المعجزة التي حققها العرب
تحت هذا العنوان كتبت المستشرقة الألمانية ( زيغريد هونكة ) في كتابها ( شمس العرب تسطع على الغرب ) تقول :
( نحن الآن في سنة ألف للميلاد ، لقد نشر ابن النديم تاجر الكتب في بغداد بالأمس القريب فهرساً للعلوم يضم في عشرة مجلدات أسماء جميع الكتب التي صدرت باللغة العربية في الفلسفة والفلك والرياضيات والطبيعيات والكيمياء والطب حتى ذلك الحين ) .
(وفي الأندلس تجتذب قرطبة طلاب العلم من كل أنحاء الشرق بل والغرب أيضاً بمدارسها العليا ومكتباتها العظيمة التي جمع لها الخليفة الحكم الثاني وهو من أشهر علماء عصره في مليون من الكتب القيمة جمعها له عشرات من رجاله وعلق الخليفة بنفسه على هوامش عدد كبير منها قبل وفاته ، وذلك قبل نهاية القرن العاشر بأربعة وعشرين عاماً ) .
( وفي القاهرة رتب مئات العمال والفنيين في مكتبتي الخليفة مليونين ومئتين من المجلدات ، وهو يعادل عشرين ضعفاً ما حوته مكتبة الاسكندرية الوحيدة في عصرها ) .
وتستطرد المستشرقة الألمانية ( زيغريد هونكة ) حديثها عن معجزة العرب فتقول ” أنه لمن المعلوم تماماً أنه ليس ثمة أحد في روما له من المعرفة ما يؤهله لأن يعمل جواباً لتلك المكتبة وأنى لنا أن نعلم الناس ونحن في حاجة لمن يعلمنا أن فاقد الشيء لا يعطيه ” هذا ما قاله متحسراً من يعرف الحقيقة تمام المعرفة أعني به جربرت فون أو لياك gerbert von Auilakالذي ارتقى كرسي البابوية في روما عام 999 ميلادية باسم البابا سلفزوس الثاني ) .
وتستمر المستشرقة الألمانية زيغرين هونكة في سرد إنجازات العرب العلمية فتقول :
( في هذا العام نفسه نشر أبو القاسم مبادئ الجراحة التي ظلت شائعة لقرون عدة ، وشرح البيروني للفكر العالمي دوران الأرض حول الشمس ، واكتشف الحسن بن الهيثم قوانين الرؤية وأجرى التجارب بالمرايا والعدسات المستديرة والاسطوانية والمخروطية ، وبينما كان العالم العربي يسرع في هذا العام نحو قمة عصره الذهبي وقف الغرب مذهولاً ، وقد تولاه الفزع ، بترقب نهاية العالم عما قريب ويعظ القيصر الشاب أوتو الثالث وهو ابن عشرين ربيعاً الناس ، فيقول ( والآن سيأتي المسيح ويحضر الناس ليقنص من هذا العالم … وبينما أوتو الثالث يتشدق بهذه الكلمات الجوفاء كان ابن سينا وهو حينذاك أيضاً فتى في العشرين من عمره قد بدأ يملأ الدنيا بأنباء انتصاراته العلمية الباهرة ، إنَّ هذه القفزة السريعة المدهشة في سلم الحضارة التي قفزها أبناء الصحراء ، والتي بدأت من اللاشيء لهي ظاهرة جديرة بالإعتبار في تاريخ الفكر الإنساني وأنَّ انتصاراتهم العلمية المتلاحقة التي جعلت منهم سادة للشعوب المتحضرة في هذا العصر لفريدة في نوعها لدرجة تجعلها أعظم من أن تقارن بغيرها ، وتدعونا هنا أن نقف هنيهة متأملين كيف حدث هذا ؟ وكيف أمكن لشعب لم يمثل قبل دوراً حضارياً أو سياسياً يذكر أن يقف مع الإغريق في فترة وجيزة على قدم المساواة ؟ .
وتستمر قائلة : ( إنَّ ما حققه العرب لم تستطع أن تحققه شعوب كثيرة أخرى كانت تمتلك من مقومات الحضارة ما قد كان يؤهلها لهذا ، بيزنطية وريثة الحضارتين الشرقية والإغريقية بقيت على جهالتها مع أنها بلغتها اليونانية كانت أقرب للناس إلى الحضارة الإغريقية والسوريون هم تلامذة الإغريق كان لهم من الحضارة قبل الإسلام حظ وفير ولقد غفلوا عن طريق الترجمة كثيراً من أعمال الإغريق إلى لغتهم ولكنهم أيضاً كبيزنطة فشلوا في أن يجعلوا مما اقتبسوه من الإغريق بذرة الحضارة تذدهر كما فعل العرب فيها بعد ، ولم تكن فارس التي اكتسبت من حضارات الصين والهند والإغريق بأسعد حظاً من بيزنطيه أو سوريا وبرغم تحسن الحالة الاقتصادية في تلك البلاد ورعاية الدولة للعلوم والعلماء فإنه لم يسمح لحضارة تلك البلاد أن تصبح حضارة مبتكرة مؤثرة إلا في جو عقلي آخر وفي ثنايا حضارة ثانية أنجع هي الحضارة العربية ،لم يأت خلفاء الإغريق على عشر الحضارة من بيزنطة ، أو من سوريا ، ولم يأتوا من فارس ، حلقة الإتصال بين حضارتي الشرق والغرب ، هل أتى سادة الحضارة الجدباء من قلب الصحراء الجدباء ليتبوأوا فجأة مركز الزعامة بين حضارات العالم ، بلا منازع مدة ثمانية قرون ، وبهذا ازدهرت حضارتهم أكثر من حضارة الإغريق أنفسهم) .
هذا إقرار من المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه بتفوق الحضارة الإسلامية على جميع الحضارات: الإغريقية والبيزنطية والفارسية والهنديو والصينية والسورية تقصد ( الفينيقية ) وقصر تفكير الغرب الذي كان بشرف على نهاية العالم في الوقت الذي بلغ العرب قمة عصرهم الذهبي .
وبعد هذا الإقرار المنصف تساءلت المستشرقة الألمانية هذه التساؤلات :
ما هي المقومات التي احتاجها هذا الشعب ليبعث مثل هذا البعث ؟
وما هي العوامل التاريخية والإجتماعية والروحية والفكرية التي كان لابد لها أن تجتمع لتخلق هذه المعجزة التي حققها العرب ؟
وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات سنواصل جولتنا مع علماء الغرب ومفكريه لنتعرف على آرائهم في الحضارة الإسلامية ومواقفهم منها :
يقول فلوريان : ( كان للعرب عصر مجيد عرفوا فيه انكبابهم على الدرس وسعيهم في ترقية العلم والفن ولا نبالغ إن قلنا أن أوروبة مدينة لهم بخدمتهم العلمية تلك الخدمة التي كانت العامل الأول والأكبر في نهضة القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد ) .
ويقول ويلز عن حضارة العرب ( وكانت طريق العربي أن ينشد الحقيقة بكل استقامة وبساطة ، وأن يجلوها بكل وضوح وتدقيق غير تارك منها شيئاً في ظل الإبهام فهذه الخامة التي جاءتنا نحن الأوروبيين من اليونان ،وهي نشدان النور إنَّما جاءتنا عن طريق العرب ، ولم تهبط على أهل العصر الحاضر عن طريق اللاتين .
ويعترف البارون دي فو ( بأنَّ الرومان لم يحسنوا القيام بالميزان الذي تركه اليونان وأنَّ العرب كانوا على خلاف ذلك ، فقد حفظوه وأتقنوه ، ولم يقفوا عند هذا الحد بل تعدوه إلى ترقيته وطبقوه باذلين الجهد في تحسينه وانمائه حتى سلموه للعصور الحديثة) .
وقال سديو ( إنَّ إنتاج أفكار العرب الغزيرة ومخترعاتهم النفيسة تشهد أنهم أساتذة أهل أوروبا في جميع الأشياء ) .
وقال الدكتور سارطون من علماء أمريكا ( إن بعض الغربيين الذين يجربون أن يستخفوا بما أسداه الشرق إلى العمران يصرحون بأنَّ العرب والمسلمين نقلواوا العلوم القديمة ولم يضيفوا إليها شيئاً ما ، هذا الرأي خطأ … ) ثم يضيف قائلاً ( ولذلك فإنَّ العرب كانوا أعظم معلمين في العالم في القرون الثلاثة : العاشر والحادي عشر والثاني عشر الميلادي ) .
أما غوستاف لوبون فيقول ( إنَّ دور العرب لم يقتصر فقط عل ترقية العلوم باكتشافاتهم بل عملوا على نشرها بواسطة جامعاتهم ،وبواسطة مؤلفاتهم ، وأن التأثير الذي أحدثوه في أوروبا من هذه الخاصية الأخيره قد كان عظيماً جداً ) .
ثم يقول ( إنَّ العرب قد كانوا في مدة عصور عديدة هم وحدهم الأساتذة الذين عرفتهم النصرانية وأننا اليهم وحدهم مدينون في معرفة القديم اليوناني اللاتينين وأنَّ التعليم في جامعاتنا يتوقف على الإعتماد على ترجمة الكتب العربية إلا في الأيام الحديثة )، ثم يتحدث عن شغف العرب بالعلم فيقول : ( لقد بلغ شغف العرب بالتعليم مبلغاً عظيماً حتى أنَّ خلفاء بغداد كانوا يستعملون كل الوسائل لجذب العلماء وأشهر الفنانين في العالم إلى قصورهم وأنَّ أحد هؤلاء الخلفاء بلغ الأمر منه إلى حد إعلان الحرب على قيصر القسطنطينية وذلك ليجبره على السماح لأحد الرياضيين المشهورين بالمجيء إلى بغداد والتعليم فيها ولقد ازدحم في هذه المدينة الكبرى الفنانون والعلماء والأدباء من كل الأديان وكل البلاد من فرس ويونان وأقباط وكلدان وجعلوا من بغداد المركز العلمي الحقيقي، ولقد كان المأمون بن الرشيد ينظر إلى العلماء كما قال أبو الفرج كأنهم مخلوقات اختارهم الله لإكمال العقل فهم مشاعل العالم ، وهداة الجنس البشري وبدونهم تعود الأرض إلى البربرية الأولى ) .
ويعجب غوستاف لوبون بعد هذا أيَّما إعجاب من ذلك الشغف بالعلم الذي افتتن به العرب ويزداد إعجابه أن رأى هذا الشغف منهم منبعثاً عن الدين نفسه، ولذلك قال : ( إنَّ العلم الذي استخفت به جداً أديان أخرى قد رفع المسلمون من شأنه عالياً ، وإليهم في الحقيقة ترجع هذه الملاحظة الصائبة ( إنَّما الناس هم الذين يتعلمون والذين يعلمون وما عداهم مضر ولا خير فيه ) .
ويتحدث نللينو عن انجازات العرب العلمية في قياس محيط الأرض إن كانوا أو من قام بقياس حقيقي لمحيط الأرض بطريق علمي صحيح ، يقول نللينو عن هذا الإنجاز العلمي للعرب : إنَّه أول قياس حقيقي أجري مباشرة ، وأنه من أعمال العرب العلمية المجيدة المأثورة ، وقد كانت أقيستهم في ذلك كله على قلة ما بأيديهم من الوسائل دقيقة صحيحة ،أو قريبة جداً من الصحيح، وأنَّ “ثابت بن قرة الحراني” استخرج حركة الشمس وحسب أول السنة النجمية فكان 365 يوماً وست ساعات وتسع دقائق وعشر ثوان ، فكان ما وصل إليه يزيد على أول السنة الحقيقي بمقدار هو أقل من نصف ثانية .
وقال “سخاو” في أحد رياضي العرب ( محمد البيروني ) : ” إنَّ البيروني أعظم عقلية عرفها التاريخ ” وقال ” لا لاند ” في محمد البتَّاني ( إنّه من العشرين فلكياً المشهورين في العالم ).
وقال الدكتور ماكس مايرهوف عن نظريات العرب في مباحث الضوء : ( إنَّ العرب أسدوا جزيل الخدمات إلى هذا العلم الذي تتجلى فيه عظمة الابتكار الإسلامي، وكذلك فيما وصلوا إليه لأول مرة في تحديد الثقل النوعي تحديداً فنياً دقيقاً لكثير من الأجسام الجامدة والسائلة ، والانتباه إلى مابين السوائل من فروق في نقلها النوعي إذا كانت حارة ثم باردة ثم جامدة .
أما عن كتاب الخوارزمي في علم الجبر فيقول فيه كاجوري من علماء الغرب : ( إنَّ العقل ليدهش عندما يرى ما عمله العرب في الجبر ) .
وأمَّا الطب فإنَّ كتاب القانون لابن سينا كان حتى أواسط القرن السابع عشر المرجع الوحيد لمعاهد الطب وجامعات أوروبا .
وفي علم الكيمياء كان لهم الكثير من الإبداع أن تم لهم فيه من استحضار الكثير من المركبات والحوامض التي تقوم عليها الصناعة الحديثة كالمركبات التي تستعمل حتى الآن في صنع الورق والحرير والمفرقعات والأصبغة والسماد الصناعي .
وبعد فهذا قليل من كثير من شهادة علماء الغرب ومستشرقيه عن معجزات الحضارة الإسلامية وتفوقها على جميع الحضارات .
الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد
suhaila_hammad@hotmail.com