته ،وإنَّما لاستخلاص العبرة منه.
8- التاريخ في القرآن الكريم وحدة زمنية تتهاوى فيها الجدران التي تفصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.
   ومن هنا نجد أنَّ الفهم الجاد للعلوم الإسلامية وللسيرة والتاريخ الإسلامي يقتضي منهجاً يقوم على شروط ثلاثة ،وافتقاد أو تهديم أي منها يلحق ضرراً فادحاً في مهمة الفهم هذه .
 الشرط الأول: وهو أساسي للإيمان، أو على الأقل احترام المصدر الغيبي لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ،وحقيقة الوحي الذي تقوم عليه.
الشرط الثاني: هو اعتماد موقف موضوعي بغير حكم مسبق يتجاوز كل الإسقاطات التي من شأنها أن تعرقل عملية الفهم.
الشرط الثالث: هو تقنية صرفة تقوم على ضرورة الإحاطة جيداً بأدوات البحث التاريخي بدءاً باللغة وجمع المادة الأولية،وانتهاءً بطرق المقارنة والموازنة والنقد والتركيب. 
وإن كان الغربيون قد بلغوا حد التمكن والإبداع في هذه الدائرة في تقنية البحث العلمي إلاَّ أنهم لم يستطيعوا أن يقدموا أعمالاً علمية بمعنى الكلمة لواقع الإسلام وتاريخه ،وسيرة نبييه صلى الله عليه وسلم ،فهم لم يستطيعوا حتى الاقتراب من حافة الفهم بسبب أنَّه كان يعوزهم التعامل أكثر علمية مع احترام المصدر الغيبي ،واعتماد الموقف الموضوعي بغير حكم مسبق ،وامتلاك اللغة العربية .
 والذي اتضح لنا من خلال دراستنا لكتابات المستشرقين عن الإسلام ،أنهم ألغوا المصدر الغيبي ،واتبعوا منهج الحكم المسبق،وإن أعلنوا التزامهم بالحية والموضوعية .
إلاَّ أنهم لم يستطيعوا التخلص مما يحملونه في دواخلهم تجاه الإسلام من كره وعداء له ،وما دلَّتهم الكنيسة عليه ،وهو أنَّ اليهودية تمهيد للمسيحية ،وأنَّ ما عداهما كذب واختلاق ،وقد أعلن بعض المستشرقين مثل “هاملتون جيب” ،”ومونتجمري وات” أنَّهما لا يستطيعان أن يتخلصا من موروثهما العقدي والثقافي والفكري عن الإسلام.
 ومن هنا يتضح لنا أنَّ أية دراسة عن الإسلام وتاريخه ،وعلومه لن تكون دراسة منصفة ومجدية ،إلاَّ إذا نهجنا المنهج الإسلامي في الكتابة والبحث العلمي ،والملاحظ في مشروع الدكتور محمد حرب أنَّه لم يشر إلى المنهج الإسلامي في الكتابة والدراسة والبحث كمنهج أساسي للدراسات الإسلامية ،بينما أشار إلى الاستفادة من المناهج الغربية ،ومن كتابات الغربيين عن الإسلام وعن المسلمين.
 والغربيون كما سبق وأن ذكرت لم يستطيعوا أن يتخلصوا من موروثاتهم العقدية والثقافية والفكرية عن الإسلام ،كما صرَّح بعضهم بذلك.
 وكتابات الغربيين التي قيل عنها أنَّها أنصفت الإسلام مطلوب إعادة النظر فيها مثل ما كتبه توماس كارليل عن الرسول صلى الله عليه وسلم ،و”توماس أرنولد” عن الدعوة إلى الإسلام ،و”مايكل هارت ” الخالدون مائة وأعظمهم محمد.
  فهؤلاء اعتمدوا على التفسير الفردي في تفسير حركة التاريخ القائم على أنَّ عظماء الرجال هم الذين يحركون التاريخ ،وهم الذين ينهضون بأممهم ،وهم الذين يسيطرون على ما يحيط بهم من قوى سياسية واقتصادية واجتماعية ،فهؤلاء نفوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ،واعتبروه هو المحرك لجميع الأحداث ،وأنّه بطل من الأبطال ،أو كرجل عظيم حل المشاكل ذات الصعوبة المرعبة ،وأنَّه واحد من أعلام التاريخ ،وأنَّه مؤسس لديانة الإسلام ،أي أنَّ الإسلام ليس من عند الله ،وإنَّما هو من عند محمد صلى الله عليه وسلم.
  كما نجد “توماس أرنولد” أعلن في مقدمة كتاب ” الدعوة إلى الإسلام ” أنَّ الإسلام انتشر بحد السيف ،وذلك عندما قال في ص 10( ومع أنَّ هذا المؤلف ،وهو أمر مسلم به كما يتضح في التمهيد عبارة عن سجل لجهود نشر الدعوة ،وليس تاريخاً للاضطهاد) ،وأكد على هذا في موضع آخر ؛ إذ قال في ص 30 : ( أننا لم نضع هذا الكتاب لدراسة تاريخ الاضطهادات الإسلامية ،وإنَّما وضعناه لدراسة الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم ،فليس الغرض تاريخ الحملات التي استعملت فيها القوة لإدخال الناس في الدين الإسلامي ،وقد عنى الكُتَّاب الأوربيون ببيان هذه الحملات حتى لم يعد ثمة خوف من إغفالها). 
هذا ما قاله “توماس أرنولد” الذي هلَّل له المسلمون ،وقالوا عنه أنَّه أنصف الإسلام.
 هذا ويلاحظ أنَّ الدكتور محمد حرب لم يشر إلى الأساتذة الذين سوف يُدِّرسون في هذه الكلية ،هل من أساتذة الأزهر والجامعات العربية ،أم من المستشرقين الأوربيين القدامى ،فإن كانوا من هؤلاء المستشرقين ،أو أساتذة أوربيين فهذه طامة كبرى ،وهي الإتيان بأبناء ينتسبون إلى الإسلام ،وهم يجهلونه ،ويجهلون لغته، وندرسهم مناهج تنتسب إلى جامعات إسلامية ،ونأتي بأساتذة من المستشرقين ليدرسوهم ،ونقول عنهم هولاء مستشرقون مسلمون جدد ،وبهذا نكون قد خلعنا على الاستشراق القديم ثوباً جديداً هو ثوب الإسلام .
 الذي أريد أن أقوله أنَّ الأستاذ الدكتور محمد حرب هل درس أبعاد مشروعه هذا قبل أن يطرحه ويقدم عليه ؟
هل يستطيع في خلال أربع سنوات ،أو حتى عشر سنوات أن يعد من أبناء المسلمين الذين لا يشعرون بأي انتماء لأوطانهم ودينهم ولغتهم ؟وهل يستطيعون أن يستوعبوا ويفهموا دينهم على حقيقته عقيدة وفقهاً ولغة وتاريخاً وحضارة؟
وهل مناهج الكليات الأزهرية والمصرية الأخرى للغات الشرقية كافية لتأهيل هؤلاء للمهمة المعدين من أجلها ؟
 ومن هم الأساتذة الذين سوف يُدرسون هذه المناهج ؟
وهل الإسلام في حاجة إلى مستشرقين أوربيين مسلمين يكتبون عنه؟  
 ولماذا بهذه السرعة العجيبة أنشأت جامعة روتردام الهولندية هذه الكلية متبنية مشروعه الكبير؟
 علينا أن ندرس أبعاد ما ندعو إليه قبل الإقدام بالدعوة إليه ،والعمل على تنفيذه ،وأرجو من الأستاذ الدكتور محمد حرب أن يسأل نفسه هذه الأسئلة ،ويجيب عنها قبل أن يتسلم مهام عمله الجديد.
                    أسأل الله أن يهدينا جميعاً إلى الصواب
                                                      



الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد
 suhaila_hammad@hotmail.com
    

Leave a Reply